تأثير النظائر المشعة في الخلايا

اقرأ في هذا المقال


ما هي النظائر المشعة:

تحدث النظائر المشعة كمكونات ثانوية في العديد من المواد الطبيعية، والتي يمكن تجميعها من خلال إجراءات التجزئة، حيث في عدد محدود جدًا من الحالات يمكن العثور على كميات أكبر من النظائر المشعة في الطبيعة مثل الراديوم أو الرصاص المشع ومع ذلك، يتم تحضير معظم النظائر المشعة المستخدمة اليوم بشكل مصطنع عن طريق التفاعلات النووية، إذ عندما يصطدم جسيم عالي الطاقة مثل البروتون أو الديوترون أو جسيم ألفا أو النيوترون مع ذرة يحدث تفاعل، مما يؤدي إلى تكوين مركب جديد غير مستقر هو نظير مشع من صنع الإنسان.

الفائدة العظيمة للنظائر المشعة، هي أنه يمكن اكتشافها وتحديدها بواسطة الأدوات المناسبة، ولقد أدرك علماء الكيمياء الحيوية منذ فترة طويلة الرغبة في وضع العلامات على الجزيء للسماح بتتبع العلامة أو تتبعها وتتابع الجزيء أثناء انتقاله خلال تفاعل أو عملية، ونظرًا لأنه يمكن الكشف عن الإشعاعات المنبعثة من النظائر المشعة وقياسها يمكننا بسهولة تتبع الجزيء الموسوم بذرة مشعة.

قيمة النظائر المشعة في الدراسات البيولوجية بالنسبة لعلماء الأحياء، إن السمة الأساسية في استخدام النظائر المشعة هي إمكانية تحضير عينات مُصنفة لأي جزيء عضوي مشارك في العمليات البيولوجية، بحيث من خلال العينات المصنفة من الممكن تمييز السلوك وتتبع مسار الجزيئات المشاركة في وظيفة بيولوجية معينة.

وبهذه الصفة يمكن تشبيه النظير بنوع ديناميكي وثوري من المجهر الذري، والذي يمكن بالفعل دمجه في عملية حية أو خلية معينة تمامًا، كما يسمح المجهر الحقيقي بفحص التفاصيل الهيكلية للخلايا تسمح النظائر بفحص نشاط الجزيئات والذرات والأيونات أثناء تفاعلها داخل الخلايا، حيث لا تتمتع المجاهر الضوئية ولا الإلكترونية بالقوة الكافية لنرى أي شيء صغير مثل الجزيء بوضوح.

تم تطبيق الإجراءات المختلفة التي تلعب فيها النظائر المشعة دورًا رئيسيًا في العديد من الدراسات والاستقصاءات في مجالات البيولوجيا والطب، وفي الواقع تدين معظم مفاهيم علم الأحياء الحديث باكتشافها للاستخدام الحكيم للنظائر المشعة.

استخدامات النظائر المشعة:

إن استخدام النظائر المشعة في دراسة العمليات الحياتية له أهمية في فهمها، بحيث باستخدام تقنيات التصوير الإشعاعي الذاتي والكيميائي الإشعاعي من الممكن الحصول على معلومات قيمة فيما يتعلق بحياة الخلايا والآليات الحميمة التي تحدد من خلالها عمليات الحياة مصير الكائن الحي بأكمله، إذ كانت المعرفة بدورة الخلية ونظام العمل الجيني مفيدة في تحديد كيفية نمو الكائنات الحية وكيف تتصرف الخلايا السرطانية، ولقد تم تحديد أن بعض خلايا البالغين الطبيعية تنقسم بشكل متكرر من بعض الخلايا السرطانية وأن نمو السرطانات لا يعتمد كثيرًا على سرعة الانتشار الخلوي بقدر ما يعتمد على عدد الخلايا التي تنقسم بالفعل، حيث جلبت المعرفة بدورة الخلية أيضًا نظرة ثاقبة جديدة للتحكم في انقسام الخلايا، كما هو الحال في الدراسات المتعلقة بعلاج السرطان، إن المشكلة الأكثر أهمية الآن ليست التحكم في انقسام الخلايا بل التحكم في تركيب الحمض النووي.

كما تستخدم النظائر المشعة في المجالات الصناعية والعلمية والطبية والزراعية، فهي تستخدم لحل المشكلات التي تتعلق بالقياسات وفي ضبط جودة الإنتاج الصناعي وتحويل المواد، إلى جانب ساتخدامها في دراسة التفاعلات الكيميائية، كما تشمل مجالات استخدام الإشعاعات النووية والنظائر المشعة نواح أخرى كالكشف عن الجريمة ودراسة البيئة وتحديد أعمار الأثريات، حيث في وقتنا الحالي تستخدم النظائر المشعة في عدة مجالات زراعية تستهدف زيادة الدخل الزراعي وتنمية المحاصيل وحفظها، وزيادة إنتاجية الأرض الزراعية واستنباط أنواع جديدة من المحاصيل الزراعية المحتوية على نسب أكبر من البروتينات.

تقنيات التشعيع باستخدام النظائر المشعة:

وتساهم تقنيات التشعيع باستخدام النظائر المشعة في إنتاج محاصيل لها القدرة على مقاومة الآفات الزراعية وتحمل التقلبات الجوية، كما تستخدم تلك التقنيات في زيادة إنتاجية اللحوم والألبان في الطيور والحيوانات الداجنة، وفي منع وتقليل التلف الناتج عن تخزين المحاصيل، وتفيد التقنيات الإشعاعية كذلك في تحديد مصادر المياه الصالحة للري واستخدامها بكفاءة عالية، وفي تحديد كيفية امتصاص النباتات للأسمدة، مما يساعد على التوصل الى أفضل الظروف الملائمة للتنمية الزراعية.

وتضاف بعض النظائر المشعة القابلة للذوبان في الماء الى السماد ثم يتتبع النشاط الإشعاعي لتلك النظائر بعد أن يمتصها النبات، وبذلك يمكن تحديد كمية السماد اللازمة للنبات بالإضافة الى أفضل المواضع التي يوضع فيها تحقيقاً لأكبر قدر من الإمتصاص وتقليلاً لتكلفة الإنتاج الزراعي، وقد ثبت أن تشعيع المواد الغذائية الزراعية يساهم في حفظها من التلف، فإذا تعرضت تلك المنتجات الى جرعات إشعاعية معينة، فإنها تصبح قادرة على البقاء صالحة لمدة أطول دون أن تتسبب في أية أضرار صحية للبشر أو الحيوانات بعد تناول تلك الأغذية.

ويساعد التشعيع في حفظ وإطالة مدة تخزين البصل والبطاطس والبقوليات والحبوب والفاكهة والأسماك واللحوم والدواجن
وتتمثل عملية استخدام النظائر المشعة لتتبع الأثر في إضافة قدر ضئيل من نظير مشع ثم متابعة طريقة إنتشاره وتوزعه بتتبع أثره، وتستخدم تلك العملية في العديد من المجالات الصناعية كالتهوية ودراسة معدل التدفق والكشف عن تسرب السوائل والغازات من خطوطها وخزاناتها، وفي تحديد نوعية اللحام والكشف عن وجود أية فقاعات غازية بها.

تستخدم الإشعاعات المنبعثة من النظائر المشعة في التصوير الإشعاعي بإشعاعات جاما، التي حلت محل الأشعة السينية حيث يمكن عمل مصدر من الكوبلت أو السيزيوم المشع، واستخدامه بكفاءة أعلى كثيراً من كفاءة الأشعة السينية لاختبار الأنابيب الطويلة، حيث أصبحت تلك الطريقة هي المعتمدة لاختبار أنابيب خطوط الغاز والزيت، وبتعرض المطاط لأشعة جاما فإنه يكتسب خصائص جديدة ويصبح أفضل مرونة وأكثر سهولة في عمليات التشكل.

وتستخدم إشعاعات جاما حالياً في صناعة الكابلات المعزولة بالمطاط وفي لحام شرائح المطاط مع بعضها، ويتميز المطاط المعرض لأشعة جاما بمقاومة أكبر للكهرباء مما أدى الى صغر سمك عازلات الأسلاك، وقد ثبت أن إشعاعات جاما تساعد على إتمام بعض التفاعلات الكيميائية الصناعية مثل تفاعلات إنتاج الطلاءات المعدنية وطلاءات السيارات وفي إنتاج البلاستيك وفي المواصفات الخاصة بالأسمنت المسلح لإنتاج مواد شديدة الصلابة .

تستخدم النظائر المشعة ايضاً في التأكد من ملء العبوات كمعلبات المشروبات والسوائل، كما أنها تستخدم أشعة جاما كذلك في تطوير الأخشاب لتصبح أكثر قساوة وقدرة؛ لتتمكن من مقاومة الخدش والاحتراق، كما تستخدم الإشعاعات في الوقت الحالي أيضاً في عمليات اكتشاف آبار البترول ومناجم الحديد والنحاس والنيكل والرصاص والزنك والفحم، كما تستخدم النظائر المشعة حالياً في تصنيع البطاريات الكهربية عالية القدرة وطويلة العمر الذي قد يصل الى عشرات السنين دون الحاجة لأية عمليات صيانة، حيث أن أساس عمل تلك البطاريات هو تحويل الطاقة الحرارية الناتجة عن تفكك النظير المشع الى طاقة كهربية، ولهذا الغرض تستخدم النظائر المشعة ذات العمر النصفي الطويل مثل ( البلوتونيوم 238 والكوبلت 60)، إذ تستخدم تلك البطاريات في الأقمار الصناعية ومحطات الأرصاد الجوية وفي الوقت الحالي تستخدم بطارية لاتزيد عن 30 جم في الوزن كمصدر تغذية لجهاز تنظيم ضربات القلب.

التشخيص بحقن المواد المشعة:

يتم تشخيص العديد من الأمراض والقصور في وظائف الأعضاء عن طريق حقن نظائر مشعة معينة الى داخل الجسم البشري أو لعضو معين، ويتم بعد ذلك متابعة سلوك وانتشار المادة المشعة في الجسم وتركيزها في الأعضاء المختلفة، وعادة ما تكون النظائر المشعة المستخدمة للحقن هي التي تصدر إشعاعات جاما التي تتميز بقدرة كبيرة على اختراق المواد وبالتالي اختراق الأنسجة والأعضاء البشرية.

ويتم متابعة سلوك النظير المشع المحقون وانتشاره في الجسم البشري عموماً وفي الأعضاء المختلفة عن طريق رصد الإشعاعات الصادرة عن النظير في الأعضاء والأنسجة البشرية المختلفة وذلك باستخدام مجس أو كاشف مخصص للكشف عن هذه الإشعاعات يمكن توجيهه الى نقاط الجسم المختلفة وتصوير الإشعاعات الصادرة في لحظات معينة، كما يسمى الجهاز المستخدم للكشف عن الإشعاعات الصادرة عن النظائر المشعة في أعضاء الجسم المختلفة بآلة تصوير جاما.

كما يمكن استخدام الإشعاعات والنظائر المشعة في علاج بعض الأمراض مثل علاج السرطان والأورام الأخرى، حيث أن الإشعاع يتلف الخلايا الحية ويقتلها، مما يساعد على استخدامه لقتل الخلايا السرطانية ووقف نموها، إلا أن الجرعات الإشعاعية التي تؤدي الى قتل الخلايا السرطانية، يمكنها أن تؤدي في نفس الوقت الى قتل الخلايا السليمة فتتأثر بالإشعاع إلا أن هذه الخلايا تشفى بعد ذلك .

التصوير بالانبعاث البوزيتروني:

تعتمد نظرية هذا النوع من التصوير على استعمال ظاهرة فناء البوزيترون عند تفاعله مع الإلكترون بعدما يفقد طاقته، مما يؤدي الى إنبعاث فوتونين ينطلقان في اتجاهين مختلفين، حيث تبلغ طاقة كل فوتون 511 كيلو الكترون فولت ويوضع حول المريض كاشف للإشعاعات عبارة عن كاشف ومضي، عند حدوث تحول نووي عند نقطة ما داخل المريض ينبعث فوتونان يسجلان في نفس الوقت وكنتيجة لتسجيل الجسيمات المختلفة يتم إعادة رسم صورة لتوزيع النشاط الإشعاعي داخل المريض، حيث تتطلب آلة التصوير البوزيترونية (بوزيترون كاميرا) توفير النظائر المشعة المصدرة للبوزيترونات التي عادة ما يتم إنتاجها باستخدام معجل السكليترون، إن عمر النصف لمعظم هذه النظائر المستخدمة في التصوير البوزيتروني قصير وهذا يتطلب وجود السيكليترون داخل المستشفى .


شارك المقالة: