لقد بدأ ظهور التربية مع بدء ظهور الإنسان على كوكب الأرض، حيث أن الإنسان خصائص في العقل والجسد والنفس التي بدورها دفعته الى أن يسعى للتكيف أو التكييف مع الوضع الذي يعيش فيه، حيث بدأ الإنسان يلاحظ العديد من الظواهر الطبيعية التي من حوله لكي يستفيد منها في تسهيل أمور حياته وأيضاً المحافظة على نوعه، حيث بدأت تتشكل لديه العديد من الأفكار، وأيضاً المعارف والخبرات الجديدة التي أعطته الإبداع والتعايش وإيجاد سبل الحياة الجديدة.
مفهوم التربية:
من هذا المنظور يمكننا التحدث عن حقيقة واضحة بأن البيئة هي مدرسة الإنسان الأولى، وذلك بسبب التفاعل واستمراره بينها وبين الإنسان، حيث كان الإنسان يتعلم من تجاربه الخطأ أحياناً وأيضاً من تجاربه الصحيحة أحياناً أخرى، ومن هذا المنطلق نركز على أن التفاعل المستمر بين الإنسان وبين العناصر المختلفة التي تحدث في البيئة ما هي إلا بقصد أن تحافظ على الحياة المادية، وأيضاً الاستقرار النفسي والتي هي الحياة نفسها وهذا ما نسميه تربية.
مفهوم التربية لغة:
كلمة التربية تحتوي على ثلاثة أصول لغوية وهي:
الأول: ربا يربو والتي تعني نما وزاد.
الثاني: رَبِيَ يَرْبَى وتأتي على وزن خفي يخفى والتي تعني النشأة والرعرة.
الثالث: رَبَّ يرب والتي تعني عدل الأمر وأصلحه وقام عليه وساسه.
بناءً على ذلك فإن عند العرب كلمة التربية تحمل الكثير من المعاني، مثل التنمية والسياسة وأيضاً القيادة، لذلك قديماً كان فلاسفة العرب يطلقون اسم السياسة على هذا الفن، حيث ألف ابن سينا كتاب كان اسمه “سياسة الرجل أهله وولده” حيث كانت كلمة التربية تعني وتشمل علم التصرف وحسن السلوك وأيضاً الأخلاق جميعاً.
ومصطلح التربية في ليس له وجود في اللغة الفرنسية قبل سنة 1527 م، لكن بدأ يظهر من سنة 1549 م لغاية سنة 1649، حيث كانت التربية تعرف وتدل على تكوين النفس والجسد، وأيضاً هي تلك الاهتمام والرعاية التي تقدمها للأطفال.
وكلمة التربية في الإنجليزية وأيضاً في اللغة الفرنسية تعني (Educationk) وهي كلمة مقتبسة من الكلمة اللاتينية (ducere-E) وتعني قاد، وأيضاً القيادة وتأتي أيضاً بمعنى الإرشاد والتهذيب.
تعريف التربية اصطلاحا:
التربية لها العديد والكثير من التعريفات، حيث وردت عن العلماء والباحثين والمختصين القدامى، حيث كان هناك اختلاف بين العلماء في تعريف التربية، حيث كان هذا الاختلاف يرجع الى العديد من الأمور مثل اختلاف الثقافات والتخصصات وأيضاً الأديان.
أفلاطون يرى أن الهدف من التربية هو أن يكون الفرد جزء صالح داخل الدائرة المجتمعية. فهو يعرف التربية منح الجسم والروح قدر الإمكان من الجمال وأيضاً قدر الإمكان من الكمال.
أرسطو وهو تلميذ أفلاطون فمن وجهة نظره يرى أن الهدف من التربية يتلخص في أمرين:
أولاً: أن يفعل الفرد كل ما هو مفيد ومهم وضروري في الحرب والسلم.
ثانياً: أن يعمل الفرد بكل شيء نبيل وخير من الأعمال. ويعرف التربية بأنها إعداد العقل لكسب العلم، حيث يشبهها مثل إعداد الأرض لزرعها بالنباتات.
إبن سينا يُعرف التربية بأنها التجهيز والإعداد للحياة الدنيا وحياة الآخرة.
جون جاك روسو يقول ” ليس على التلميذ أن يتعلم ولكن عليه أن يكتشف الحقائق بنفسه “ويدل في كلامه على أن التربية تأتي من الذات حيث تكون نابعة من طبيعة الطفل.
إيميل دوركايم يقول إنّ التربية هي الواقع هو الذي يؤثر من خلاله الجيل البالغ على الجيل الناهض، الذي لم يكتمل عنده الوعي اللازم بعد ممارسة الحياة الاجتماعية، لذلك فإن التربية عند دوركايم هي مجرد عملية في التنشئة الاجتماعية محضرة ومنظمة للأجيال الناهضة.
جون ديوي يرى من وجهة نظره بأن التربية هي بمثابة الحياة بذاتها وليست بمثابة التحضير والإعداد للحياة، وهي عملية بمثابة النمو والتطور، وهي أيضاً عملية تثقف وتعلم، وعملية تشييد وإنشاء وتجديد، مستمرة تجاه الخبرة، وعملية اجتماعية. جون ديوي يؤمن بأن تشكيل وتكون الخبرات لا يكتمل إلاّ عن طريق حل المشكلات، وأن لا أفضل من شيء لا يشكل خبرة عند الطفل.
تعريف اللجنة الدولية للتربية 1998م: التربية هي العمل المُنَظَّم والمعد الذي يعني ويهدف إلى نقل المعرفة، وصنع المقاومات وتكوين الإنسان، والمشي به في سبل الكمال من جميع الأمور التي يمر بها الإنسان وعلى مدى الحياة.
أما عن مٌيلتون فإنه ٌيقول، بأن التربية السليمة هي التي تعمل على مساعدة الفرد على القيام بواجباته بشكل عام، وواجباته بشكل خاص في أوضاع الحرب والسلم بشكل مناسب وباهر.
أما توماس الأكويني، فيقول: إن الغرض من التربية، هو أن نحقق السعادة، وذلك من خلال تجسيد الفضائل الخلقية والعقلية.
ومن المفاهيم التي أعطيت للتربیة فقد كان أيضاً رأي الإمام الغزالي، والذي بين أن التربية هي البُعد والحد الفاصل بين الإنسان والحيوان، واحتسب أن التربية، هي المرتكز والمنطلق وذات الأهمية في إصلاح الفرد وإصلاح مجتمعه والطريق إلى تحقیق الكثير من الإيجابية والسعادة للإنسان والصعود به من الحیوانیة إلى الإنسانية.
فقد شبه الغزالي المُربي بالفلاح، الفلاح یخرج إلى المزرعة كل يوم ليزيل الشوك التالف ليستمر على الصالح، وهكذا المربي.
ويرى أيضاً هيجل أن الغرض الأساسي من التربية هو أن يحقق الفرد العمل من خلال تشجيعه لروح الجماعة.
وجاء أيضاً في تعريف لكلمة التربية في اليونسكو، المؤتمر الذي عقد في باريس، بأنها العديد من الأمور التي تمر بالحياة الاجتماعية التي تمر بالفرد، والتي من خلالها يتعلم الأفراد والجماعات في مجتماعاتهم ومنظوماتها الوطنية والدولية، وبذلك ينمو عندهم الوعي التي تؤثر بدورها وبشكل كبير على القدرات الشخصية للأفراد أيضاً على اتجاهاتهم واستعداداتهم والمعارف أيضاً، وهذا كله لا يقتصر على أنشطة معينة.
وذُكر في “الصحاح” في اللغة وأيضاً العلوم في مفهوم التربية، بأنها: التنمية في الوظائف التي تعمل في الجسد أو حتى في العقل، وأيضاً في الخلق، حتى تصل مرحلة الكمال، وذلك من خلال التثقيف والتدريب.
وفي تعريف لجنة وضع استراتيجية لتطوير التربية في البلاد العربية 1998 م: التربية هي عملية تقصد الإنسانية وتقصد أيضاً السلوكية، وهي أيضاً اجتماعية، ومن أساسها الحضارة، تتكون في جوهرها ومضمونها من التعلم المبني أصلاً على الجهود الذاتية للمتعلم في تكوين سلوكه، والتي بدورها تؤدي إلى تطوير شخصية المتعلم وبالتالي تساهم في تطور المجتمع الذي يعيش فيه المتعلم، وتمنحه الإمكانيه في المشاركة في بناء الحضارة الإنسانية، ومن هذا المنطلق فإنها عملية سلوكية اجتماعية، القصد منها الخروج بأفضل إنسان وأفضل مجتمع وأفضل إنسانية.
ويمكننا القول أنه بالمعنى المشمول للتربية في مضمونه العام، فهي كل عملية تساعد على تشكيل الفرد من الناحية العقلية والخلقية وأيضاً الجسمية، باستثناء العمليات الوراثية والتكوينية التي تدخل في هذا التشكيل. ومن خلال ما سبق يمكننا أن نستنتج أن مفهوم “التربية” الذي يفيد معنى التنمية، حيث أن تربية الإنسان تنشأ قبل ولادته، ولا تكمل إلاّ بموته، حيث يمكننا أن نختصر بأن نحضر جميع الظروف والعوامل التي تسهم في النمو، والتي تكمل الفرد من جميع المجالات والنواحي الجسمية، الانفعالية، النفسية، العقلية والخلقية والجمالية.