اقرأ في هذا المقال
عادة ما يشير الوعي إلى فكرة الشخص الواعي بذاته، إنها خاصية تميز البشر عن الكائنات الحية الأخرى ويبقى الاستخدام الأصلي الأكثر شيوعاً للمصطلح، لكن ظهر اتجاه آخر من البحث السياسي والفلسفي الذي يتعامل مع الوعي من حيث الحالة السياسية للفرد، حيث يرى ماركس أن الوعي يصف شعور المرء بذاته سياسياً؛ أي أنه يصف وعي المرء بالسياسة، كما يرى أن الوعي الصحي يرتبط بفهم الموقف الحقيقي للفرد في التاريخ بينما جعل هيجل الله سبب وعي الناس، ورأى ماركس الاقتصاد السياسي كمحرك ذهني وفي القرن العشرين، حيث طور العديد من المفكرين والحركات الاجتماعية هذا الاستخدام للوعي.
مفهوم الوعي السياسي:
إنه الفهم العام للمناخ السياسي وما يحركه من حيث تفاعلات وخطط الفاعلين السياسيين داخل الدولة أو حتى خارجها؛ بسبب الترابط العالمي للأحداث، حيث يتعلق مفهوم “الوعي السياسي” بالأفراد والمنظمات والمجتمعات على حد سواء، بالإضافة إلى ترسيخ الوعي السياسي، والذي يعني تكوين نوع من التفكير الواعي عن الحاضر السياسي والحراك المطلوب في المجال المحلي أو الإقليمي أو الدولي وكل السلوك السياسي الشعبي مثل: الانتخابات، الترشح للانتخابات، إجراء المظاهرات والثورات، حيث تتزايد مع تزايد ما يسمى بـ “الوعي السياسي”، لذا فإن هذا الوعي هو القلب النابض للمكونات الحية للكيانات السياسية، وبعد عمل جورج فيلهلم فريدريش هيجل لخص كارل ماركس كيف يعمل الوعي السياسي.
الوعي السياسي الخاطئ:
من وجهة نظر ماركس الوعي دائماً سياسي؛ لأنه نتاج الظروف السياسية، حيث إن أفكار المرء عن الحياة والسلطة والذات من وجهة نظر ماركس هي دائماً نتاج قوى إيديولوجية.
بالنسبة لماركس تظهر الإيديولوجيات لشرح وتبرير التوزيع الحالي للثروة والسلطة في المجتمع وفي المجتمعات التي تنطوي على توزيع غير متكافئ للثروة والسلطة، حيث تشير الإيديولوجيات إلى أن صور عدم المساواة هذه مقبولة ومباشرة وحتمية، لذلك تدفع الإيديولوجيات الناس إلى قبول الأمر الواقع والمرؤوس يؤمن برئيسه: يقبل الفلاحون حكم الطبقة الارستقراطية ويقبل عمال المصانع بحكم صاحب الأرض، ويقبل المستهلكون بحكم الشركات، وهذا الاعتقاد في التبعية الناتج عن الإيديولوجيا من وجهة نظر ماركس هو وعي زائف.
هذا يعني أن ظروف عدم المساواة تشكل إيديولوجيات تجعل الناس في حيرة من أمرهم بشأن أهدافهم الحقيقية وولاءاتهم وتطلعاتهم، لذلك من وجهة نظر ماركس غالباً ما يتم تضليل الطبقة العاملة، على سبيل المثال من قبل القومية والدين النظامي وغير ذلك من المشتتات.
بالإضافة إلى ذلك تساعد هذه الأدوات الإيديولوجية على منع الناس من إدراك أنهم منتجي الثروة ومن يستحقون ثمار الأرض، وأولئك الذين يمكنهم الازدهار: بدلاً من التفكير بموضوعية في أنفسهم، فإنهم يتبنون الأفكار التي قدمتها لهم الطبقة الحاكمة.
الوعي والاقتصاد السياسي:
بالنسبة لماركس فإن الوعي هو انعكاس للاقتصاد السياسي والظروف الاقتصادية والسياسية تشكل أفكار المرء، حيث يوجد لدى ماركس عبارة مشهورة في هذا الصدد وهي: “ليس الوعي هو الذي يحدد كيان المرء لكن العكس هو الصحيح بمعنى أن الكيان الاجتماعي هو الذي يحدد الوعي”.
الوعي والحركات الاجتماعية:
لقد اتبعت العديد من الحركات الاجتماعية بشكل غير متسق فكر ماركس في الوعي، ويعتقد الكثيرون أن اكتساب الوعي يعني إيجاد المسار التاريخي الحقيقي للمرء على عكس الدعاية التي تنشرها النخب الحاكمة، لذلك تحدثت الحركة النسائية عن رفع الوعي وشارك العديد من النشطاء الجنوب أفريقيين في حركة توعية السود، والتي دعت السود إلى اتباع طريقهم السياسي “الحقيقي”، على عكس الأفكار التي قدمها نظام الفصل العنصري، وفيما يتعلق بحركة الوعي الأسود يرى العديد من السود في جنوب إفريقيا أن الوعي هو رفض للأفكار العنصرية ضد السود ورفض حكم الدولة الأبيض واستعادة هوية السود وتاريخهم وتأثيرهم.
من حيث الاتهام السياسي عادة ما يعني “الوعي السياسي” أن الناس يقظون على دورهم السياسي الحقيقي أي هويتهم الفعلية، أما بالنسبة لماركس فإن “الوعي السياسي” يعني أن الطبقات العاملة تدرك نفسها كعوامل عاملة للتاريخ، فهي تتحدى وتتقاسم ثروة القوة العاملة، ومن وجهة نظر ماركس هذا هو دورهم الصحيح والتاريخي على عكس العمل مقابل أجر وخوض الحروب من أجل الرأسماليين وغيرها.
بالنسبة للعديد من الأميركيين الأفارقة كان “الوعي” يعني تعريف وتشويه صور التفوق الأبيض، بما في ذلك ما استوعبه السود، حيث تكمن الحقيقة والقدر في استخدامات مصطلح “الوعي” وعادة ما تكون هذه الاستخدامات للوعي السياسي مشحونة سياسياً.