مفهوم مغالطة التخطيط في علم النفس

اقرأ في هذا المقال


مفهوم مغالطة التخطيط في علم النفس:

يشير مفهوم مغالطة التخطيط في علم النفس إلى شكل محدد من التحيز المتفائل حيث يقلل الناس من تقدير الوقت الذي سيستغرقه إكمال مهمة قادمة على الرغم من أنهم يدركون تمامًا أن المهام المماثلة قد استغرقت وقتًا أطول في الماضي، حيث أن أحد الجوانب المثيرة للاهتمام لهذه الظاهرة هو أن الناس يحملون في نفس الوقت معتقدات متفائلة أي فيما يتعلق بمهمة مستقبلية محددة، بالإضافة إلى معتقدات أكثر واقعية أي فيما يتعلق بالتجارب السابقة ذات الصلة، وعندما يتعلق الأمر بالتخطيط للمستقبل، ويمكن للناس معرفة الماضي ومع ذلك محكوم عليهم بتكراره.

يعتبر الميل إلى التقليل من أوقات إنجاز المهام ذو آثار عملية مهمة، حيث تنفق الحكومات والشركات والأفراد قدرًا كبيرًا من الوقت والمال والجهد في محاولة للتنبؤ بالوقت الذي ستستغرقه بعض المشاريع حتى تكتمل، وفي الحياة اليومية تسمح التنبؤات الدقيقة للأفراد بالتخطيط الفعال وتنسيق جداولهم مع تلك الخاصة بالأصدقاء وأفراد الأسرة وزملاء العمل، ويمكن أن يكون لتقديرات الإنجاز غير الواقعية تكاليف اقتصادية وشخصية واجتماعية خطيرة وبالتالي تستحق الاهتمام البحثي.

أدلة وأسباب مفهوم مغالطة التخطيط في علم النفس:

يأتي الدليل الأكثر مباشرة على مغالطة التخطيط من الدراسات التي يتوقع فيها الناس المدة التي سيستغرقها مشروع قادم لإكماله، والإبلاغ عن أوقات الانتهاء لمشاريع مماثلة في الماضي، ثم تنفيذ المشروع لاحقًا، على سبيل المثال أفاد طلاب الجامعات أنهم أكملوا مهام الكتابة الخاصة بهم عادةً قبل يوم واحد تقريبًا من تاريخ الاستحقاق، لكنهم توقعوا أنهم سيكملون مقالتهم الصيفية الحالية قبل أكثر من أسبوع من موعد الاستحقاق.

حيث أنهم كانوا يميلون إلى إنهاء المقال كالعادة قبل يوم تقريبًا من الموعد النهائي، وقد لوحظ الميل إلى التقليل من أوقات الإنجاز لمجموعة واسعة من الأنشطة التي تتراوح من الأعمال المنزلية اليومية إلى المشاريع الصناعية واسعة النطاق.

لماذا يقلل الناس بشكل متكرر من الوقت الذي ستستغرقه مهامهم لإكمالها؟ وفقًا للتفسيرات المعرفية لمفهوم مغالطة التخطيط في علم النفس ينتج التحيز من أنواع المعلومات التي يأخذها الناس في الاعتبار، فعند إنشاء تنبؤ بإكمال المهمة يكون الميل الطبيعي للناس هو التخطيط للخطوات المحددة التي سيتخذونها لإكمال المشروع بنجاح.

تكمن مشكلة هذا النهج في أن الأحداث لا تتم عادةً كما هو مخطط لها بالضبط؛ نظرًا للعدد الهائل من العوائق المحتملة، وهناك احتمال كبير أن يواجه الناس مشاكل وتأخيرات وانقطاعات غير متوقعة، وعندما يركز الأشخاص بشكل ضيق على خطة لإكمال المهمة بنجاح، فإنهم يتجاهلون مصادر المعلومات الأخرى مثل أوقات الإنجاز السابقة، والأولويات المتنافسة، والعوامل التي قد تؤخر تقدمهم، مما قد يؤدي إلى تنبؤات أكثر واقعية.

تم دعم هذا التفسير المعرفي من خلال الدراسات التي يصف فيها الأفراد أفكارهم مع توقع متى سينتهون من مشروع قادم، حيث تركز معظم الأوصاف على خطط مستقبلية محددة بينما تذكر القليل جدًا من الأوصاف الخبرات السابقة ذات الصلة أو المشكلات المحتملة.

بالإضافة إلى ذلك أظهرت الدراسات في المنهج التجريبي أن الأشخاص الذين تم توجيههم لوضع خطة مستقبلية مفصلة لمهمة ما، يقومون بتنبؤات أكثر تفاؤلاً من أولئك الذين ليسوا كذلك، حيث تشير هذه النتائج إلى أن تنبؤات الأشخاص غير الواقعية ناتجة، جزئيًا على الأقل عن ميلهم إلى التركيز بشكل ضيق على خطة لإكمال المهمة بنجاح.

يمكن أن يلعب الدافع أيضًا دورًا من خلال توجيه النهج المعرفي الذي يتبعه الناس، على سبيل المثال قد تؤدي الرغبات القوية لإنهاء المهام مبكرًا إلى زيادة تركيز الأشخاص على الخطط المستقبلية وتقليل تركيزهم على التجارب السابقة، مما يؤدي إلى تنبؤات شديدة التفاؤل، وتم توضيح التفاعل بين الدافع والإدراك في دراسة ميدانية.

على سبيل المثال قدّر دافعو الضرائب الذين توقعوا استرداد ضريبة الدخل، وبالتالي كان لديهم دافع قوي لتقديم الإقرار الضريبي مبكرًا، أي أنهم سيقدمون الإقرار قبل حوالي 10 أيام في المتوسط ​​مما فعل دافعو الضرائب الذين لم يتوقعوا استردادًا، وفي الواقع لم تختلف المجموعتان في وقت تقديم الإقرارات، وهو وقت متأخر كثيرًا عما توقعته أي من المجموعتين.

عوامل واستراتيجيات الاعتدال في مغالطة التخطيط في علم النفس:

تتمثل عوامل واستراتيجيات الاعتدال في مغالطة التخطيط في علم النفس من خلال ما يلي:

1- التحيز القوي:

نظرًا للتكاليف المحتملة للتنبؤات غير الواقعية، حاول الباحثين والعديد من المهتمين في المجالات النفسية تحديد العوامل التي قد تحد من حدوثها، حيث تشير النتائج إلى أن مفهوم التحيز قوي بشكل ملحوظ، وتظهر لمجموعة واسعة من المهام والأنشطة والوظائف، وتعمم عبر الفروق الفردية في الشخصية والثقافة، وتظهر لتنبؤات المجموعة وكذلك التنبؤات الفردية.

2- التنبؤ بالمهام المطلوبة:

ومع ذلك فإن أحد العوامل التي يبدو أن لها تأثيرًا كبيرًا هو ما إذا كانت تنبؤات الناس تتضمن مهامهم الخاصة أو مهام الآخرين، حيث أنه عندما يتنبأ الناس بمهام الآخرين، بدلاً من مهامهم فإنهم يكونون أقل عرضة للتقليل من أوقات الإنجاز، حيث يعتبر هذا الاختلاف بين الممثل والمراقب منطقيًا نظرًا للأسباب المعرفية والتحفيزية لمفهوم مغالطة التخطيط في علم النفس.

3- الوصول للمعلومات:

لا يستطيع المراقبين عادةً الوصول إلى ثروة المعلومات التي تمتلكها الجهات الفاعلة حول خططهم وظروفهم المستقبلية، مما يجعل من الصعب على المراقبين وضع خطة مستقبلية مفصلة، أيضًا لا يشترك المراقبين المحايدين عمومًا في نفس الدوافع مع الجهات الفاعلة، على سبيل المثال لإكمال المهمة على الفور، وبالتالي قد يكونون أقل ميلًا للتركيز بشكل انتقائي على المعلومات التي تدعم التنبؤ المتفائل.

4- التشاور:

عندما يكون من المهم تجنب التنبؤات غير الواقعية، فقد يُنصح الأفراد بالتشاور مع مراقبين محايدين، وبالتالي قد يكون أقل ميلًا للتركيز بشكل انتقائي على المعلومات التي تدعم التوقعات المتفائلة.

5- ربط التجارب السابقة بخطط محددة:

قام الباحثين أيضًا بفحص الاستراتيجيات التي يمكن للمتنبئين الفرديين استخدامها لتجنب الاستهانة بأوقات الإنجاز الخاصة بهم، حيث أنها تتضمن إحدى الاستراتيجيات ربط التجارب السابقة بخطط محددة لمهمة قادمة، على وجه التحديد قبل إنشاء التنبؤ بإكمال المهمة المطلوبة، يُطلب من المتنبئين أن يتذكروا عندما ينهون عادةً المشاريع، ثم يصفون سيناريو معقولاً من شأنه أن يؤدي إلى تنفيذ المشروع القادم في الوقت المعتاد.

يجب أن يمنع هذا الإجراء الأشخاص من تجاهل التجارب السابقة أو إنكار أهمية تلك التجارب السابقة، وقد ثبت أنه يقضي على التحيز المتفائل المعتاد، حيث أنه يوجد هناك استراتيجية أخرى يمكن أن تكون فعالة وهي تقسيم مهمة متعددة الأوجه إلى مكونات فرعية أصغر، والنظر في المدة التي سيستغرقها كل مكون فرعي للمهمة والوظيفة المطلوبة.


شارك المقالة: