اقرأ في هذا المقال
- مفهوم التفرد في علم النفس الاجتماعي
- التطور النظري للتفرد في علم النفس الاجتماعي
- البحث النفسي الاجتماعي في مفهوم التفرد
- إعادة تصور مفهوم التفرد في علم النفس الاجتماعي
مفهوم التفرد في علم النفس الاجتماعي:
يشير مفهوم التفرد في علم النفس الاجتماعي إلى جميع الظواهر والمواقف التي تؤدي إلى تحويل العديد من الأفراد من أشخاص عاديين ومسالمين إلى أشخاص معاديين ذوي سلوك سلبي، حيث أنه وفقًا لنظرية نزع الهوية، فإن عدم الكشف عن هوية الفرد وإثارة الجماهير تجعل الأفراد يفقدون الإحساس بالهوية الفردية خاصتهم، ونتيجة لذلك يتوقف أعضاء الجماعة عن تقييم أنفسهم، ويصبحون غير عقلانيين وغير مسؤولين، وكل هذا يجعل الفريق متقلبًا ومتفجرًا وعرضة للسلوك غير المعياري وغير المقيّد.
ولكن على الرغم من وجود قدر كبير من البحث النفسي، هناك القليل من الدعم لنظرية التفرد، حيث تشير المقاربات البديلة إلى أن سلوك الجماهير لا يرجع إلى فقدان الهوية بل إلى الانتقال إلى هوية جماعية اجتماعية، حيث أن مفهوم التفرد في علم النفس الاجتماعي من المفاهيم المرفوضة والتي يتوجب إعادة هيكلتها مع الاهتمام بالسعي للتعاون وتوحيد الأهداف.
التطور النظري للتفرد في علم النفس الاجتماعي:
يمكن إرجاع نظرية التفرد إلى بعض أقدم أعمال علم النفس الاجتماعي، وصف غوستاف لوبون كيف يغير الجهد والضغط النفسي نفسية أعضاء الفريق الواحد، وعدم الكشف عن هويته، وإمكانية الإيحاء، والسلوك العدائي يحول تجمع الأفراد إلى ضغط نفسي، ويشير إلى أن العقل الجماعي الذي تهيمن عليه الغرائز البدائية المتجذرة في اللاوعي يستحوذ على الأفراد، ونتيجة لذلك يتوقف ضبط النفس العقلاني، ويصبح الأفراد غير قادرين على التفكير ومتقلبين، أي أنها تصبح أشكالًا أدنى من التطور، وهكذا يصبح الفرد المغمور في الحشد دمية طائشة قادرة على أداء أي عمل، مهما كان فظيعًا أو بطوليًا.
نتيجة لغوستاف لوبون نادرًا ما يُنسب إلى لوبون مساهمته في علم النفس الاجتماعي، ولكن عندما صاغ ليون فيستينجر وألبرت بيبيتو، وثيودور نيوكومب مصطلح التفرد في عام 1952، اقتبسوا الأفكار الأساسية من غوستاف لوبون كانت نقطة انطلاقهم في توصيف لوبون للتفرد على أنه غير عقلاني، وغير عاطفي، ومضاد للتفاعل والمشاركة، مما أدى من الناحية النفسية إلى إحساس الناس في التفرد بأنهم غير مدركين لأنفسهم في الجهد المبذول.
على مدى العقود اللاحقة تم تطوير وتوسيع نظرية التفرد، ومن المثير للاهتمام أن العملية النفسية المنطقية التي أشار إليها عدم التفرد قد تغيرت تدريجياً، حيث أنه بحلول التسعينيات أصبح التفرد فقدانًا للوعي بالذات، لكن كلا جانبي ما أصبح يُعرف باسم عدم التمييز أي الافتقار إلى المساءلة والافتقار إلى الوعي الذاتي، كانا عمليتين تم تحديدهما بالفعل من قبل غوستاف لوبون.
من نواحٍ أخرى ابتعدت نظرية التفرقة عن لوبون، والاختلاف الأكثر أهمية هو أن التفرد يعرف بأنه غياب للهوية الفردية، جادل لوبون بأن الجمع يستبدل الهوية الفردية بعقل جماعي، لكن العقل الجماعي لا يلعب أي دور في نظرية عدم التفرقة، وفي الواقع لم تقدم نظرية التفرد أي تحليل منهجي للتأثير الاجتماعي لشرح كيفية توجيه تصرفات الجمهور أو التحكم فيها.
البحث النفسي الاجتماعي في مفهوم التفرد:
في السبعينيات أصبح عدم التمييز مجالًا شائعًا في البحث النفسي الجماعي، حيث اختبرت العديد من الدراسات المختبرية ما قبل الإلقاء بأن عدم الكشف عن هويته يؤدي إلى التثبيط، وغالبًا ما كان المشاركين يرتدون زيًا رسميًا أو عباءات وأغطية للرأس لإخفاء هويتهم، وتم وضعهم في موقف يمكن أن يظهروا فيه سلوكًا عدوانيًا أو معاديًا للمعايير كما في دراسات الطاعة لستانلي ميلجرام، بالتالي تمت مقارنة أفعالهم مع مجموعة تحكم بملابس مدنية.
للتغلب جزئيًا على هذه العقبات ابتعد تركيز نظرية نزع الهوية عن إخفاء الهوية خلال الثمانينيات، حيث تسببت معظم الدراسات في تلك الفترة في نزع الطابع الفردي عن طريق جعل المشاركين يركزون الانتباه إلى الخارج بطرق أخرى، ولكن على الرغم من التصاميم التجريبية الأكثر تطرفًا والمبتكرة بشكل متزايد، فشلت العديد من الدراسات ببساطة في دعم نظرية التفرد أو أبلغت عن نتائج معاكسة.
خلص التحليل الذي يجمع بين جميع النتائج التجريبية في تحليل شامل واحد لدراسات إزالة التفرد التي أجريت في عام 1998 إلى أن المجموعات الكبيرة والإعدادات المجهولة المزدحمة لا تزيد من التثبيط والسلوك الإنساني المضاد للتكوين، وذلك حتى الحد من الوعي الذاتي بطرق أكثر مباشرة وتغلغلًا لا ينتج عنه دليل ثابت على إزالة التثبيط.
إعادة تصور مفهوم التفرد في علم النفس الاجتماعي:
لشرح فشل نظرية التفرد أعاد الباحثين النظر في افتراضاتها الأولية حول الجماعات، حيث كانت هذه تستند إلى حد كبير على غوستاف لوبون لكنه كما لوحظ كان متحيزًا بشدة ضد الجماعات، حيث اعتبرها تهديدًا يساريًا للحضارة، وادعى أن كل سلوك جمعي كان غير عقلاني، ولكن إذا كانت صورة لوبون للجمهور خاطئة، فإن نظرية عدم التمييز قد شرعت في تفسير الظاهرة الخاطئة.
يُظهر البحث المنهجي للجماعات عبر التاريخ أن توصيف لوبون لها كان خاطئًا، حيث تتصرف معظم المجموعات بشكل منظم ومنضبط، حتى عندما يقومون بسلوك سلبي جماعي، وتظهر الجماعة قدرًا كبيرًا من التنظيم والهيكل فإن الفريق الواحد عادة ما يكون مدفوعًا بالمعتقدات الأخلاقية والإجماع.
الآثار المترتبة على علم نفس الاجتماعي عميقة، حيث يمكن أن يخضع السلوك الجماعي مهما كان فظيعًا للسيطرة الواعية، وإن ملاحظة لوبون القائلة بأن أعضاء الجماعة يعانون بشكل تلقائي وحتمي من العجز العقلي وغير المسؤولين هي ملاحظة خاطئة بكل بساطة.
من خلال هذا المنظور الجديد لاحظت مجموعة كبيرة من الأبحاث الميدانية للجماعة أن معايير المجموعة توجه العمل الجماعي التعاوني، ولاحظت أبحاث ميدانية أخرى أن أعضاء الفريق يعملون كهوية جماعية والتي تضم أيضًا مجموعة من المعايير، ومع ذلك فقد وثَّق المزيد من الأبحاث الميدانية ظهور الهويات الجماعية وتغييرها في ديناميكية بين الجماعات.
تم اختبار هذه الرؤى الجديدة أيضًا في البحث النفسي التجريبي عن تأثيرات عدم التمييز، حيث تتوافق النتائج بشكل عام مع الدراسات الميدانية للجماعات والفريق الواحد والأدلة التاريخية، وبالتالي فإن الإعدادات التي كان يُعتقد في الأصل أنها تقلل من حدة المشاركين كانت في الواقع تجعلهم أكثر استجابة للمعايير الظرفية.
على سبيل المثال يؤدي جعل المشاركين مجهولين من خلال ارتداء ملابس عامة إلى مزيد من العدوانية، لكن لبسهم زي الممرضات يقلل من ذلك، وعدم الكشف عن هويته لا يجعل الناس عنيفين دون تفكير، بدلاً من ذلك يزيد عدم الكشف عن هويته من استجابتهم للإشارات المعيارية الموجودة في بيئتهم المباشرة.
بالتالي تشير الأبحاث التجريبية والميدانية إلى أن سلوك الجماهير يسترشد بهوية جماعية تظهر في الجماعة، وقد تصبح هذه الهوية المشتركة أكثر حدة أو استقطابًا إذا تصرفت مجموعة معارضة على الفريق كما لو كان واحدًا، على سبيل المثال من خلال نشر تكتيكات عشوائية للسيطرة على الجماعة ذات السلوك المعادي، هذه هي الهوية الجماعية التي تنظم بشكل معياري تصرفات الأفراد في الضغوط والتي تمنحهم هدفًا مشتركًا.
في الختام تقدم فهم علماء النفس الاجتماعي لاختفاء التفرد بشكل كبير، حيث أنه قد ابتعدت الدراسات المعاصرة للعمل الجماعي عن افتراض أن أعضاء الفريق يفقدون هويتهم، وبدلاً من ذلك يتم تفسير العمل الجماعي على أنه نتيجة لعمليات طبيعية للتأثير الاجتماعي والعلاقات بين المجموعات.