النظريات الأربع في علم نفس الشخصية

اقرأ في هذا المقال


أثبت فهم الشخصية أنه مهمة صعبة بصورة عامة وخصوصاً لعلماء النفس، فلا توجد نظرية واحدة قادرة على تقديم جميع الإجابات، مع ذلك هناك أربع فئات واسعة من نظرية الشخصية التي توفر معظم فهمنا لكيفية عمل الشخصية، كما أنّ هناك أربعة مناهج نظرية رئيسية لدراسة الشخصية، يسميهم علماء النفس مناهج التحليل النفسي والسمات والإدراك الإنساني والاجتماعي.

مفهوم الشخصية في علم النفس:

بينما نتحدث عن الشخصية طوال الوقت، فإنّ وضع تعريف في الكلمات يمثل في الواقع تحدي كبير، يحاول علماء النفس منذ سنوات التوصل إلى تعريف علمي واحد، مع ذلك حتى الآن لم ينجحوا، بشكل عام يمكننا فهم الشخصية على أنّها نمط الأفكار والمشاعر والسلوكيات التي تجعل كل شخص فريد؛ ببساطة كل الخصائص هي التي تجعلنا ما نحن عليه؛ أي شخصيتنا ومزاجنا وطبيعتنا.
يعتقد بعض الناس أن الشخصية بيولوجية أو وراثية بطبيعتها، بالتالي تظل ثابتة طوال الحياة، كما يعتقد البعض الآخر في نظام ديناميكي؛ حيث تتغير الشخصية بسبب عوامل خارجية مثل تجارب حياتنا وبيئتنا وثقافتنا، يُعرف هذا النقاش باسم “الطبيعة مقابل التنشئة، مهما كان ما نعتقده فإن حقيقة وجود العديد من النظريات حول الشخصية تُظهر أن التقاط الجوهر الفريد للشخص ليس أبسط شيء في العالم.

تأثيرات الشخصية في علم النفس:

هناك أدلة تشير إلى أنّ الأشخاص الذين يعملون باستمرار خارج مناطق الراحة الشخصية لديهم، يعانون من الإرهاق والتوتر؛ على سبيل المثال سيصبح الشخص الذي يتمتع بدرجة عالية من التوافق ويفعل كل ما في وسعه لتجنب الصراع قلِق للغاية إذا تمّ تكليفه بمهمة تأديب الموظفين وفصلهم، يمكن أن تبدأ الشخصية محادثة مهمّة حول كيفية إنشاء مكان عمل أكثر صحة، المبدأ الأساسي للشخصية هو أنّها تسبب السلوكيات؛ لأنّنا نتفاعل مع المواقف بناءً على شخصيتنا، هذا له تداعيات هائلة على سلوك الفرد وخصائصه الشخصية.

هناك عدّة أنواع من الشخصيات في المنظمة يمكنها أن تملي سلوك الأفراد، من خلال اكتشاف كيفية تناسب هذه الأنواع من الشخصيات مع ثقافة المنظمة، يمكن للناس اكتساب نظرة ثاقبة حول مدى ملاءمة الأفراد أنفسهم للهيكل التنظيمي، إذا كان هناك مستوى عالي من الاختلاف بين شخصيات الموظفين وثقافة المنظمة، فإنّ التواصل والتعاون وعلاقات العمل يمكن أن تتضرر على حساب المنظمة ككل.

العوامل التي تؤثر على الشخصية هي التنشئة والجنس والانطواء والانبساط والتعليم والآراء الدينية والتراث وتقدير الذات وظروف الحياة، غالباً ما تنتقل الطرق الإيجابية أو السلبية التي نتعامل بها مع أي شيء تمدنا به إلى الطريقة التي نؤدي بها الأدوار الإدارية أو الإشرافية؛ لى سبيل المثال فلنتخيل امرأة نشأت أو علمت نفسها بنفسها لتثبت نفسها بطريقة صحية وغير عدوانية مع شعور بالقوة والتمكين وممارسة العدالة للجميع وليس لنفسها فقط، هناك فرصة جيدة أن تظهر أسلوب قيادة ديمقراطي وتشجع التواصل الجيد على جميع المستويات وتصنع قائد ودود ومؤثر.

من ناحية أخرى قد يُظهر الشخص الذي يحتاج إلى الشعور بالقوة والذي هو متطلب ولا يمكن الاقتراب منه، أسلوب وجيهي أو إعلامي للقيادة، بدلاً من ذلك يمكن للشخص الذي يرغب في أن يشعر بأنّه محبوب من قبل الجميع أو يسمح للعاملين بقيادة أنفسهم في نهاية المطاف أن يعرض أسلوب تفويضي أو أسلوب عدم التدخل في القيادة، قد يؤدي هذا إلى إنتاجية منخفضة وعدم احترام من الموظفين الذين يفضِّلون التوجيهات الواضحة ويتطلبونها.

على سبيل المثال في بية العمل لنفترض أن شخص ما يمتلك شركة للأطعمة ولديه اهتمام حقيقي بالجوعى والمشردين في مجتمعه، لذا فهو يتبرع للملاجئ وينظم رحلات الطعام، ستحظى جهود عمله بالإعجاب من قبل الباحثين عن عمل بنفس العقلية والمبادئ وتجذبهم إليه، إذا تمكن من تحديد مقدم الطلب الذي يدعم أهدافه الإيثارية، فهناك فرصة جيدة لأنّ يكون مرشد ممتاز للفريق؛ روح الفريق أمر حيوي لأي مشروع وصحي للنتيجة النهائية.

النظريات الأربع في علم نفس الشخصية:

التحليل النفسي:

يعتقد سيغموند فرويد أن الشخصية تتكون من ثلاثة مكونات، إنّها مسؤولة عن جميع احتياجاتنا مثل التغذية والتقدير والحث والغريزة الجنسية والكراهية والحب والحسد؛ وفقاً لفرويد تسعى الهوية إلى تلبية احتياجاتنا بشكل فوري دون الرجوع إلى المنطق أو الأخلاق، إنها متطلبة واندفاعية وغير عقلانية ومعادية للمجتمع، كما أنّها أنانية وموجهة للشهوة وأكثر غرائزنا بدائية، أمّا الأنا العليا أو الضمير، فيمثل الأخلاق فضلاً عن معايير المجتمع، إنّه يحتوي على جميع المُثُل التي يسعى الفرد من أجلها وتجعلنا نشعر بالذنب إذا لم نلبي هذه المعايير.
الأنا العليا هي أساس معيار الكمال لدينا؛ الشخص الذي نريد أن نكونه، بينما يسعى الهوى من أجل المتعة والأنا العليا من أجل الكمال، تعمل الأنا على تهدئة الاثنين، إنّه يعمل على مبدأ الواقع ويتوسط في المطالب المتنافسة للهوية والأنا العليا واختيار الحل الأكثر واقعية على المدى الطويل؛ لنفترض على سبيل المثال أن الشخص يمتلك الرّغبة في زيادة راتبه على المشروبات والحفلات، هذه هي هويته تتحدث، قد تصرخ الأنا العليا بأن فكره حمقاء وغير أخلاقية وهو شخص سيء حتى لو فكر بها، ستوازن الأنا بين رغبته في الإشباع الفوري ورغبته في تحمل المسؤولية.
أكّد فرويد كذلك على أهمية تجارب الطفولة المبكرة في تنمية الشخصية، كان يعتقد أن تحليل أضرار الماضي يمكن أن يفتح تطور الشخص في المستقبل، يعتقد فرويد أن الأضرار كانت في الغالب من قبل الوالدين خلال طفولة الشخص، لا تحظى آراء فرويد بالموافقة المطلقة وقد شكك العديد من النقاد في الأساس العلمي لعمله، مع ذلك يبقى أساس التحليل النفسي الحديث، حيث يتراجع الناس أو يتعمقون في شخصيتهم اللاواعية لحل النزاعات التي يواجهونها.

نظرية السمات:

تركّز هذه النظرية على الانفتاح أو مدى انفتاح الشخص ومدى رغبته في تجربة أشياء جديدة، كذلك الضمير ومدى مصداقيته وتنظيمه واجتهاده، أيضاً الانبساط والذي يتم تهجئته بـ “أ” في علم نفس الشخصية، أو ما إذا كان يستمد الطاقة من التفاعل مع الآخرين، الأشخاص الذين يحصلون على درجات منخفضة في الانبساط (الانطوائيون) يكتسبون الطاقة من داخل أنفسهم، المنفتحون يكتسبون الطاقة من الناس، إنّهم يميلون إلى أن يكونوا حازمين ولديهم موهبة الثرثرة.
العامل الرئيسي للحركة الإنسانية هو إبراهام ماسلو، يعتقد ماسلو أن الشخصية لم تكن مسألة طبيعة أو تنشئة ولكن اختيار شخصي؛ على وجه التحديد اقترح أن يمتلك الناس إرادة حرة ولديهم الدافع لمتابعة الأشياء التي ستساعدهم على الوصول إلى إمكاناتهم الكاملة كبشر، طور ماسلو تسلسل هرمي للاحتياجات والذي يتم عرضه عادةً على شكل هرم، يرصد الطبقة السفلى من الهرم حتى من أبسط الاحتياجات الأساسية؛ الغذاء والماء والنوم والمأوى، هذه الاحتياجات مهمّة للغاية بحيث يعمل الناس على تلبيتها قبل القيام بأي شيء آخر.
حالما يتم استيفاء هذه الاحتياجات يمكن للناس التحرك من خلال المستويات الأخرى من الهرم وتلبية احتياجات السلامة والانتماء والثقة بالنفس، حتى يقوم الفرد بالوصول إلى المستوى النهائي وهو تحقيق الذات، إنّ تحقيق الذات هو عملية التطوير والنمو من أجل الوصول إلى إمكاناته الحقيقية، قال ماسلو هذا هو الدافع الرئيسي للسلوك البشري، أكد المنظور الإنساني على أهمية استخدام الإرادة الحرة ليصبح الفرد أفضل إنسان يمكن أن يكون عليه، إنّها تختلف عن النظريات الأخرى في الاعتقاد بأنّ الناس صالحون في الأساس.

نظرية الإدراك الاجتماعي:

تنظر نظرية الإدراك الاجتماعي إلى الشخصية من خلال عدسة تفاعلاتنا الاجتماعية؛ لذلك بدلاً من التطور في الصندوق الأسود، تتفاعل سمات شخصيتنا مع بيئتنا للتأثير على السلوك، هذا يعطي رؤية أوضح لتأثير الآخرين على شخصياتنا، رائد نظرية الإدراك الاجتماعي هو عالم النفس ألبرت باندورا.
جادل أنّه عندما يرى الناس أن شخص ما يستفيد من سلوك معين، فإنهم يقلدون هذا السلوك من أجل كسب مكافأة مماثلة، شهدت تجربته الشهيرة طفل يكافأ بدمية لكمة دمية، عندما تم عرض مقطع الفيديو على أطفال آخرين، تصرفوا بطريقة عدوانية مماثلة لكسب مكافأة، بالتالي يمكن تعلم سمات الشخصية (في هذه الحالة العدوانية).

الحتمية المتبادلة:

تتمتع نظرية الإدراك الاجتماعي بالكثير من الجاذبية في دوائر الصحة العامة؛ حيث تُستخدم لشرح كيف يمكن للتجارب السابقة أن تخلق وتعزز السلوك في الوقت الحاضر؛ على سبيل المثال الطفل الذي نشأ في منزل مسيء قد يتظاهر بالتسلط والسلوكيات العدوانية بنفسه، قد يكون لدى هذا الطفل أيضاً توقع لمزيد من الإساءة لأنّ هذا كل ما يعرفه، أطلق باندورا على هذا مبدأ الحتمية المتبادلة، هي فكرة أنّ السمات والبيئة والسلوك كلها تتفاعل وتؤثر على بعضها البعض.
إذا كانت هناك مشكلة في نظرية الإدراك الاجتماعي، فمن الافتراض أنَّ تغيير البيئة سيؤدي بالضرورة إلى تغييرات في الشخص، يخبرنا البحث أنّ هذا ليس صحيح دائماً، فقد تؤثر عوامل مثل البيولوجيا والهرمونات على الشخصية والسلوك، من خلال تجاهل هذه العوامل فإنّ نهج الإدراك الاجتماعي يقصر.


شارك المقالة: