ما هو التاريخ الأرضي بالقياس الإشعاعي؟
تعتبر أغلب الذرات مستقرة غير متغيرة، إلا أن بعضها متغير وهي تطلق حرارة باستمرار عند تفتت أو تحول النويات، وهذه هي الحرارة التي تساعد على حفظ حرارة باطن الأرض العالية، وهي أيضاً مصدر الحرارة التي كان يقيسها كيلفن معتقداً بأنه يقيس معدل انخفاض درجة حرارة الأرض، كما أنه ومن المعروف بأن الذرة تتكون من الإلكترونات والبروتونات بالإضافة إلى النيوترونات، فالإلكترونات ذات شحنة سالبة والبروتونات ذات شحنة موجبة وحيث أن النيوترون هو عبارة عن الكترون وبروتون مجتمعين أي أنه ليس له شحنة وتتواجد البروتونات والنيوترونات في المركز أو في نواة الذرة.
أما الإلكترونات فهي تدور حول النواة في مدارات ثابتة، وعلمياً فإن كل كتلة الذرة تكون موجودة في النواة، حيث أن الإلكترونات علمياً ليس لها كتلة على الإطلاق، ومن خلال عدد البروتونات إلى عدد النيوترونات في النواة يتم تحديد العدد الكلي للذرة، والقوى التي تربط البروتونات والنيوترونات ببعضها البعض في النواة قوية جداً إلا أن طبيعة هذه القوى ما زالت غامضة، ونتيجة لذلك فإن النويات تتفتت أو تتحلل باستمرار وهذه هي العملية التي تسمى بالنشاط الإشعاعي، وهناك نوعان من التحلل الإشعاعي وأولها جسيمات ألفا يمكن انبعاثها من النواة ويحتوي جسيم ألفا على 2 من البروتونات و2 من النيوترونات.
وعليه فإن انبعاث جسيم ألفا يعني أن العدد الكتلي للنظير يتناقص بعدد 4 والعدد الذري يتناقص بعدد 2، وعندما ينطلق جسيم بيتا أو إلكترون من النواة فإن العدد الكتلي يبقى بدون تغيير، حيث أن الإلكترونات ليس لديها أي كتلة، إلا أنه لا بد أن يكون الإكترون قد أتى من النيوترون، وعليه فإن للنواة بروتوناً واحداً زائداً عن ذي قبل، وبذلك فإن العدد الذري يزداد بمقدار واحد، والنظائر المشعة غالباً ما يشار إليها على أنها المصدر والنظائر الناتجة من تحلل هذا المصدر تسمى النواتج الوليدة، وبكل تأكيد فإنه من بين أهم النتائج لاكتشاف النشاط الإشعاعي هو أنها أعطت طريقة موثوقاً بها لقياس أعمار الصخور والمعادن التي تحوي نظائر مشعة.
وتعرف هذه الطريقة بالتأريخ الإشعاعي، إن معدل تحلل النظائر المشعة ثابت وغير متأثر بأية عوامل مساعدة كيميائية أو فيزيائية، وبيان الوقت اللازم لتحلل نصف نويات عينة ما والمسمى بعمر النصف هو الطريقة المتداولة لبيان معدل التحلل الإشعاعي، فإذا ابتدأنا برطل من المواد المشعة فإن تحلل نصف رطل من هذه المواد سيتم بعد عمر نصف واحد ونصف الكمية الباقي سيتحلل بعد عمر نصف آخر وهكذا، وهناك أسس التأريخ الإشعاعي باستعمال مصدر مشع افتراضي والذي سيتحلل مباشرة إلى مواد وليدة ثابتة، عمرها النصفي هو واحد مليون سنة، وباحتساب النسب المئوية لمواد المصدر المشع ونتاج الوليد الثابت فيمكن قياس عمر الصخور.
ويكون ذلك عند تساوي كميات المصدر والوليد 1:1 تعرف بأنه قد انقضى عمراً نصفياً واحداً وأن العينة عمرها واحد مليون سنة، وعندما تكون نسبة المصدر إلى الوليد تساوي 1:15 تعرف بأن عمر العينة 4 ملايين من السنين، ومن النظائر المشعة الكثيرة التي توجد في الطبيعة أثبتت 5 منها فعاليتها في معرفة الأعمار الإشعاعية للصخور القديمة، أما باقي العناصر فهي إما أن تكون نادرة جداً أو أن أعمارها النصفية أقصر أو أطول بكثير مما يمكن استعماله، ويستعمل الروبيديوم87 ونظيري اليورانيوم لتأريخ الصخور التي تتراوح أعمارها بملايين السنين فقط، أما البوتاسيوم40 فهو أكثر صلاحية للاستعمال.
وبالرغم من أن العمر النصفي للبوتاسيوم40 هو 1.3 بليون سنة فإن الطريقة التحليلية الأخيرة جعلت من الممكن احتساب كميات دقيقة من وليداته الثابتة وهي آرغون40 في صخور تبلغ أعمارها 50.000 سنة فقط، ولكي يتم تأريخ الأحداث الأقل عمراً، حيث تستعمل النظائر المشعة للكربون وهو كربون14 ويسمى أيضاً بالكربون المشع، حيث أن له عمراً نصفياً قدره 5730 سنة فقط، وبالإمكان استعماله لتأريخ الأحداث التي وقعت خلال التاريخ الماضي إضافة إلى تلك التي قعت في التاريخ الجيولوجي الحديث، وحتى أواخر السبعينات كان يستعمل الكربون المشع في تأريخ الحوادث التي يبلغ عمرها ما بين 40.000 إلى 50.000 سنة فقط وكما الحال بالنسبة للبوتاسيوم40.
كما أن تطور الوسائل التقنية التحليلة زاد من فعالية هذه الساعة، فالآن يمكن استعمال الكربون40 لتأريخ الأحداث التي يصل عمرها حتى 75.000 سنة، وهذا إنجاز قيّم حيث أنه يعني أن الجيولوجيين يستطيعون الآن تأريخ العديد من ظواهر العمر الجليدي التي تعذر تحديد أعمارها من قبل، ويتكون الكربون14 باستمرار من طبقات الجو العليا نتيجة لإاكسار نويات الغازات بواسطة قذائف الأشعة الكونية مطلقة بذلك النيوترونات.