علاقة علم التربية وعلم الإحصاء:
يعتبر علم التربية واحد من العلوم الإنسانية الجديدة التأسيس من ناحية أنها علم، ولكنه ليس علم قائماً بنفسه؛ لأنه يستمد قوته وقواعده وقوانينه من العلوم الأخرى التي وصلت قبله في النشأة، وعندما كان علم التربية يبدأ من حيث تنتهي العلوم الأخرى، حيث إن التربية تتأثر بالنتائج التي تحصل عليها العلوم الأخرى من حيث تطويرها والتغيير الذي يطرأ عليها، وبذلك فإن التربية تصل مرحلة التغيير فتبدل من مفاهيمها ومصطلحاتها وأيضاً أساليبها، والطرق التي تستخدمها ومناهجها، والنظريات التي تتبناها والأهداف وأيضاً العلاقة بين التربية وجميع العلوم الأخرى فتتكون علاقة تبادلية؛ لأنها تستفيد من العلوم الأخرى وتنفعها في الوقت ذاته بطريقة إما أن تكون مباشرة أو غير مباشرة.
ومن هنا فإن التربية الحديثة أصبحت تعتمد بشكل كبير جداً على علم الإحصاء وما يقدم لنا من معالجة للبيانات، وذلك بهدف الوصول بالتربية إلى أعلى درجة ممكنة من القوة والكفاءة اللازمة، فعلم الإحصاء في هذا الوقت يعمل على المساعدة في تحليل ومعرفة الأنشطة التربوية المتعددة،وأيضاً عمل التجهيزات اللازمة للتخطيط وأيضاً تجهيز الخطط المستقبلية.
التربية والإحصاء:
إن علم الإحصاء علم يستخدم في معاملاته الأرقام، فهو يزودنا بمعلومات دقيقة صادرة عن البحوث في العديد من العلوم، ويعرضه بصورة بسيطة مختصرة على شكل أرقام وأيضاً نسب مئوية حتى يسهل معرفتها، كما أنه يدرس العلاقات والصلة بين الظواهر، مثل ما يعطينا نتيجة العلاقة بين التسيب المدرسي والمشكلات بأنواعها، مثل المشكلات الأسرية أو حتى الصلة بين البيانات الدراسية ومستوى التحصيل ومدى ارتباطها بمستوى الذكاء.
مفهوم الإحصاء:
أما عن الإحصاء فهو أحد العلوم التي تبحث في وسائل جمع الحقائق المختصة بالظواهر العلمية والاجتماعية التي تبرز في حالات أو مشاهدات متعددة، وأيضاً في طريقة تسجيل هذه الحقائق في صورة قياسية رقمية.
ومن ثم تلخيصها بوسيلة تسهل عليها فهم ومعرفة اتجاهات الظواهر وارتباطاتها ببعضها البعض، فهو يبحث في دراسته لهذه العلاقات والاتجاهات وكيفية استخدامها في تفهم حقيقة الظواهر ومعرفة القوانين التي في خطاها تكون تابعة لها.
ودائماً يلجأ أي باحث إلى تحليل النتائج الذي يحصل عليها تحليلاً إحصائياً ليصل إلى مرحلة الإدراك وخاصة بمدى تجمعها أو تشتتها، وبالتالي يهدف بذلك إلى معرفة العوامل الأساسية التي بدورها تؤثر على الظاهرة التي يدرسها يحاول بدوره الوصول إلى قوانين عامة تصلح لتوضيح هذه الظاهرة وأيضاً الظواهر الأخرى التي ينتمي إليها، ولهذا السبب كان الإحصاء من أهم الوسائل التي تستعين بها العلوم ومنها علوم التربية في الوصول إلى النتائج وتحليلها وتعميمها.
في بداية الأمر كان علم الإحصاء يهتم فقط بعملية التعداد وأيضاً الحصر للأشياء، ومن هذا المنطلق أتت التسمية بالعربية ” إحصاء” حيث أن هذه الكلمة مشتقة من كلمة أحصى، والمقصود بها استخدام الحصى أو الحجارة صغيرة الحجم كطريقة بدائية لعد الأشياء العديدة، فقد كان الإنسان قديماً يستفيد من الحصى في عملية العد.
وقديماً كان علم الإحصاء يقتصر على تعدادات السكان وأيضاً ثرواتهم، وأعداد المواليد والوفيات وذلك لمعرفة مدى القوى البشرية الموجودة في الدولة، وذلك للاقتداء بها في إدارة أمور الدولة وتخطيط سياستها، إذ إن الإحصاء كان مختصراً على الحقائق الخاصة بالدولة، ومن هنا أتت التسمية باللغة الأجنبية “Statistics ” فهي مشتقة من كلمة ” State ” أي الدولة، حيث أن هناك العديد من التعريفات لمفهوم الإحصاء تتراوح بين ما كان معروفاً وظاهراً في السابق إلى ما هو جديد ومُلم.
فقديماً عرف الإحصاء على أنه يقتصر فقط على جمع المعلومات، ومن ثم ترتيبها في جدول أو إظهارها في رسوم بيانية، وبالتالي فقد أخذ هذا المفهوم للإحصاء يتلاشى فاتحاً المجال للمفهوم الحديث الذي يدل على علم الإحصاء بأنه العلم الذي يبحث في جمع البيانات، تنظيمها، عرضها، وحليلها، استقراء النتائج واتخاذ القرارات بناء عليها.
ومن هذا المنطلق نؤكد على أن للتربية علاقة وثيقة بالعلوم الأخرى فهي تفيد وتستفيد من تلك العلوم ومن هذه العلوم علم الإحصاء الذي يعد جزء لا يتجزأ من علوم التربية، حيث تعتمد غالبية البحوث والدراسات التربوية على علم الإحصاء في دقة الفرضيات التي تستند عليها، وبالتالي معالجة بياناتها، كما أن الإحصاء يساعد على توافر البيانات والمعلومات التي بدورها تسهل على الناشطين والباحثين وأيضاً على أصحاب القرار اتخاذ قراراتهم بناءً على منظور واضح.