مفهوم فرضية العالم العادل في علم النفس

اقرأ في هذا المقال


مفهوم فرضية العالم العادل في علم النفس:

يعبر مفهوم فرضية العالم العادل في علم النفس عن الاعتقاد بأن البيئة الاجتماعية بشكل عام تعتبر عادلة، بحيث يحصل الناس على ما يستحقونه بالفعل، حيث تم تطوير مفهوم فرضية العالم العادل في علم النفس جزئيًا للمساعدة في شرح الملاحظات التي تفيد بأنه للحفاظ على الاعتقاد بأن العالم مكان عادل، حيث سيقلل الناس أحيانًا من قيمة الضحية التي من الممكن أن تتعرض للعديد من المواقف والسلوكيات المعادية للمجتمع.

بشكل عام يُعرَّف العالم العادل بأنه العالم الذي يحصل فيه الناس على ما يستحقونه، حيث أن فرضية العالم العادل في علم النفس؛ وذلك مهمة؛ لأنها تشير إلى أن الناس قد يعاملون بعض الضحايا بشكل سيئ وغريب بما فيه الكفاية، بدافع الرغبة في الحفاظ على إيمانهم بالعدالة، كما يشير إلى أن الناس قد يبذلون جهودًا كبيرة للحفاظ على الشعور بأن العالم عادل، مما يدل على أن الدوافع الإنسانية للعدالة قوي جدًا.

خلفية وتاريخ مفهوم فرضية العالم العادل في علم النفس:

أجرى ملفين ليرنر وكارولين سيمونز التجربة الأساسية التي توضح ظاهرة مفهوم فرضية العالم العادل في علم النفس في الستينيات، وفي هذه التجربة شاهد الناس على شاشة التلفزيون امرأة بدت وكأنها تتلقى صدمات كهربائية مؤلمة من باحث، في الواقع تم تسجيل اللقطات مسبقًا وتم محاكاة الأحداث من قبل الممثلين فقط، ونظرًا لأن المرأة لم تفعل شيئًا لتستحق الصدمات التي كانت تتلقاها، فقد يُنظر إليها على أنها تعاني ظلماً.

وصف الأشخاص الذين شاهدوا هذه المعاناة الظالمة شخصية الضحية بشكل سلبي تمامًا إذا لم يتمكنوا من تعويضها أو على الأقل لم يكونوا متأكدين من قدرتهم على تعويضها، وإذا اعتقدوا أنهم سيستمرون في رؤيتها تعاني، بعدها وصف الناس شخصية الضحية بشكل سلبي للغاية عندما اعتقدوا أيضًا أنها تتصرف بشكل سلبي، أي أنها اختارت أن تعاني من أجلهم.

تم شرح النتائج من خلال اقتراح أن الناس لديهم حاجة قوية للاعتقاد بأن العالم مكان عادل يحصل فيه الأفراد على ما يستحقونه، والضحايا الذين يستمرون في المعاناة من دون أي خطأ من جانبهم وخاصة الأشخاص الطيبين جدًا مثل المرأة المؤيدة في التجربة المبكرة، حيث أنهم يهددون هذا الاعتقاد في عالم عادل، كطريقة للتعامل مع هذا التهديد والحفاظ على الإيمان بعالم عادل قد يحاول الناس استعادة العدالة من خلال مساعدة الضحايا أو تعويضهم.

عندما لا يكون من الممكن مساعدة الضحايا أو تعويضهم قد يعيد الناس تفسير الموقف، على سبيل المثال الادعاء بأن ضحية معينة هي شخص سيء أو غير مستحق بأي شكل آخر، ومن خلال التقليل من قيمة الضحية أو الانتقاص منها بهذه الطريقة منها يبدو مصيره أو مصيرها مستحقًا أكثر ويتم الحفاظ على إحساس الناس بالعدالة في مفهوم فرضية العالم العادل في علم النفس.

كان هناك الكثير من الجدل حول كيفية تفسير نتائج التجربة الأصلية، على سبيل المثال اقترح بعض الباحثين في علم النفس أن الناس قللوا من قيمة الضحية لتقليل شعورهم بالذنب للسماح لها بالاستمرار في المعاناة، ومع ذلك أظهرت تجارب أخرى أن الناس في بعض الأحيان يقللون من قيمة ضحية الظلم حتى عندما لا يكون بإمكانهم لعب أي دور في وضع الضحية، حيث تم التعامل مع هذا وغيره من البدائل المقترحة، في الغالب من خلال مزيد من الدراسة والحجج، مما أدى إلى قبول عام لمفهوم أن الناس سيقللون أحيانًا من قيمة ضحية الظلم لأنهم بحاجة إلى الإيمان بعالم عادل.

الأبحاث الحديثة حول مفهوم فرضية العالم العادل في علم النفس:

منذ فترة التجريب المبكرة في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي واصل علماء النفس الاجتماعي إجراء الأبحاث حول فرضية العالم العادل، حيث أنه كان هناك تقليدان رئيسيان في هذا البحث اللاحق حيث تتمثل من خلال ما يلي:

1- إجراء تجارب لدراسة كيفية استجابة الناس:

واصل الباحثين في مفهوم فرضية العالم العادل في علم النفس إجراء تجارب لدراسة كيفية استجابة الناس عندما يرون أو يقرؤون أو يتعرضون لضحايا يُفترض أنهم يهددون الحاجة إلى الإيمان بعالم عادل، حيث يميل هذا البحث إلى التركيز على ضحايا فيروس نقص المناعة البشرية أو السرطان، على الرغم من أن بعض الباحثين زعموا أن عددًا من هذه التجارب به عيوب تجعل من الصعب تفسير النتائج، إلا أن هناك اتفاقًا على أن العديد من التحقيقات تدعم بشكل عام فرضية العالم العادل.

2- استخدام الاستبيانات:

يتضمن تقليد آخر في البحث النفسي التجريبي الحديث حول فرضية العالم العادل في علم النفس استخدام استبيان لقياس إلى أي مدى يعتقد الناس في الواقع أن العالم مكان عادل، ثم يختبر الباحثين في علم النفس بعد ذلك ما إذا كان الأشخاص الذين يؤمنون بقوة أكبر بعالم عادل، ومنها وفقًا للاستبيان لديهم مواقف معينة.

أظهرت هذه الدراسات على سبيل المثال أنه كلما زاد عدد الأشخاص الذين يزعمون أنهم يعتقدون أن العالم عادل، بالتالي زادت مواقفهم السلبية تجاه الفقراء، ومجموعات الأشخاص الذين يتعرضون للتمييز في المجتمع، وغيرهم من الأشخاص الذين قد يُنظر إليهم على أنهم ضحايا من الظلم، حيث تتوافق هذه النتائج مع فرضية العالم العادل.

آثار فرضية العالم العادل في علم النفس:

فرضية العالم العادل في علم النفس لها العديد من الآثار الهامة لحلقة ردود الفعل تجاه ضحايا الظلم، على سبيل المثال يشير البحث النفسي في المنهج التجريبي إلى أنه إذا شعر الناس أنهم لا يستطيعون مساعدة أو تعويض ضحايا الظلم الذين ما زالوا يعانون بهذا الظلم، فقد يتفاعلون بشكل دفاعي، وقد يفكرون في أن الضحايا يستحقون مصيرهم إما بسبب نوع الأشخاص الذين هم عليهم أو بسبب الطريقة التي يتصرفون بها وأدت لتعرضهم لهذا العدوان، إذا استجاب الناس بهذه الطريقة فقد تقل احتمالية رد فعلهم بطريقة أكثر إيجابية، مثل العمل على تقليل الظلم أو تقديم الدعم العاطفي.

من المهم أن نلاحظ أن فرضية العالم العادل في علم النفس هي في الواقع جزء من نظرية أوسع تسمى نظرية دوافع العدالة أو نظرية العالم العادل، بحيث تتضمن النظرية مقترحات حول كيف ولماذا يتطور الإيمان بعالم عادل لدى الأطفال، والأشكال المختلفة التي قد يتخذها الإيمان بعالم عادل، والاستراتيجيات العديدة المتنوعة بصرف النظر عن لوم واستخفاف ضحايا الظلم التي يستخدمها الناس للحفاظ على الإيمان بعالم عادل، والطرق المختلفة التي يتم بها تعريف العدالة لأنواع مختلفة من العلاقات الاجتماعية.

المصدر: مبادئ علم النفس الحيوي، محمد أحمد يوسف.الإنسان وعلم النفس، د.عبد الستار ابراهيم.علم النفس العام، هاني يحيى نصري.علم النفس، محمد حسن غانم.


شارك المقالة: