لحظة اكتشاف الوالدين الإعاقة عند أبنائهم:
دون إشعار مسبق، لن يجد الآباء أنفسهم إلا مرغمين على التكيف لحدث مربك تعتريه تغيرات جذرية في مسارات الحياة المختلفة، لم يسبق لهما أن عهداها أو حتى ألقيا بالاً لها.
حيث يتعرضون لسلسلة من ردود الفعل المحتملة، والتي غالباً ما تسبق الصدمة بمجرد التأكد من أن الطفل يعاني من إعاقة تتخللها مشاعر الارتباك والقلق والغضب أو الذهول.
يأتي الاكتئاب کرد فعل آخر مصحوب بالحزن والأسى والحداد، حتى أن بعض الآباء يصورون مثل هذه المشاعر إلى حد كبير بأولئك الذين يعانون بعد فقد عزيز على قلوبهم.
وإضافة إلى ذلك، فإن الحزن المتكرر أو الشعور المتكرر من عدم الكفاءة، تعد من الانفعالات المستمرة لدى العديد من الآباء يظهرونها أثناء تكيفهم التدريجي لوجود طفل شاذ من ذوي الاحتياجات الخاصة.
وأيضاً يمكن لردود فعل أخرى أن تظهر لدى الوالدين، وتتراوح بين شك وخيبة أمل وغضب وإحباط شعور بالذنب والإنکار وخوف وانسحاب.
وفي هذا المقال سوف نتناول ردود أفعال الوالدين نحو الإعاقة بشيء من التفصيل، بحيث تعتبر اللحظة التي يتم بها اكتشاف إعاقة في الأسرة مرحلة حاسمة في حياة أفرادها.
وتعود أهمية هذه المرحلة من حيث أنها تقود إلى أحداث تغيير جذري على مسار الحياة النفسية والاجتماعية، وبيان أهم ردود الفعل التي تظهر على أسر الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة.
ردود أفعال الوالدين نحو الإعاقة لدى الفرد:
1- الصدمة:
وهنا تعني عدم تصديق أولياء الأمور للحقائق، وتعتبر أول رد فعل نفسي يحدث عند ولادة الطفل ذو الاحتياجات الخاصة؛ لأن الأهل يكونون قد رسموا صور مثالية لما سيكون عليه الطفل عند الولادة.
وعندما يتعلق الأمر بغير توقعاتهم فإن الصدمة كبيرة بالنسبة لهم، وتتفاوت من حيث درجتها وقوتها من عائلة إلى أخرى، وتكاد الصدمة أن تشل حركة الآباء.
حيث يشعر الآباء أنهما عاجزان تماماً على مواجهة الواقع، وينطوي رد الفعل هذا على طرح التساؤلات الاستنكارية مثل أليس هذا ظلما؟ كيف يعقل هذا الوضع؟ وهنا نجد أن الآباء في هذه المرحلة يحتاجون إلى تفهم ودعم من قبل المحيطين بهما.
2- النكران:
يتخذ النكران عدة أشكال، فقد ينكر الآباء والأمهات مخرجات الفحص والتشخيص ويشككوا به، حيث يتعاملون مع الطفل ذو الاحتياجات الخاصة وكأنه طفل سوي.
ولا يتم ملاحظة النكران بشكل مباشر، فالآباء لا يسمعون إلا الآراء الإيجابية، ويقومون بالتنقل بهذا الطفل من أخصائي إلى آخر ساعين وجاهدين على حل هذه المشكلة التي يتوقعون أنها آنية.
ويستطيع الآباء نكران الإعاقة لفترة طويلة إذا كان هذا الطفل لا يبدو عليه انه مختلفاً عن الأطفال الآخرين، أما إذا كان لديه عجز جسمي أو تأخر نمائي ظاهر، وبالتالي يصبح من الصعب على الوالدين أن ينكران المشكلة لفترة طويلة.
وقد يكون النكران للحفاظ على الوضع الاجتماعية الذي يعتقد الآباء أنها ستتأثر وتمس بوجود هذا الشخص من ذوي الاحتياجات الخاصة.
وقد تخفي الأسرة حالة الإعاقة الموجودة عند طفلهم عن طريق إرسال هذا الطفل ذو الاحتياجات الخاصة إلى مراكز الإقامة الدائمة، وهذا ما يجعله ينعكس سلبياً عليه؛ لأنه يحرم من تقديم خدمات وبرامج التربية الخاصة له.
وعادة ما يساهم بعض المتخصصين والأصدقاء في تطور حالة النكران، عندما يقومون بطمأنة الأسرة إلى درجة كبيرة، وأن ما يعانوه هو أمر مؤقت وسوف يزول في القريب العاجل.
والنكران لیس عملية عشوائية غير هادفة أو سلبية غير بناءة دائماً، حيث يمكن أن تساعد الأسرة على التعايش مع المتغيرات الجديدة، والتي تشكل خطر وتهديد بالنسبة لهم.
حيث تزود هذه الأسر بفترة زمنية عن القوى الداخلية الذاتية، والقوی الخارجية المعلومات اللازمة للتغلب على المشكلة، وأيضاً تمنحهم الفرصة في البحث عن مصادر الدعم الخارجي.
وغالباً يختفي النكران عندما يحصلون على ما يبحثون عنه، لذلك يجب على الأخصائيين تحمل وبالإضافة إلى قبول النكران من قبل الأسرة، ولكن دون حرمان الطفل من الخدمات التي يحتاج لها.
والآباء والأمهات الذين يظهرون النكران لا يعانون من عجز في المنطق، كما أنهم غير قادرين على فهم ما يدور حولهم، وهم أباء محبون لأبنائهم، ولكنهم لأسباب قد تكون مقبولة لا يقدرون على المشاركة في إعادة تأهيل طفلهم ذو الاحتياجات الخاصة.
3- الشعور بالذنب وتأنيب الضمير:
وبوجه عام يعتبر الشعور بالذنب أكثر الحالات الانفعالية شدة وقسوة على الوالدين، وقد يظهر الشعور بالذنب لدى الطفل ذو الإعاقة من خلال أربع أشكال.
1- أن يحس الوالدان أنهما السبب في إعاقة الطفل، فقد تحس الأم أن الإعاقة عند طفلها ناتج عن تناول أدوية طبية خلال فترة الحمل، أو أن الإعاقة ناتجة عن عوامل وراثية أو مرض أصيبت به.
2- قد يعتقد الوالدان بإن إعاقة الطفل إنما هي عقاب، على فعل خاطئ صدر عنهما في الماضي وهم يدفعون الثمن الآن.
3- إحساس الوالدان بأن الإعاقة أمر سيء، وأن الأمور السلبية لا تحصل للإنسان الصالح فهما يحسان بالذنب لمجرد وجود الإعاقة.
4- الإحساس بالذنب هو كذلك قد يكون له دوراً تكيفياً فهو فرصة تتم إتاحتها للوالدين لمراجعة وتقييم معتقداتهما، وعن مسؤوليتهما عن الأمور الحياتية المختلفة.
4- الخجل والخوف:
كثيراً ما يشعر الآباء بشكل أو بآخر بالخجل من هذه الإعاقة؛ لأنهم يعتقدون أن المواقف السائدة في المجتمع اتجاه الأشخاص المعوقين ستؤدي إلى رفض ابنهم.
وإن وجود الطفل بهذه الطريقة ما هو إلا عقاب للوالدين على ارتكابهم ذنب؛ ولأن الآباء جزء من هذا المجتمع الكبير الذي لديه مثل هذه المعتقدات.
وليس من المستغرب أن يحاول الآباء تجنب مخالطة الناس، وعزل طفلهم ذو الاحتياجات الخاصة خجلاً من ردود فعل الآخرين.
5- الغضب والاكتئاب:
غالباً ما تؤدي المحاولات الفاشلة المستمرة لمعالجة الإعاقة إلى شعور الآباء باليأس وفقدان الثقة بالأطباء وفقدان الأمل بالمستقبل.
والاكتئاب هنا يعني الغضب الموجه نحو الذات، فقد يشعر الآباء إن ليس بمقدرتهم عمل أي شيء للحيلولة دون حدوث الإعاقة.
فيغضبون من أنفسهم على هذا الشعور بالعجز، أو قد يشعرون أنه كان بإمكانهم عمل الشيء الكثير للوقاية من الإعاقة، فنجدهم غاضبين من أنفسهم؛ لأنهم لم يفعلوا كل ما يستطيعون من أجل ذلك.
وقد يوجه الآباء غضبهم نحو شقيق الطفل أو المتخصصين، وهذا أمر يؤسف له حقاً؛ لأن الآباء يوجهون غضبهم نحو الناس الذين يحتاجون إليهم وإلى دعمهم.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن الحديث عن الغضب مرتبط بذلك النوع من الغضب الذي ليس له أساس واقعي، وهذا يختلف عن الغضب الناجم عن عدم توفر الخدمات الملائمة للطفل أو الأخطاء التي يرتكبها الأخصائيون.