مفهوم الوعي في علم النفس الاجتماعي

اقرأ في هذا المقال


مفهوم الوعي في علم النفس الاجتماعي:

يشير مفهوم الوعي في علم النفس الاجتماعي إلى التجربة الذاتية للذات وبيئته، وتتضمن هذه التجربة وعي المرء بمشاعره وعواطفه وإدراك أفكاره وسلوكياته والسيطرة عليها، حيث تقف العمليات الواعية على النقيض من عمليات اللاوعي أو اللاشعور، والتي تحدث خارج الإدراك وبدون سيطرة مقصودة.

يعد مفهوم الوعي في علم النفس الاجتماعي من المفاهيم المهمة التي تساعد الأفراد على التحكم في جميع العمليات المعرفية الاجتماعية في أشد الأوقات التي تساهم عن قدرة الشخص في الإبداع وإظهار دوره كفرد من جماعة، أو كجزء من المجتمع والمحيط بشكل عام.

الخلفية والتاريخ لمفهوم الوعي في علم النفس الاجتماعي:

الوعي هو العدسة المألوفة التي يرى البشر من خلالها عوالمهم اليومية، ومع ذلك لم يثبت أي مفهوم أنه من الصعب على الناس شرحه أو فهمه، وخاصة في كيفية نشوء الأفكار، وكيف ترتبط التجربة الذاتية بالعمليات الفيزيائية في الدماغ أو تخرج منها؟ غالبًا ما يشار إلى مثل هذه الأسئلة على أنها مشكلة الوعي الصعبة.

هذه الأسئلة هي القضايا التي تحدت عنها العديد مفكرين مثل رينيه ديكارت منذ عدة قرون حيث اقترح أن العقل من مادة غير فيزيائية منفصلة عن الدماغ، وهذه هي القضايا نفسها التي لا تزال تحير عددًا لا يحصى من علماء النفس الاجتماعي والفلاسفة في يومنا هذا.

كان علماء النفس والأكاديميين الآخرين أكثر نجاحًا إلى حد ما في معالجة ما يسمى بمشكلة الوعي السهلة، الذي يشير إلى أسئلة حول كيفية تأثير العمليات المعرفية على السلوك الإنساني وكيف يتفاعل الناس مع تجاربهم الشخصية، فيما يتعلق بالوعي، وهذه هي الأسئلة التي يهتم بها علماء النفس الاجتماعي اليوم.

كانت الأفكار المبكرة حول مشكلة الوعي السهلة مبعثرة إلى حد ما في مجال علم النفس حيث لم يجد جميع علماء النفس أن العمليات الواعية ظاهرة مهمة، حيث اشتهر سيغموند فرويد بمعالجة مشكلة الوعي السهلة من خلال اقتراح الأنا الواعية والأنا العليا على أنها تعمل بشكل منفصل عن الهوية اللاواعية، والتي وصفها بأنها خزان للغرائز والرغبات ومع ذلك على الرغم من التركيز المبكر من قبل فرويد وآخرين مثله على التفاعل بين أقسام العقل الواعية وغير الواعية، فقد تأخر علماء مثل سكينر الذي أكد على استخدام السلوك الملحوظ في دراسة علم النفس.

فائدة مفهوم الوعي في علم النفس الاجتماعي:

عندما بدأ علماء النفس الاجتماعي في التركيز أكثر فأكثر على عمليات التفكير في العقود الأخيرة من القرن العشرين، أشارت العديد من نتائجهم المفاجئة إلى نظام واعٍ مليء بالعيوب وعدم الدقة، حيث أظهر الباحثين أن الناس غير قادرين من خلال الاستبطان على وصف الأسباب الكامنة وراء أحكامهم وقراراتهم وسلوكياتهم بدقة.

بالإضافة إلى ذلك، غالبًا ما يخطئ الناس في نسب القوى الدافعة وراء مشاعرهم الحالية، وفي بعض الحالات، يخطئون في تسمية مشاعرهم تمامًا، ومنها أظهرت الأبحاث الحديثة حول الوعي أن التفكير الواعي يمكن أن يكون في الواقع عائقًا أمام عمليات صنع القرار، وعلاوة على ذلك، فقد وجد أن الناس يسيئون فهم ما إذا كانت أفعالهم قد حدثت أم لم تحدث تحت سيطرتهم الواعية.

هذه النتائج ترسم مفهوم الوعي في علم النفس الاجتماعي كأداة سيئة لفعل الشيء الوحيد الذي تشير التجربة اليومية إلى أنه يعمل بشكل جيد، وهو تزويد الفرد بوعي بأفكاره ومشاعره وسلوكياته، واستجابة لهذه النتائج، تساءل العديد من علماء النفس بالضبط عن الوظيفة التي يخدمها الوعي.

أضاف البحث النفسي عن السلوكيات التلقائية إلى الارتباك حول فائدة الوعي، حيث يواصل علماء النفس الاجتماعي جمع الأدلة على أن معظم السلوكيات البشرية يمكن تفسيرها من خلال عمليات تلقائية غير واعية، أظهر علماء النفس الاجتماعي أن الناس يتحركون ويعالجون المعلومات بل وينخرطون في سلوكيات معقدة مدفوعة بالهدف بطرق تلقائية مستقلة عن الفكر الواعي أو الإدراك الواعي.

لقد دفعت مثل هذه النتائج العديد من مفكري اليوم إلى اقتراح أن الوعي قد يكون في الواقع أحد الآثار الجانبية غير الوظيفية لعمليات أخرى في الدماغ، وعلى الرغم من العيوب الملازمة للعمليات الواعية، يلعب الوعي دورًا مهمًا في خطوط البحث المختلفة في علم النفس الاجتماعي.

يدرس العديد من الباحثين استخدام التحكم الواعي في التغلب على الأفكار والدوافع والسلوكيات التلقائية، حيث أدى هذا العمل إلى فهم أفضل لعمليات التنظيم الذاتي التي يمكن فيها قمع الرغبات الاندفاعية لصالح المكافآت المتأخرة والأهداف طويلة الأجل.

وبالمثل فقد ثبت أيضًا أن التحكم الواعي يسمح بسلوكيات شخصية مرغوبة أكثر كما في حالة قمع الصورة النمطية، وُجد أن القوالب النمطية للآخرين تظهر تلقائيًا تمامًا في الدماغ عندما يواجه الناس أفرادًا من مجموعات معينة، ومع ذلك، يمكن تجاوز هذه الصور النمطية بوعي لصالح أنواع استجابة أكثر دقة وأكثر قبولًا وأقل تنميطًا فضلا عن ذلك.

غالبًا ما يُنسب الفضل إلى العمليات الواعية في السماح للبشر بالقدرة الفريدة على دمج أنواع مختلفة من المعلومات والتفكير بشكل رمزي واستخدام التفكير المنطقي وبالتالي فإن البحث النفسي الذي يدعم فائدة الوعي كبير، وتشير الاتجاهات إلى أنه سيستمر في النمو مع ذلك ما هو الوعي بالضبط مفيد أو غير مفيد هو موضوع جدل كبير في علم النفس الاجتماعي اليوم.

عمليات مزدوجة في مفهوم الوعي في علم النفس الاجتماعي:

استفاد فهم العمليات الواعية في علم النفس الاجتماعي من وجهة النظر الشائعة للعقل على أنها تحتوي على عنصرين أساسيين، وهي فكرة يشار إليها باسم العقل المزدوج، حيث تنص هذه الفكرة على أن العقل يتكون من نظامين تتمثل بما يلي:

1- النظام التلقائي:

يعبر النظام التلقائي عن النظام الذي يتميز بمعالجة سريعة وفعالة وغير خاضعة للرقابة والتي تحدث عادةً خارج نطاق الوعي النظام التلقائي هو ما يسمح للشخص بالقيادة إلى المنزل أثناء التحدث على الهاتف أو التفكير في خطط أخرى.

2- النظام الواعي:

يعبر النظام الواعي عن النظام يتميز بمعالجة بطيئة ومجهدة وقائمة على القواعد التي تشغل عادة محتويات الإدراك يراقب النظام الواعي إخراج النظام التلقائي، ويدمج أجزاء مهمة من المعلومات، ويتجاوز أو يغير إخراج النظام التلقائي عند الضرورة، والنظام الواعي هو ما يبدأ عندما يضطر السائق إلى التوقف لسيارة إسعاف أو الانقطاع لمشاة غير متوقع.

تأخذ نماذج العملية المزدوجة للظواهر النفسية الاجتماعية في الاعتبار كيفية تفاعل مكوني العقل المزدوج لتكوين الأفكار والسلوك، حيث تصف هذه النماذج عمومًا النظام التلقائي بأنه يقوم بمعظم العمل، ومعالجة كميات كبيرة من المعلومات، والسماح بالاستجابة السريعة والتلقائية والمعتادة.


شارك المقالة: