حتى نفهم جذور علم النفس الإيجابي، علينا إعادة النظر في موجات علم النفس، لم يبدأ مجال علم النفس حتى وقت قريب في توسيع معايير بحثه لدراسة الأمور التي تجعل الناس يزدهرون، تقدم الأقسام التالية ملخص موجز لموجات علم النفس.
موجات علم النفس:
الموجة الأولى- نموذج المرض:
خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، كان علم النفس مهتم بعلاج الاضطرابات العقلية مثل الفصام في المجمعات البشرية وأنواع أخرى مختلفة مثل (الدونية والسلطة وإليكترا وأوديب وما إلى ذلك)، كانت محاولة علماء النفس لعلاج هذه الأمراض أمر طبيعي وجدير بالثناء، كما كان عمل علماء النفس الأوائل مثل سيغموند فرويد وأدلروكارل يونغ فعّال للغاية.
الموجة الثانية- السلوكية:
كان سكنر هو المنشئ لهذه الموجة وذلك جنباً إلى جنب مع جون بي واتسون وإيفان بافلوف من خلال اللنهج السلوكي في علم النفس، اعتقد سكنر أن الإرادة الحرة كانت وهم وأن السلوك البشري يعتمد إلى حد كبير على عواقب أفعالنا السابقة، فإذا اجتذب سلوك معين النوع الصحيح من التعزيز، فمن المرجح أن يتكرر، من ناحية أخرى إذا أدى السلوك إلى عواقب فإن لديه فرصة جيدة لعدم التكرار.
يعتقد سكنر أنه بالنظر إلى الهيكل الصحيح للمكافآت والعقوبات، يمكن تعديل السلوك البشري تماماً بمعنى ميكانيكي، هذه النظرية لها الكثير من المزايا ولا سيما فكرة التكييف الفعال واستنباط السلوك المرغوب، ذلك من خلال نظام المكافآت المصمم بشكل جيد، مع ذلك إنّ التلاعب بالسلوك الذي يسمح به نظام المكافآت المنظم بشكل صحيح هو مفتوح للانتهاكات الجسيمة من قبل المستبدين والديكتاتوريين من حيث قمع رعاياهم، ليس فقط في المجتمع ككل ولكن في مكان العمل أيضاً.
الموجة الثالثة- علم النفس الإنساني:
تشتهر هذه الموجة بفكرتيها الرئيسيتين؛ علم النفس الوجودي لسورين كيركيغارد وجان بول سارتر وعلم النفس الإنساني لأبراهام ماسلو وكارل روجرز، يرى سارتر أنّ كل إنسان مسؤول عن تحديد هويته ومعنى حياته من خلال التفاعل بينه وبين محيطه، فلا أحد يستطيع أن يفعل ذلك من أجله، لهذا السبب المعنى شيء فريد حقاً لكل شخص ومنفصل ومستقل.
لا يمكن لأحد أن يختلف مع هذا الفكر وخاصة مسؤولية الفرد عن مصيره، لكن الإلحاد الكامن وراءه يضعف، فماذا عن الأشخاص الذين لا يستطيعون العثور على هويتهم ومعنى حياتهم بأنفسهم؟ سيكون القلق الذي لا يمكن السيطرة عليه أمر لا مفر منه، حيث يتم التعرف على هذا القلق من خلال العلاج النفسي على أنه قلق وجودي، إذ كان مصدر قلق علاجي كبير للعديد من علماء النفس وخاصة فيكتور فرانكل مًبتكر علاج الشعار.
يوجد اختلاف كبير في وجهات النظر حول مسألة “ما معنى الحياة؟”، من الواضح أن كل فرد يحتاج إلى العمل بنفسه مع تجربته الفريدة ومحيطه، كانت الحركة الإنسانية تدور حول إضافة بُعد شامل إلى علم النفس، حيث يعتقد علماء النفس الإنسانيون أن سلوكنا يتحدد من خلال إدراكنا للعالم من حولنا ومعانيه، كما أننا لسنا مجرد نتاج لبيئتنا بل نحن متأثرون داخلياً ومحفزون لتحقيق إمكاناتنا البشرية.
الموجة الرابعة- علم النفس الإيجابي:
يعتبر علم النفس الإيجابي علم نفس ذو توجه إيجابي ويهتم بالسعادة الحقيقية والحياة الجيدة، كما أكد عالم النفس الإنساني أبراهام ماسلو أنّ علم النفس نفسه ليس لديه فهم دقيق للإمكانات البشرية وأنّ المجال لا يميل إلى رفع مستوى المثل بما يكفي فيما يتعلق بأقصى قدر من التحصيل.
كان علم النفس أكثر نجاحاً في الجانب السلبي منه في الجانب الإيجابي؛ لقد كشف لنا الكثير عن عيوب الإنسان وأمراضه وخطاياه، لكن القليل عن إمكانياته وفضائله وطموحاته القابلة للتحقيق أو طوله النفسي الكامل، يبدو الأمر كما لو أن علم النفس قد حصر نفسه طواعية في نصف نطاق اختصاصه الشرعي فقط، في حين ركزت موجات سابقة من علم النفس على عيوب الإنسان والتغلب على أوجه القصور وتجنب الألم والهروب من التعاسة.
يركّز علم النفس الإيجابي على الرفاه والرضا والإثارة والبهجة والسعي إلى السعادة، أرادت الحركة الإنسانية النظر إلى ما يدفعنا للرغبة في النمو وتحقيق الإنجاز، مع ذلك على الرغم من أن أفكارهم المفاهيمية عن الطبيعة البشرية قد أثرت على تطور علم النفس الإيجابي؛ إلا أنهم منفصلون، في حين أن النهج الإنساني يستخدم المزيد من الأساليب النوعية، كما أنّ علم النفس الإيجابي يطور نظرية معرفية أكثر علمية لفهم البشر.