مفهوم التنفيس في علم النفس الاجتماعي

اقرأ في هذا المقال


تتكون جميع المشاعر بما في ذلك الغضب من حالات جسدية مثل الاستثارة ومعاني عقلية، وللتخلص من الغضب يمكن للفرد العمل على أي منهما، حيث يمكن تقليل الغضب عن طريق تقليل مستويات الإثارة مثل الاسترخاء، ويمكن أيضًا تقليل الغضب من خلال التكتيكات العقلية، مثل إعادة صياغة المشكلة أو الصراع، أو عن طريق تشتيت انتباه المرء وتحويل الانتباه إلى مواضيع أخرى أكثر متعة، ويمكن أن تساعد بعض السلوكيات أيضًا في التخلص من الغضب، على سبيل المثال ، يمكن أن يساعد القيام بشيء مثل مشاهدة فيلم كوميدي لأن هذه الأفعال لا تتوافق مع الغضب وبالتالي يصبح من المستحيل استمرار حالة الغضب.

مفهوم التنفيس في علم النفس الاجتماعي

وفقًا لمفهوم التنفيس في علم النفس الاجتماعي فإن التصرف بعدوانية أو حتى مشاهدة العدوان هو وسيلة فعالة لتقليل مشاعر الغضب والنبضات العدوانية، حيث تأتي كلمة التنفيس من أصول يونانية والتي تعني بالمعنى الحرفي للكلمة تطهير أو تعقيم، وأول ذكر مسجل لمفهوم التنفيس في علم النفس الاجتماعي حدث في وقت أرسطو، حيث علّم أرسطو أن مشاهدة المسرحيات المأساوية تمنح الناس إطلاقًا عاطفيًا من المشاعر السلبية مثل الشفقة والخوف.

في الدراما اليونانية لم يتقدم البطل المأساوي في السن ويتقاعد فحسب بل غالبًا ما عانى من العنف، ومن خلال مشاهدة الشخصيات في المسرحية وهي تمر بأحداث مأساوية، من المفترض أن المشاعر السلبية للمشاهد قد تم تطهيرها والتخلص منها، حيث كان يعتقد أن هذا التطهير العاطفي يفيد كل من الفرد والمجتمع من خلال مفهوم التنفيس في علم النفس الاجتماعي.

لعب مفهوم التنفيس في علم النفس الاجتماعي أيضًا دورًا مهمًا في طقوس الشفاء النفسي القديم، من خلال التنفيس عن مشاعر الأفراد يُفترض أن الناس استدعوا وطردوا الشر والطاقة السلبية التي تمتلك أجسادهم، ومنها تم إحياء الفكرة القديمة لمفهوم التنفيس في علم النفس الاجتماعي من قبل سيغموند فرويد، الذي اعتقد أن المشاعر السلبية المكبوتة يمكن أن تتراكم داخل الفرد وتسبب أعراضًا نفسية، مثل الهستيريا أي نوبات عصبية، ويعتقد فرويد أن التعبير عن العداء كان أفضل بكثير من كبته في الداخل.

نموذج التنفيس في علم النفس الاجتماعي

تشكل أفكار فرويد العلاجية حول مفهوم التنفيس في علم النفس الاجتماعي العاطفي أساس ما يسمى بالنموذج الهيدروليكي للغضب، بناءً على فكرة ضغط الماء أي الوسائل الهيدروليكية المتعلقة بالمياه، حيث يشير النموذج الهيدروليكي إلى أن الإحباط يؤدي إلى الغضب وأن الغضب بدوره يتراكم داخل الفرد، مثل الضغط الهيدروليكي داخل بيئة مغلقة، حتى يتم إطلاقه بطريقة ما، إذا لم يسمح الفرد لغضبه بالخروج ولكن حاول إبقائه مكبوتًا في الداخل، فسوف يتسبب ذلك في نهاية المطاف في انفجار غضبه العنيف، وتستند نظريات التنفيس الحديثة على هذا النموذج الهيدروليكي.

انتشار الإيمان بقيمة التنفيس في علم النفس الاجتماعي

الإيمان بقيمة التنفيس منتشر في جميع أنحاء العالم، على سبيل المثال لأكثر من 20 عامًا ظل سكان العديد من الثقافات والمجتمعات ينفون عن إحباطهم في مسابقة الصراخ السنوية، يعد استخدام المفهوم في الصحافة الشعبية علامة على مدى انتشاره، تظهر رسائل التنفيس في كثير من الأحيان في المسرحيات والأفلام والبرامج التلفزيونية والبرامج الإذاعية والمجلات والصحف.

يتغلغل مفهوم التنفيس في اللغة اليومية، فغالبًا ما يستخدم قدر الضغط كرمز للغضب وقدر الضغط هو وعاء يستخدم لطهي الطعام تحت الضغط، مما يقلل من وقت الطهي، يحتوي الوعاء على غطاء قفل وصمام يمكن استخدامه لتقليل الضغط، والناس مثل هذه الأدوات المضغوطة، وغضبهم مثل السائل بداخلها الطباخ، مع زيادة الغضب يرتفع السائل، ويتحدث الناس عن الغضب بالتكاثر داخل الشخص، إذا كان الناس غاضبين للغاية فإن دمائهم تغلي أو تصل إلى نقطة الغليان، وإذا اشتد الغضب فإن الناس ينفجرون، ولمنع الانفجار يتم تشجيع الناس على التنفيس عن غضبهم وتفجير البخار وإطلاقه وإبعاده عن صدورهم.

دليل البحث عن مفهوم التنفيس في علم النفس الاجتماعي

إذا كان مفهوم التنفيس في علم النفس الاجتماعي صحيح فإن التنفيس عن الغضب يجب أن يقلل من العدوانية لأن الناس يجب أن يتخلصوا من الغضب، حيث أنه بمجرد أن بدأ باحثو علم النفس في إجراء الاختبارات العلمية لنظرية التنفيس، واجهوا مشاكل، ففي إحدى التجارب الأولى حول هذا الموضوع والتي نُشرت في عام 1959، تلقى المشاركين ملاحظة مهينة من شخص تظاهر بأنه مشارك آخر أي عضو تحالف.

ثم تم تعيين بعض المشاركين المهينين على دق الأظافر لمدة 10 دقائق وهو نشاط يشبه العديد من تقنيات التنفيس التي لا يزال الأشخاص الذين يؤمنون بالتنفيس يوصون بها حتى اليوم، حيث يجب أن يقلل عمل قصف الأظافر من العدوان اللاحق إذا كانت نظرية التنفيس صحيحة، وتلقى المشاركين في المجموعة الضابطة نفس الإهانة لكنهم لم يقصفوا أي أظافر، ثم أتيحت للمشاركين فرصة انتقاد الشخص الذي أهانهم.

أظهرت النتائج أن الأشخاص الذين قاموا بدق الأظافر كانوا أكثر عدائية تجاه الشريك بعد ذلك من أولئك الذين لم يتمكنوا من قصف أي مسامير، على ما يبدو فإن التنفيس عن الغضب تجاه تلك الأظافر جعل الناس أكثر استعدادًا للتنفيس عن غضبهم ضد شخص آخر، وجدت العديد من الدراسات الأخرى نتائج مماثلة في عام 1973 أصدر ألبرت باندورا عالم النفس الاجتماعي الشهير، بيانًا دعا فيه إلى وقف نظرية التنفيس واستخدام التنفيس في العلاج.

وجدت مراجعة شاملة للبحث النفسي المنشور عام 1977 أن التنفيس عن الغضب لا يقلل من العدوانية، إذا كان هناك أي شيء، فإنه يجعل الناس أكثر عدوانية بعد ذلك، واستنتج بعدها المؤلفين أيضًا أن مفهوم التنفيس في علم النفس الاجتماعي عن الغضب يمكن أن يقلل من الاستثارة الفسيولوجية مثل معدل ضربات القلب وضغط الدم، ولكن فقط إذا عبر الناس عن غضبهم مباشرة ضد الشخص الذي أغضبهم ولا يستطيع هذا الشخص الانتقام.

مفهوم التنفيس في علم النفس الاجتماعي عن أهداف بديلة لا يقلل من الإثارة، حيث أظهرت الأبحاث النفسية الحديثة أن التنفيس لا ينجح حتى بين الأشخاص الذين يؤمنون بقيمة التنفيس وحتى بين الأشخاص الذين يشعرون بتحسن بعد التنفيس، حيث يولد العدوان مزيدًا من العدوان.

أحد أشكال مفهوم التنفيس في علم النفس الاجتماعي هو ممارسة الرياضة البدنية الشديدة مثل الجري، على الرغم من أن التمارين البدنية مفيدة لقلب الإنسان، إلا أنها ليست جيدة جدًا لتقليل الغضب، يشعر الغاضبين بالإثارة الشديدة والهدف هو تقليل مستويات اليقظة، حيث يزيد التمرين من مستويات الإثارة بدلاً من خفضها، وإذا قام شخص ما باستفزاز غيره بعد التمرين فقد ينتقل الإثارة من التمرين إلى الاستفزاز مما يجعله أكثر غضبًا.

باختصار التنفيس عن الغضب يشبه استخدام البنزين لإخماد حريق، إنه يزيد الأمور سوءًا، حيث أن مفهوم التنفيس في علم النفس الاجتماعي يحافظ على مستويات الإثارة عالية ويبقي الأفكار العدوانية ومشاعر الغضب حية، إنه مجرد ممارسة كيفية التصرف بشكل أكثر عدوانية.


شارك المقالة: