النمو البدني في علم نفس النمو

اقرأ في هذا المقال


تظهر الاختلافات في النمو الجسدي من خلال الملاحظات اليومية للأشخاص من حولنا، فنحن نختلف من حيث الطول والوزن والطول النسبي لنسب الجسم واللياقة البدنية، كما نختلف في قدراتنا على الحركة وأداء المهارات والمهام الجسدية، توفر هذه الاختلافات رؤى قيمة حول نضجنا وتطورنا بشكل عام وصحتنا، على هذا النحو تعد دراسة النمو الجسدي والتطور أمر أساسي لتنمية الطفل والطب والتعليم ومجموعة من التخصصات الأخرى.

النمو البدني في علم نفس النمو:

النمط العام للنمو البدني مشابه لجميع الأفراد ويمكن أن يكون هناك اختلافات كبيرة، مع ذلك من حيث معدل وتوقيت النمو والحجم الذي تم تحقيقه؛ يوفر العمر الزمني نقطة مرجعية واضحة لمراقبة النمو وتسجيله، فلا ينبغي المبالغة في أهميتها؛ تتبع الأحداث والعمليات البيولوجية جدولها الزمني الخاص.

إنّ أي نموذج لمراحل التطوير هو بالضرورة تعسفي إلى حد ما، كما تمّ توضيح التمييز في النمو البشري بين مرحلتي ما قبل الولادة وما بعدها لأسباب واضحة، فإن إجراء دراسات عن نمو ما قبل الولادة أكثر صعوبة بكثير من دراسات ما بعد الولادة، مع ذلك فقد قدمت الأبحاث الحديثة معلومات قيمة وصورة أكثر اكتمالاً للنمو البدني طوال فترة الحياة.

نمو ما قبل الولادة:

يوجد طريقتان لتصنيف النمو في فترة ما قبل الولادة والتي تشمل في المتوسط 9 أشهر أو 40 أسبوع، إحدى الطرق هي من حيث تطور الكائن الحي مثل البويضة والجنين والجنين، أمّا النهج الآخر هو نموذج الثلث المعروف والذي يتم فيه تقسيم مسار الحمل بشكل مفيد إلى فترات مدتها 3 أشهر، كذلك مناقشة التطور قبل الولادة من حيث الثلث مفيد في سياقات معينة، مثل الإعدادات السريرية مع الأمهات، نظراً لأنّه يتعلق فقط بشكل فظ بالأحداث البيولوجية الفعلية، فإنّ قيمته محدودة ولهذا السبب ستنظر المناقشة التالية في نمو ما قبل الولادة من حيث الأحداث البيولوجية.

  • البيضة: يبدأ النمو في لحظة الحمل بإخصاب البويضة بواسطة الحيوانات المنوية للأب، تتكون فترة البويضة من أول أسبوعين بعد الإخصاب، إنّها عملية تكرار ذاتي وتكاثر من خلايا مفردة إلى عشرات الآلاف من الخلايا الجديدة، عندما يحدث انقسام الخلية فإن مجموعة الخلايا تشبه التوت ثم تغير موضعها لتشكيل قرص مجوف، خلال الأسبوع الثاني بعد الإخصاب يزرع القرص نفسه في جدار الرحم، يصبح عدد من الطبقات الخلوية متمايزة بما في ذلك تلك التي تتطور إلى الجنين.
  • الجنين (المرحلة الأولى): بدءاً من تكوين الجنين خلال الأسبوع الثاني تتميز هذه الفترة بنمو سريع لتمايز الخلايا، تصبح الخلايا متخصصة ومنظمة لتشكيل الأنسجة والأعضاء وأنظمة الجسم المختلفة، بحلول نهاية هذه الفترة في حوالي الأسبوع الثامن، يكون الجنين قد طور السمات الجسدية والوظيفية الأساسية للإنسان والتغيرات خلال الأسابيع اللاحقة تكون بشكل أساسي في أبعاد السمات الجسدية وصقل الوظائف، فلا تظهر أي سمات تشريحية جديدة بعد فترة الجنين.
  • الجنين ( المرحلة الثانية): إنّ تكاثر الخلايا وتخصصها أو تمايزها إلى أعضاء وأنسجة مختلفة يجعل المراحل المبكرة من الحياة شديدة التأثر بأمراض النمو إمّا بسبب التشوهات الجينية أو الظروف البيئية الضارة، مثل سوء تغذية الأم أو المرض، بحلول الأسبوع التاسع تكون عملية التمايز والتخصص في الأنسجة والأعضاء وأنظمة الجسم قد اكتملت إلى حد كبير، يكون النمو سريع خلال هذه الفترة، خاصة من الأسبوع 20، في الواقع يتم بلوغ 90٪ من وزن الجسم عند الولادة خلال النصف الثاني من الحمل، إضافة إلى الزيادات الملحوظة في الحجم والوزن.

نمو ما بعد الولادة:

يعود تاريخ تقديم ما أصبح يُعرف باسم منحنى النمو إلى القرن الثامن عشر في فرنسا، قام الكونت فيليبرت جينو دي مونتبيار بقياس ارتفاع ابنه كل 6 أشهر من الولادة وحتى أن وصل لسن 18 عام، فقد أبلغ صديقه والعالم الشهير جورج لوي لوكليرك دي بوفون عن هذه القياسات، كانت هذه القياسات مهمة لأنّها تمثل طريقة جديدة وقيمة لقياس النمو البدني، قبل هذا التقدم كانت الطريقة الأكثر شيوعاً لتقييم النمو هي الدراسة المقطعية، حيث يتم قياس الفرد مرة واحدة.
يوجد قيود متأصلة في هذا النهج لأنه لا يمكن أن يخبرنا شيئ عن التطور الفردي من سنة إلى أخرى، إنّها معلومات دقيقة حول التباين والتغيرات في معدلات النمو الأكثر فائدة لكلا الأطباء، الرغبة في مقارنة معدل الفرد بالمعايير والباحثين ودراسة العلاقة بين التأثيرات المبكرة والنمو الجسدي اللاحق، كانت الصعوبة في القياسات الأصلية لابن مونتبيلارد هي أنّه تم تسجيلها باستخدام وحدات فرنسية قديمة، لم يكن الأمر كذلك حتى قام ريتشارد سكامون بتحويل هذه القياسات إلى وحدات مترية حديثة في الجزء الأول من القرن العشرين، حتى أصبحت المعلومات متاحة على نطاق واسع في شكل مخطط.
تعتبر مخططات النمو الآن عناصر أساسية من أجل دراسة النمو البدني، بالرغم من التقدم التكنولوجي الذي تم إحرازه في السنوات الأخيرة، كانت قياسات Montbeillard دقيقة بصورة ملحوظة وتكشف عن مراحل متميزة من النمو ولا تزال صالحة حتى اليوم.

مراحل نمو وتطور ما بعد الولادة:

وصف مخطط سكامون الطول الذي حققه الصبي في جميع الأعمار بين الولادة و18 عام، هذا ما يسمّى بمنحنى المسافة؛ لأنّه يقوم بعكس تقدم الطفل نحو النضج، تكشف منحنيات المسافة عن بعض الحقائق المهمة حول النمو الجسدي، من الواضح أن هناك نمو كبير خلال الثمانية عشر عام الأولى من الحياة، مع وجود اختلاف في مكاسب الطول بين الأولاد والبنات في سنوات المراهقة المبكرة، مع ذلك هذا غير خطي؛ فلا يزيد الفرد بنفس القدر من الارتفاع كل عام، يوجد فترات من النمو الكبير نسبياً وأخرى بنمو قليل نسبياً.
بالرّغم من أنّ منحنى المسافة يمكن أن يقوم بإعطاء تلميحات خاصة بمراحل النمو المختلفة هذه، إلّا أنّ هذه المراحل بعيدة كل البعد عن الوضوح، ما هو مطلوب لإظهار الاختلافات في معدلات النمو بمرور الوقت هو منحنى السرعة، على الفور من الممكن أن نرى أن النمو الجسدي يحدث من خلال مراحل متميزة بشكل تام، من الممكن كذلك تحديد طفرتين؛ الأولى تحدث عند حوالي 6 إلى 8 سنوات من العمر، أمّا الثانية فهي أطول وتبدأ في حوالي 10 سنوات للفتيات و 12 عام للأولاد، ذلك من خلال استخدام التغييرات الواضحة في معدل النمو كنقطة انطلاق.
من الممكن تقسيم نمو ما بعد الولادة إلى سلسلة من المراحل، حيث تتميز كل مرحلة بأحداث وعمليات نمو متميزة بالرّغم من أن جميع التجارب البشرية لها نفس النمط الأساسي للنمو، إلا أنّ هناك اختلافات كبيرة في المعدلات الفردية وتوقيت النمو خلال فترة الحياة، هذه ليست مجرد نقطة اهتمام أكاديمي فقد يواجه مدرس في فصل من فتيات يبلغن من العمر 12 عام أو فتيان يبلغون من العمر 14 عام طلاب من درجات مختلفة جداً من النضج الجسدي، بما في ذلك الأطفال غير الناضجين بشكل نسبي والأفراد الناضجين الذين هم تقريباً من البالغين.

العوامل المؤثرة على النمو البدني:

يوجد أهمية كبيرة للنمو البدني في تحديد سلوك الطفل، حيث يؤدي نمو عضلات الجسم لحدوث العديد من التغيرات في القدرات الحركية وفي أنواع النشاطات التي يقوم بها الطفل؛ خصوصاً الألعاب الرياضية، كما يؤدي نمو الجهاز العصبي الذي هو جزء من الجسم لظهور أنماط جديدة من السلوك، على سبيل المثال يرتبط السلوك الانفعالي للطفل بشكل مباشر بقدرته على إدراك المعاني التي تواجهه في المواقف المختلفة، كما أنّ درجة القبول الاجتماعي الذي يتمتع به الطفل ترتبط كذلك بقدرته على فهم أفكار الآخرين ومشاعرهم.

  • الحالة الصحية: تقوم الحالة الصحية بالتأثير على النمو البدني، فإذا كانت الظروف الصحية التي يمر بها الطفل خلال مراحل نموه ليست جيدة او أنه يتعرض للأمراض بضورة مستمرة؛ فكل ذلك له تاثير كبير على الصحة الجسمية ويسبب إعاقة جسمية.
  • التغذية: يعتبر الغذاء أحد أصول المادة التي تساهم في تشكيل جسم الإنسان ونموه، حيث أنّ للغذاء العديد من الواف الحيوية الهامة؛ مثل أن يولّد الطاقة اللازمة من أجل أن تتحرك العضلات؛ مثل الكربوهيدرات والمواد الدهنية وبناء أنسجة الجسم عند النمو والبروتينات، إنّ الغذاء غير الكافي وغير الكامل يؤدي إلى فشل الفرد في تحقيق إمكانات نموه ويؤدّي نقص التغذية لظهور العديد من الأمراض؛ منها مرض لين العظام، إضافة إلا أنّه يؤدي إلى ضعف الفرد في مقاومة الأمراض.
  • الأسرة والمدرسة: يوجد عوامل كثيرة تقوم بالتأثير على نمو الإنسان العقلي والاجتماعي؛ من أهم هذه العوامل هي الأسرة والمدرسة، حيث إنّ الأسرة تعتبر أول المحطات في حياه الفرد، فيقوم الطفل من خلالها باكتساب العديد من المهارات عن طريق التقيلد والإرشاد، أما المدرسة فهي تساهم في التعليم لإكساب الفرد المعارف ليتعامل مع المجتمع والانتقال بصورة طبيعية إلى مرحلة الشباب.

شارك المقالة: