يدرس علم النفس البيولوجي الآليات الجسدية وهو جزء رئيسي من تاريخ علم النفس الحديث، حيث يعتبر مجال بارز في علم النفس منذ البداية في أوروبا وأمريكا الشمالية ولا يزال مجال رئيسي للبحث والتعليم في العديد من البلدان، على مدى قرن ونصف وجد علم النفس البيولوجي طرق جديدة للإجابة على الأسئلة القديمة وتناول أسئلة جديدة مهمة وتخلَّى عن بعض المشكلات باعتبارها سيئة التعريف؛ كانت التجارب السلوكية المصممة بعناية والتقنيات الطبية الحيوية المبتكرة ضرورية لتقدمها، كان علم النفس البيولوجي موقع لتبادل المفاهيم والتقنيات بين علم النفس والعلوم البيولوجية.
العلاقة بين المنظور البيولوجي والشخصية:
يؤكد المنظور البيولوجي للشخصية على العوامل الفسيولوجية والوراثية الداخلية التي تؤثر على الشخصية، يركز على سبب أو كيفية ظهور سمات الشخصية من خلال علم الأحياء ويفحص الروابط بين الشخصية والحمض النووي والعمليات في الدماغ، يمكن أن يشمل هذا البحث التحقيق في التأثيرات التشريحية أو الكيميائية أو الجينية ويتم إنجازه بشكل أساسي من خلال ربط سمات الشخصية بالبيانات العلمية من الطرق التجريبية مثل تصوير الدماغ وعلم الوراثة الجزيئي.
في علم النفس يشير مصطلح المزاج إلى الميول الشخصية التي نظهرها عند الولادة وبالتالي يتم تحديدها بيولوجياً، على سبيل المثال؛ وجد Thomas and Chess أنه يمكن تصنيف الأطفال إلى واحد من ثلاثة مزاجات؛ سهلة أو صعبة أو بطيئة الإحماء، بعد الولادة تتفاعل العوامل البيئية مثل التفاعلات الأسرية والنضج مع مزاج الطفل لتشكيل شخصيته، تشير الأبحاث إلى أن هناك بعدين لمزاجنا يمثلان جزء مهم من شخصيتنا البالغة؛ التفاعلية والتنظيم الذاتي.
تشير التفاعلية إلى كيفية استجابتنا للمحفزات البيئية الجديدة أو الصعبة؛ يشير التنظيم الذاتي إلى قدرتنا على التحكم في تلك الاستجابة؛ على سبيل المثال قد يستجيب شخص ما على الفور لمنبه جديد بمستوى عالي من القلق بينما بالكاد يلاحظه شخص آخر، يركز مجال علم النفس البيولوجي على العلاقة بين الجينات والسلوك وقد أعطى علماء النفس لمحة عن العلاقة بين علم النفس البيولوجي والشخصية، يأتي جزء كبير من الأدلة التي تم جمعها لربط علم النفس البيولوجي والبيئة بالشخصية.
قدرات المنظور البيولوجي:
تتمثل إحدى نقاط القوة في المنظور البيولوجي في التزامه الصارم بالمنهجية العلمية، يتم تقليل جميع العوامل إلى متغيرات قابلة للقياس يمكن قياسها بشكل موثوق من خلال نماذج واستبيانات السمات الشخصية، يتم توحيد مقاييس الشخصية عبر القياسات وهذه المقاييس الشخصية متوافقة للغاية مع التحليلات الإحصائية، مما يوفر تعريف يمكن إدارته وقياسه بسهولة، يمكن أن تكون هذه الطريقة حتمية كذلك، مما يعني أنه يتم تحديد بعض العوامل على أنها سببية؛ أي أنه يمكن تحديد هياكل أو أنماط دماغية معينة على أنها تسبب نتائج نفسية معينة.
لهذا السبب يمكن أن يكون المنظور البيولوجي مفيد في تحديد الأسباب والعلاجات الفعالة لاضطرابات الشخصية والمزاج؛ على سبيل المثال أدى تحديد اختلال توازن السيراتونين كسبب للاكتئاب إلى تطوير مثبطات امتصاص السيراتونين الانتقائية (SSRIs) والتي وُجد أنها علاج فعال للاكتئاب.
حدود المنظور البيولوجي:
يتمثل أحد قيود هذا المنظور في أنه يركز بشكل حصري تقريباً على الجانب الطبيعي من الطبيعة مقابل النقاش حول التنشئة؛ بسبب هذا التركيز الحصري لا يتم تضمين العوامل الأخرى التي تعتبر جزء لا يتجزأ من الشخصية، الهرمونات والناقلات العصبية وعلم الوراثة هي العوامل الرئيسية في هذا التركيز، مع ذلك غالباً ما يتم تجاهل تأثيرات العوامل البيئية والاجتماعية، أظهرت الدراسات التوأم أن العوامل الوراثية ليست المؤشر الوحيد على الشخصية أو حتى الأمراض مثل الفصام؛ فالمنظور البيولوجي لا يعالج بشكل كامل العوامل غير الوراثية.
بالإضافة إلى ذلك فإن الدراسات الارتباطية المستخدمة لقياس سمات الشخصية الطبيعية تخضع لنفس القواعد التي تخضع لها الأبحاث الارتباطية العادية؛ لا يمكن استخدامها بمفردها لتحديد السببية، فقط لأن هناك عاملين متصلين لا يعني أن أحدهما يسبب الآخر، على سبيل المثال؛ إذا كانت لدينا بيانات تُظهر أنه مع زيادة مبيعات الآيس كريم، فإن معدل الوفيات الناتجة عن الغرق يزيد أيضاً.
فلا يجب بالضرورة أن تستنتج أن استهلاك الآيس كريم يسبب الغرق، في هذه الحالة يتم بيع المزيد من الآيس كريم خلال أشهر الصيف الحارة وهو نفس الوقت الذي تزيد فيه احتمالية ذهاب الناس للسباحة؛ لذلك فإن سبب الزيادة في كل من مبيعات الآيس كريم وفيات الغرق هو الأكثر احتمالاً لجو الصيف الحار، مع ذلك، يمكن للدراسات التجريبية المصممة بشكل صحيح أن تساعد العلماء على تحديد علاقات السبب والنتيجة من أجل تطوير خيارات العلاج للأشخاص الذين يعانون من اضطرابات الشخصية.
النظرية البيولوجية للشخصية:
بعض الأمثلة المبكرة والأكثر شهرة للمنظور البيولوجي هي الأفكار التي طرحها تشارلز داروين، كان داروين والد علم النفس التطوري؛ اقترحت نظرياته عن التطور أن الأنواع تتطور بمرور الوقت؛ كان أعضاء الأنواع المذكورة ذات السمات الأقوى أكثر عرضة للتكاثر وتمرير هذه الصفات إلى نسلهم، إنّ التطور لا يفضل فقط السمات الجسدية مثل الأشخاص الأطول أو الأسرع، تشير النظرية البيولوجية إلى أن شخصيتنا تأتي من بيئة فضلت سمات معينة بمرور الوقت.
درس علماء النفس التوائم المتطابقة؛ فالتوائم المتطابقة لها نفس الجينات ولكن أولئك الذين انفصلوا عند الولادة سينمون في بيئات مختلفة تماماً، عندما ينظر العلماء إلى أوجه التشابه والاختلاف بينهما، يمكنهم فهم ماهية الطبيعة وماهية التنشئة، يمكن تضييق النسبة المئوية للصفات التي قد تكون بسبب الجينات، إذا كان من الممكن نقل سمة من خلال جين فإننا نسميها قابلة للتوريث، تتأثر بعض سمات شخصيتنا بالجينات والبعض الآخر لا يتأثر؛ على سبيل المثال وفقاً لأبحاث شخصية توأمية متطابقة، تم ربط هذه السمات بالتأثر بالوراثة؛ القرب الاجتماعي 15٪ وسبة التوجّه نحو الإنجاز 38٪.
تظهر دراسات أخرى مدى أهمية كيمياء الدماغ لدينا لردود أفعالنا وكيف نقيم بيئتنا، أجزاء مختلفة من الدماغ تنفجر عندما نتخذ القرارات، كلما كانت هذه الاستجابات أقوى، زاد احتمال احتفاظ الشخص بسمات شخصية معينة، على سبيل المثال؛ الأشخاص الذين يعانون من عصبية عالية لديهم استجابات أقوى في اللوزة الدماغية وهو الجزء من الدماغ المسؤول عن الاستجابة للخوف، يعتقد المنظر البيولوجي للشخصية من خلال تغيير حجم اللوزة، نظرياً أنه يمكن تغيير مدى عصبية الشخص، هذا إذا كان بالإمكان التحكم في حجم قسم معين من الدماغ.
التغييرات في كيمياء الدماغ يمكن أن تغير الشخصيات:
من السهل كتابة نظرية الطبيعة على أنها شيء لا يمكن تغييره، فقد يعتقد الناس أننا إذا ولدنا بمزاج عدواني، فلا يمكن فعل الكثير لتغيير جيناتنا وميولنا إلى أن نكون عدوانيين؛ هذا ليس صحيح فأدمغتنا لديها القدرة على التغيير والتسبب في تغيير شخصيتنا، أحد الأمثلة الشهيرة لهذه الحالة هو فينياس غيج، كان Gage عامل في السكك الحديدية في أربعينيات القرن التاسع عشر، أثناء العمل تعرض لحادث خطير مما أدى إلى إتلاف جزء كبير من دماغه، نجا Phineas Gage بطريقة ما من الحادث المروع ولكن ليس بدون عواقب.
عندما عاد Gage إلى العمل بعد حادثه لاحظ زملائه بعض التغييرات الجادة في شخصيته، لم يكن ودود وكان أكثر عرضة لاستخدام لغة بذيئة، لقد كان رجل متغير وحالته هي مثال ساطع على كيف يمكن لإصابة الدماغ أن تؤثر بشدة على الشخصية، تمتلك الأدوية وسوء الصحة الجسدية وحتى الهواتف الذكية القدرة على تغيير كيمياء الدماغ ومن المحتمل أن تؤثر على الشخصية، لذلك نظراً لمبدأ المرونة العصبية، مما يعني أنه يمكننا بشكل أساسي إعادة توصيل عقولنا، تم التوصل أيضاً لى استنتاج مفاده أنه يمكننا تغيير كيمياء الدماغ وفي النهاية تغيير شخصيتنا.
يقدم المنظور البيولوجي لعلم النفس حجج مقنعة بأن الطبيعة والتنشئة تؤثر على الشخصية؛ حيث كان الاعتقاد أن الطبيعة والتنشئة مثل مكونات الكعكة؛ تحتاج الكعك إلى الدقيق والبيض وصودا الخبز وبعض المكونات الأخرى لتصبح كعكة، لكن هل نقول أن الدقيق يسبب كعكة؟ هذا ليس صحيح، فنحن في حاجة الى القليل من كل من الطحين و البيض وفقط بعد إجراء العديد من الكعك يمكن أن نرى الفروق الدقيقة في ما يضيف أكثر أو أقل من كل عنصر يقوم على الكعكة؛ الدقيق لا يسبب” كعكة والجينات لا تسبب الشخصية، مع ذلك كل جزء هو جزء مهم من الكل.
يمكننا ربط ميول معينة للتصرف بطريقة معينة بأجزاء مختلفة من الدماغ، عندما تغيرت شخصية Phineas Gage بين عشية وضحاها؛ على سبيل المثال يمكن لعلماء النفس تحديد أجزاء دماغه المفقودة التي أثرت على سمات معينة، تتأثر سمات الشخصية الأخرى بشكل أكبر ببيئتنا وثقافتن، إذا تعلمنا قيمة التوافق ونشأنا في بيئة يكون فيها التوافق أمر سهل؛ فمن الأرجح أن نجد طرق لنكون مقبولين.
