كان الأمير عبد القادر على وعي تام بحالة الرأي العام في فرنسا. فقد كان مشتركاً بانتظام في الصحافة الفرنسيّة، أيضاً كانت مناقشة البرلمان والمقالات الهامة عن الشؤون الجزائريّة مترجمة، فقد كان يتتبع سياسة الحزب الليبرالي، الذي كان يوافق ويؤيد من الصميم المبدأ الذي طرحه الخطيب الرئيسي لذلك الحزب، وهو السيد دوبان الذي قام باستنكار مغامرة الجزائر على أنّها إرث مميت.
معاهدة تافنة:
معاهدة التافنة وقعت في 30 أيار من عام 1837. وهي معاهدة جرت قرب وادي تافنة تلمسان، بين الأمير عبد القادر والجنرال توماس روبير بيجو من الجيش الفرنسيّ، بعد التعرّض الأخير لخسائر فادحة بسبب المقاومة الجزائريّة.
إن المعاهدة نصّت على أن يعترف الأمير عبد القادر بالسّيادة الإمبراطوريّة الفرنسيّة في أفريقيا. مقابل ذلك تنازلت فرنسا عن ما يقرب من ثلثي الجزائر لإمارة الجزائر(ولايات وهران، القليعة والمدية وتلمسان والجزائر). حيث أن نتيجة تلك المعاهدة هو كان الاحتفاظ بعدة موانئ.
المعاهدة لم تتحقق من بعد أن نقضها الملك لوي فيليب الأول، في نوفمبر من عام 1837 الذي أمر باحتلال قسنطينة، الأمر الذي أشعل المزيد من القتال بين قوات الأمير عبد القادر والقوات الامبراطوريّة الفرنسيّة. فقد أعلن الأمير عبد القادر الجهاد مرّة أخرى، في 15 أكتوبر من عام 1839 في معركة متيجة.
أهم بنود معاهدة تافنة:
لقد تمّبين الجنرال بيجو قائد الوحدات الفرنسيّة في مقاطعة وهران وبين الأمير عبد القادر إبرام المعاهدة التالية:
- أن يعترف الأمير بسلطة فرنسا في الجزائر.
- أن يبقى لفرنسا في إقليم وهران، كلّ من مستغانم ومزغران وأراضيهما، أيضاً وهران وارزيو وأراضيهما.
- على دولة الأمير أن تعترف بإمارة الأمير عبد القادر، على إقليم وهران وإقليم التيطري والقسم الذي لم يدخل في حكم فرنسا، من إقليم مدينة الجزائر لجهة الشرق بحسب التعيين المحدد.
- لا يجوز للأمير أن يمدّ يده لغير ما ذكر من أراضي الجزائر.
- ليس للأمير حُكم ولا سلطة، على المسلمين من أهل البلاد المملوكة لفرنسا، حيث يُباح للفرنسيين أن يسكنوا في مملكة الأمير، كما أنّه يُباح للمسلمين أن يقوموا بالاستيطان في البلاد التّابعة لفرنسا.
- إن العرب الساكنة في الأراضي الفرنسية، تقوم بممارسة ديانتها بحريّة تامّة، أيضاً لهم الحق أن يبنوا جوامع بحسب مرتبهم الديني، تكون تحت رئاسة علماء دينهم الإسلاميّ.
- لدولة فرنسا أن تقوم في المدن التي في مملكة الأمير، الحق بتعيين وكلاء ينظرون في أشغال الرعايا الفرنسيّة، أيضاً حلّ المشكلات التجاريّة التي بينهم وبين العرب، كذلك للأمير أن يضع وكلاء من طرفه في المدن، التي تكون تحت إدارة الدولة الفرنسيّة.
- يكون رد المجرمين بين الطرفين بالتّبادل.
- يتعهّد الأمير بأن لا يعطي أحد من الدول الأجنبيّة، قسماً من الشاطئ إلا برخصة من فرنسا.
- لا يجوز البيع من محصولات الإقليم ولا الشراء، إلا في الأسواق الفرنسيّة.
- يجوز للأمير أن يشتري من فرنسا، البارود والكبريت وما يحتاجه من الأسلحة.
- على الأمير أن يدفع للعساكر الفرنسيّة، ثلاثين ألف كيلو من الحنطة ومثلها من الشعير بمكيال وهران، أيضاً خمسة آلاف رأس من البقر يؤدى ذلك كله، في مدينة وهران على ثلاثة قسوط.
- المتّجر: أيّ التّجارة يكون حرّاً بين العرب والفرنسيّة، أيضاً للجميع أن يتمتعوا بالتبادل في كلّ من الأرضين.
- إن الكول اوغلي (أبناء العبيد)، الذين يريدون أن يعيشوا في تلمسان أو غيرها من المدن الإسلاميّة، لهم الحق أن يتمتعوا بأملاكهم بكامل الحريّة، أيضاً يعاملون معاملة الحضر والذين يريدون منهم الانتقال إلى الأراضي الفرنسيّة، بأن تكون لهم الرّخصة لبيع أملاكهم أو إيجارها بكلّ حريّة مطلقة.
تنظيم إدارة الدولة:
لقد قسّم الأمير عبد القادر إقليم التراب الوطنيّ، بعد الإمضاء على معاهدة تافنة إلى 8 وحدات أو مقاطعات، هي: مليانة، معسكر، تلمسان، الأغواط، المدية، برج بوعريرج، تيزي وزو، بويرة، بسكرة وسطيف. كما أنّه أنشأ مصانع للأسلحة وقام على بناء الحصون والقلاع، مثل: تاقدمت، معسكر، سعيدة.
ولقد قام الأمير بتشكيل وزارته التي كانت تتكوّن من 5 وزارات، أيضاً جعل مدينة معسكر مقرّاً لها. وقام على اختيار أفضل الرجال الذين يتميزوا بالكفاءة العلميّة، أيضاً المهارة السياسيّة إلى جانب أخلاقهم الفضيلة، حيث نظّم ميزانيّة الدولة وفق مبدأ الزكاة لتغطية نفقات الجهاد، كما أنّه قام باختيار رموز العلم الوطنيّ وشعار للدّولة (نصر من الله وفتح قريب). ولقد كان أحمد بن سالم خليفة على مقاطعة الجبال، ضمن هذه المقاطعات الثمانية في دولة الأمير عبد القادر الجزائري. حيث كان صوفي وسياسي ومحارب جزائري، اشتهر بمناهضته للاحتلال الفرنسيّ للجزائر.