علم النفس البيولوجي والعدوان

اقرأ في هذا المقال


إن البشر بطبيعتهم أشرار وأن المجتمع وحده هو القادر على تقييد ميولهم العدوانية، من ناحية أخرى كان الفيلسوف جان جاك روسو أكثر إيجابية، كان يعتقد أن البشر مخلوقات لطيفة بطبيعتها وعدوانية فقط؛ لأن مجتمعنا علمنا أن نكون كذلك، جادل عالم النفس المؤثر سيغموند فرويد الذي عانى من كارثة الحرب العالمية الأولى التي ذبح فيها الملايين من رفاقه من البشر، أن الناس لديهم غريزة الحياة.

هل العدوان متكيف بيولوجياً؟

إن الاعتقاد في الميول العدوانية الفطرية للبشر أن القدرة على أن يكون الشخص عدواني تجاه الآخرين، على الأقل في ظل ظروف معينة؛ جزء من تركيبتنا البشرية الأساسية يتوافق مع مبادئ علم النفس البيولوجي، بعد كل شيء يتطلب هدف الحفاظ على الذات وتعزيزها في بعض الحالات أن نمنع الآخرين من إيذاءنا نحن ومن نهتم بهم، قد نعتدي على الآخرين لأنه يسمح لنا بالوصول إلى الموارد القيمة مثل الطعام والأصحاب المرغوبين أو لحماية أنفسنا من الهجوم المباشر من قبل الآخرين.
قد نعتدي عندما نشعر أن وضعنا الاجتماعي في خطر، لذلك إذا كان العدوان يساعد في بقائنا الفردي أو في بقاء جيناتنا على قيد الحياة، فإن عملية الانتقاء الطبيعي قد تجعل البشر مثل أي حيوان آخر عدوانيين، يحتاج البشر إلى أن يكونوا قادرين على العدوان في مواقف معينة وقد زودتنا الطبيعة بهذه المهارات، في ظل الوضع الصحيح كل واحد منا تقريباً سيهاجم، ليس بالضرورة أن نتكيف بيولوجياً مع العدوان في جميع المواقف.
ليس هناك شك في أن العدوان يتم تحديده وراثياً جزئياً، يمكن تربية الحيوانات لتكون عدوانية عن طريق تربية النسل الأكثر عدوانية مع بعضها البعض، أما الأطفال العدوانيين هم أيضاً عدوانيون عندما يكونون بالغين، كما أنّ التوائم المتطابقة أكثر تشابهً من التوائم الأخوية في ميولهم العدوانية وسجلاتهم الجنائية، وجدت دراسات علم الوراثة السلوكية أن السلوك الإجرامي والعدواني مرتبطان بحوالي 70 للتوائم المتطابقة ولكن فقط عند حوالي 0.40 للتوائم الأخوية.
تقترح المبادئ البيولوجية أننا يجب أن نكون أقل عرضة لإلحاق الأذى بأولئك المرتبطين بنا وراثياً مقارنة بإيذاء الآخرين المختلفين، فقد دعمت الأبحاث هذه النتيجة؛ على سبيل المثال الآباء البيولوجيون أقل عرضة للإساءة أو القتل لأطفالهم مقارنة بإيذاء زوجات الآباء لأبنائهم، في الواقع وجد هؤلاء الباحثون أن الأطفال في سن ما قبل المدرسة الذين يعيشون مع زوجة الأب أو الوالد الحاضن كانوا أكثر عرضة للقتل من قبل والديهم عدة مرات مقارنة بالأطفال الذين يعيشون مع كلا الوالدين البيولوجيين.

دور علم النفس البيولوجي في العدوان:

يتم التحكم في العدوانية في جزء كبير من المنطقة الموجودة في الجزء الأقدم من الدماغ والمعروفة باسم اللوزة “الهياكل الرئيسية للدماغ المشاركة في تنظيم ومنع العدوان”؛ اللوزة هي منطقة دماغية مسؤولة عن تنظيم تصوراتنا وردود أفعالنا تجاه العدوان والخوف، ترتبط اللوزة الدماغية بأنظمة الجسم الأخرى المتعلقة بالخوف، بما في ذلك الجهاز العصبي الودي واستجابات الوجه ومعالجة الروائح وإطلاق النواقل العصبية المرتبطة بالتوتر والعدوان.
بالإضافة إلى مساعدتنا في الشعور بالخوف، تساعدنا اللوزة على التعلم من المواقف التي تخلق الخوف، يتم تنشيط اللوزة استجابةً للنتائج الإيجابية ولكن أيضاً للنتائج السلبية وخاصةً للمنبهات التي نرى أنها مهددة ومثيرة للخوف، عندما نمر بأحداث خطيرة، فإن اللوزة تحفز الدماغ على تذكر تفاصيل الموقف حتى نتعلم كيف نتجنبه في المستقبل، يتم تنشيط اللوزة عندما ننظر إلى تعبيرات الوجه لأشخاص آخرين يعانون من الخوف أو عندما نتعرض لأعضاء الجماعات العرقية الخارجية.
على الرغم من أن اللوزة تساعدنا على إدراك الخطر والاستجابة له وهذا قد يقودنا إلى العدوانية، فإن أجزاء أخرى من الدماغ تعمل على التحكم في ميولنا العدوانية وتثبيطها، إحدى الآليات التي تساعدنا في التحكم في مشاعرنا السلبية وعدوانيتنا هي الاتصال العصبي بين اللوزة الدماغية ومناطق قشرة الفص الجبهي، قشرة الفص الجبهي هي مركز تحكم للعدوان؛ عندما يتم تنشيطها بشكل كبير نكون أكثر قدرة على التحكم في نبضاتنا العدوانية، وجدت الأبحاث أن القشرة الدماغية أقل نشاط في القتلة والمحكوم عليهم بالإعدام، مما يشير إلى أن الجريمة العنيفة قد تكون ناجمة على الأقل عن الفشل أو انخفاض القدرة على تنظيم المشاعر.

المشاعر السلبية والعدوان:

إذا كان الشخص يحاول تذكر الأوقات التي كان فيها عدواني، فمن المحتمل أن يبلغ أن العديد منها حدث عندما كان غاضب أو في مزاج سيئ أو متعب أو ألم أو مريض أو محبطً، بالتالي سيكون على حق؛ فنحن أكثر عرضة للعدوانية عندما نمر بمشاعر سلبية، عندما نشعر بالمرض أو عندما نحصل على درجة ضعيفة في الامتحان أو عندما لا تعمل سيارتنا، عندما نشعر بالغضب والإحباط بشكل عام؛ فمن المحتمل أن يكون لدينا العديد من الأفكار والمشاعر غير السارة، هذه من المرجح أن يؤدي إلى سلوك عنيف.
يعود سبب العدوان في جزء كبير منه إلى المشاعر السلبية التي نمر بها نتيجة للأحداث البغيضة التي تحدث لنا وعن أفكارنا السلبية التي تصاحبها، أحد أنواع التأثيرات السلبية التي تزيد من الإثارة عندما نشعر بها هو الإحباط؛ يحدث الإحباط عندما نشعر أننا لا نحقق الأهداف المهمة التي وضعناها لأنفسنا، نشعر بالإحباط عندما يتعطل جهاز الكمبيوتر الخاص بنا أثناء كتابة ورقة مهمة أو عندما نشعر أن علاقاتنا الاجتماعية لا تسير على ما يرام أو عندما تسير أعمالنا المدرسية بشكل سيء.
إذا تمكنا من إجراء مقارنات هبوطية مع الآخرين المهمين، حيث نرى أنفسنا نقوم بعمل جيد أو أفضل مما هم عليه، فعندئذٍ تقل احتمالية شعورنا بالإحباط، لكن عندما نضطر إلى إجراء مقارنات تصاعدية مع الآخرين، فقد نشعر بالإحباط، عندما نحصل على درجة أقل مما حصل عليه زملاؤنا في الفصل أو عندما نتقاضى أجر أقل من زملائنا في العمل، فقد يكون هذا محبط لنا، على الرغم من أن الإحباط هو سبب مهم للتأثير السلبي الذي يمكن أن يؤدي إلى العدوانية، إلا أن هناك مصادر أخرى.
في الواقع أي شيء يؤدي إلى عدم الراحة أو المشاعر السلبية يمكن أن يزيد من العدوانية، يجب أن نضع في اعتبارنا الألم؛ على سبيل المثال أفاد بيركويتز عن دراسة أجبر فيها المشاركون على الشعور بالألم بوضع أيديهم في دلو من الماء المثلج، وجد أن مصدر الألم هذا زاد من العدوانية اللاحقة، كمثال آخر من المعروف أن العمل في درجات حرارة عالية يزيد من العدوانية، عندما نكون حارّين نكون أكثر عدوانية.

المصدر: الانسان وعلم النفس، د.عبد الستار ابراهيممبادئ علم النفس الحيوي، محمد أحمد يوسفعلم النفس العام، هاني يحيى نصريعلم النفس، محمد حسن غانم


شارك المقالة: