اقرأ في هذا المقال
يبدو أنّه مفيدًا أن تتم المقارنة ما بين العادات الاجتماعية وبين الوظائف الفسيولوجية في الجسم من مثل وظيفة التنفس وعملية الهضم، ولكن من الجدير بالذكر بأنّ العادات الاجتماعية هي عملية مكتسبة في حين الوظائف الفسيولوجية تتم بصورة لاإرادية، ومن هذا المنطلق في الاختلاف ما بينهما تكمن أهميتهما من عدة جوانب.
العلاقة بين الوظائف الفسيولوجية والعادات الاجتماعية
بالرغم من الاختلافات بين الوظائف الفسيولوجية والعادات الاجتماعية إلّا أنّه يوجد العديد من العناصر المتشابهة بين العادات الاجتماعية والوظائف الفسيولوجية ومنها حاجة كليهما إلى العلاقة التشاركية بين الفرد وبيئته، على سبيل المثال لإتمام عملية التنفس في جسم الإنسان فلا بد من توفر الهواء من البيئة المحيطة وكذلك يجب توفر الرئتين التي سوف تقوم بعملية الزفير والشهيق، وبالمثل يحدث في عملية الهضم فكما يأتي الطعام من البيئة المحيطة فأن أنسجة المعدة تقوم بوظيفة العصر والهضم للطعام.
وبالتالي يمكن القول بأنّ الضوء متوفر في البيئة المحيطة والعين والعصب البصري يقوم بعملية الإبصار، وينطبق الأمر بالنسبة لعملية المشي حيث تحتاج من البيئة على الأرض التي تدب عليها الأقدام وعلى اقدام للقيام بالعملية الفسيولوجية، أمّا في يتعلق بالكلام فالفرد يحتاج من البيئة المحيطة على موجات هوائية ومجموعة من الناس التي تقوم بالاستماع للفرد وعلى الأجهزة الصوتية في جسم الفرد لإتمام العملية الكلامية.
عند استبدال الوظيفة الفسيولوجية لما سبق إلى كلمة ذو استعمال رياضي لها، كان من الممكن أن يتم القول بأنّ جميع العمليات الطبيعية من مثل عملية التنفس والهضم وكذلك العمليات المكتسبة، والعمليات المتعلمة كعملية الكلام والأمانة فهي تعد وظائف لا تقوم ولا تبنى إلّا بوجود فرد من جانب والبيئة المحيطة من الجانب الآخر، والبيئة تقوم بهذه العمليات المختلفة عن طريق تركيبات عضوية أو تنظيمات مكتسبة، فعند الحديث عن الهواء فأنّ هذا الهواء هو من يقوم بتحريك صفحة البحيرة أو قد يقوم هذا الهواء بتدمير الطبيعة الإنسانية.
كذلك السلوك البشري قد يختلف من ظروف إلى أخرى فقد يكون في ظروف محددة هو ذاته الهواء الذي يعمل على تنقية الدم وعملية نقل الأفكار في ظروف أخرى، وهذا يعتمد على عناصر تفاعل الهواء مع غيره في البيئة المحيطة.
التكيف الواقعي للأفراد واكتساب العادات
في حين تقوم البيئة الاجتماعية بوظيفتها عن طريق الدوافع الفطرية عندئذ تنكشف عادة الكلام والعادات الأخلاقية، فالبشر في العادة يقومون بإنساب أفعال الفرد التي تصدر عنه عند وقوعها بالاعتماد على عدة أسباب قوية تشير إلى ذلك السلوك.
ولكن يصبح الحكم على أفعال الأفراد خاطئ وليس بمكانه إذا تم الاعتقاد بشكل كلي بأنّ هذا الفرد مسؤول بشكل مطلق عن أفعاله التي تصدر عنه، فكما أنّ عمليتي التنفس والهضم حسب الافتراض السائد تحدثان داخل الجسم وعند نقل الحديث عن المجال الأخلاقي على أسس عقلية، كان من الواجب أن يتم الاعتراف بأنّ كلن من الوظائف الفسيولوجية والعادات الاجتماعية تعتبر طرق لاستعمال ودمج البيئة، والقيام بجعلهما أحد جوانب في العديد من العمليات، وبالتالي تتضمن كل من الوظائف الفسيولوجية والعادات الاجتماعية بشكل متساوٍ في علاقتهما التشاركية مع البيئة المحيطة.
كما أننّا لنسخر من شخص يملك المهارة الفائقة في النحت مدعيًا أنّها تنبعت من أعماق ذاته دون أن يكون للأشياء التي يستخدمها أو الأدوات التي يستعملها تدخل في تكوين هذه المهارة أو العادة، وهذا ينطبق على غيرها من الأخلاقيات كالأمانة والشجاعة وعدم تحمل المسؤولية والمثابرة وغيرها من الأخلاقيات فهي ليست من ما يملكه الفرد بل إنّها تعد نوعًا من التكيف مع الواقع ومع قدرات الشخص التي اكتسبها ومع العوامل البيئية المحيطة للفرد، فكل من الأخلاقيات من الفضيلة والرذيلة على حد سواء ما هي إلّا عبارة عن عادات تتداخل في تشكيلها العوامل البيئية، وهي أيضًا عبارة عن نوع من التفاعل بين العناصر التشكيل العام للفرد من جانب وبين العناصر للعالم الخارجي للفرد من جانب آخر.
ففي حياة الإنسان العملية والتطبيقية هناك الكثير من صور التي تؤديها العوامل الاجتماعية لتشكيل الشخصية، ومن هذه الصور عادات تحديد الطبقية الاجتماعية بين الناس حيث تعطى كل طبقة صفات وميزات محددة عن غيرها، كالتمييز بين طبقة الفقراء عن طبقة الأغنياء ومن يقطنون في الأحياء الشعبية الفقيرة عن من هم أصحاب الصناعة، وكذلك سمات سكان الريف وتمييزهم عن سكان الضواحي، وتمييز بين أصحاب العمل عن ممن لا يحملون العلم وما إلى ذلك، فجميع هذه الاحكام تعد عادة أكثر مما هي ما عملت لأجله للفائدة، بل تقوم بدورها بتحديدي دراية الأفراد العملية بأنّ الصفات الشخصية ما هي إلّا وظائف تقوم بعملها في المواقف الاجتماعية.