لا تتعامل الحكومات مع الشعوب التي تقوم بحكمها فقط بل تتعامل مع الحكومات الأخرى لعدد من الأسباب مثل: التجارة وتبادل الأفكار والعمل معاً لحل المشكلات العالمية وحل النزاعات.
مفهوم السياسة الدولية:
السياسة الدولية هي نتيجة تقارب السياسات الخارجية وتفاعلها مع البعض في النظام الدولي بأكمله فضلاً عن تفاعلها مع المنظمات الدولية ومع المجموعات الدولية بخلاف الدول، وهذا يعني ليس فقط الدول ولكن جميع المنظمات والجمعيات والمنظمات الدولية.
تشمل هذه التفاعلات جميع جوانب الحياة ليس فقط السياسية بل الاقتصادية والاجتماعية والعسكرية والبغيضة، حيث إن السياسة الدولية معنية بالسياسات الخارجية لجميع الدول وتربطها مع بعضها البعض بمعنى ربط النظام الدولي والسياسات الداخلية لجميع الدول دون استثناء.
لمحة عن السياسة الدولية:
على الرغم من وجود العديد من الاتفاقيات والمؤسسات الدولية لتيسير العلاقات بين ما يقرب من 200 دولة في العالم يمكن أن تصبح السياسة الدولية شديدة العنف. وعلى الرغم من أن الناس قد حاربوا بعضهم البعض منذ آلاف السنين إلا أن علماء السياسة ما زالوا لا يعرفون بالضبط لماذا يذهب الناس والدول إلى الحرب أو الثورات أو ارتكاب أعمال إرهابية؟ الآن فإن أهم جزء في العلوم السياسية هو تحديد جميع أسباب ونتائج العنف السياسي بالإضافة إلى التفكير في تأثير هذا العنف على النظام الدولي.
تهذيب السياسة الدولية:
أصبحت الوقاحة السياسية عملة بكثرة في التداول الدولي بعد أن شهدت الساحة الغربية ظهور قادة من اليمين المتطرف وأحزاب شعبوية يسارية أو يمينية بلا سبب أخلاقياً أو دبلوماسياً لا تمنع مسؤوليها من التكلم الفاحش للعبارات التي يبدو أنها تجعلها أكثر “واقعية” وقريبة من “عامة الناس” الذين “صوتوا” لهم.
في العالم العربي وفي ظل الغياب شبه الكامل للممارسات الديمقراطية والانتخابات الحرة برز زعماء من خلال الكلام اللاذع واللسان مثل: أنور السادات ومعمر القذافي وصدام حسين واكتسبوا من خلال هذا المستوى من التعبير “الشعبية” بين بعض الجمهور فهم لا يهربون من قول “الحقيقة” مهما كانت الخام.
في الآونة الأخيرة ساهمت وسائل الاتصال في تعميم الذوق المهين وغير الأخلاقي في التعبير عن أمور مختلفة ليست بالضرورة سياسية فقط، من ناحية الإعلام التقليدي أصبحت اللغة السيئة هي العمود الفقري لنجاح برامج تلفزيون الواقع. لقد اعتمد بعض رسامي الحوارات السياسية المتلفزة أيضاً على ثراء برامجهم بالتعبيرات التافهة والكلمات الحمقاء للحصول على أكبر عدد من المشاهدين على حد زعمهم.
لا تنضب الإهانات الخاصة وتدني مستوى التعبيرات السياسية في ظل ظهور شخصيات جديدة تجدد قاموس هذه التعبيرات، ومن أبرزها في العالم: الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ووزير الداخلية الإيطالي الأسبق ماتيو سالفيني الذي انضم إليه مؤخراً الرئيس البرازيلي جايير بولسونارو القادم من صفوف الفاشية التقليدية في أمريكا اللاتينية. إن القاسم المشترك بين هؤلاء هو الانتماء في الفكر والممارسة إلى أحضان اليمين المتطرف.
يبدو أن الفاشية الجديدة أو النازية المتجددة قد ابتعدت عن التقاليد التي طالما ادعى آباؤها الروحيون أنهم يلتزمون بها؛ أي “الانضباط” المصطنع في التعبيرات الأقرب إلى الكنيسة كمرجع أخلاقي على سبيل المثال: كما فعل الجنرال الدموي فرانشيسكو فرانكو في إسبانيا ما قبل الديمقراطية، حيث كان النطق بكلمة نابية يكاد يكون ممنوعاً في الرأي العام.
قد يستمتع البعض منا بالاستماع إلى كلمات بذيئة في بعض الأحيان لكن ربما لا يمكننا تقدير المدى والتأثير من تعميم هذه الوسائل على الحوكمة السياسية. من أهم النتائج السلبية لهذه “اللغة” إقصاء كثير من الناس عن المجال العام بنشاط ونضال والتزام معتبرين أنها مشهد “غير لائق” لا يمكن إلا أن يصيب من ينخرط فيها وعقوباته اللفظية وممارساته المنحرفة. لقد أصبح العمل في السياسة بالنسبة لبعض الجمهور منبوذاً كما هو الحال في الفن بسبب انتشار المعتقدات المتخلفة التي تعتبر من يمارس الفن تحلل أي رادع أو قيم في وقت أصبح فيه تعريف القيم يعتمد على أولئك الأبعد عنهم في الواقع.
آخر راكب في عربة السياسة المبتذلة هو رئيس البرازيل المنتخب جاير بولسونارو الذي تمكن من تسجيل رقم قياسي من الإهانات والفحش في وقت قصير متجاوزاً أقرانه من الشعبويين والمتطرفين اليمينيين في جميع أنحاء العالم. بدأ بشتم خصومه السياسيين وخاصة من اليسار بكلمات بذيئة وتهديدات مستترة وعلنية بالقتل والتصفية متخذاً الدكتاتورية العسكرية التي حكمت البلاد في السابق كمثال يحتذى به.
مرة أخرى حنينه الفاحش “واستهزاءه بعمر ومظهر زوجة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون” رداً على الانتقادات السياسية التي وجهها الأخير لسياسات الرئيس البرازيلي البيئية وعدم التزامه بالوعود بشأن هذا الملف خلال قمة المناخ الدولية التي جمعتها. لقد تبعه وزراؤه في ذلك ورفعوا الأمر إلى وزير الاقتصاد حتى أعلن أمس علانية أن زوجة الرئيس الفرنسي ماكرون كما قال الرئيس “وهي حقاً شنيعة جداً”.
في غضون ذلك ورداً على مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان الرئيس التشيلي الأسبق ميشيل، حيث انتقدت باتشيليت تراجع الديمقراطية في البرازيل بعد وصولها إلى القصر الرئاسي “أصبحت مدرسة بولسونارو المبتذلة علماً في المشهد السياسي الحديث”. لقد واجهها بولسونارو بمستوى “متميز” من الوقاحة واصفاً إياها بـ “الشيوعية التي لم تستطع العثور على وظيفة بعد الرئاسة”. بالإضافة إلى ذلك تذكر بإعجابه الكبير بالدكتاتور الفاشي أجوستو بينوشيه الذي حكم تشيلي 1974 – 1990 بالدم والنار وأمر بقتل والدها الطيار الجنرال في الجيش الوطني في سجنه.
أصبحت مدرسة بولسونارو المبتذلة علماً في المشهد السياسي الحديث حيث ظهر الافتقار إلى الانضباط من مجال الدكتاتوريات التقليدية في مجال الديمقراطيات الحديثة التي، كما ذكر بولسونارو نفسه مراراً وتكراراً تشعر بالحنين إلى حقبة من حكم عسكري.
في العالم العربي مرة أخرى يبدو أن هذه الطريقة أصبحت جذابة لبعض النخب السياسية والدينية وحتى الثقافية وبعض الجمهور. لقد وصل الوضع إلى بعضهم من مختلف الفئات المشار إليها باعتبارهم جزء من حرية التعبير والممارسة الديمقراطية للسياسة. يكفي أن نلاحظ المشهد الإعلامي التونسي على سبيل المثال: أن نسمع مستوى ضحلاً من الخطاب السياسي الغني بالإهانات والهمس والثرثرة.
لقد أصبح مطلوباً من كليات العلوم السياسية أن تضيف إلى مناهجها علوم “الأخلاق” و “الجمال” من أجل الابتعاد عن السياسة بمعناها النبيل. لذلك نعم لها هذا الجانب مهما شك المشككون من مستنقعات التعبيرات الفاحشة والأمثلة القبيحة.
ورد الرئيس ماكرون على نظيره البرازيلي واكتفى بالتعبير عن الأسف للشعب البرازيلي بأكمله لكونه تحت رئاسة من هذا المستوى، على الرغم من أن وصولها كان ترجمة لإرادة صندوق الاقتراع، حيث لا يمكن لصندوق الاقتراع أن يقلل من الديمقراطية.