دور الكيمياء الكونية والنيازك في ظهور الحياة

اقرأ في هذا المقال


ما هي الجزيئات الموجودة في الأحجار النيزكية؟

تعتبر الأحجار النيزكية الكوندريتية الكربونية وخاصة الأحجار النيزكية من نوع (CI1، CM2)، هي الأغنى في المادة العضوية التي تكون قابلة للذوبان وغير القابلة للذوبان، ومن أشهر التحديات التي نواجهها عند تحليل المكونات العضوية في الأحجار النيزكية هو ما تحتوي عليه من شوائب أرضية؛ وذلك بسبب انتشار الجزيئات العضوية في الغلاف الحيوي.
خلال عام 1969 وعند سقوط 100 كيلو غرام من الحجر النيزكي الكوندريتي الكربوني من نوع CM2 في مرشيسوت بأستراليا، أمكن من عمل تحاليل حرة إلى حد بعيد ومحفوظة من أي مصدر تلوث، ومن ناحية أخرى وبسبب كتلة هذه الصخور النيزكية العظيمة فإن تحليل الكسور الداخلية أصبح ممكناً (الكسور التي لم تلامس أي من تربة الأرض أو وسائل النقل)، وفي النهاية يجب التنويه إلى أن هذا النيزك قد سقط في حين كانت مختبرات العالم جميعها تتجهز لدراسة العينات القمرية، الأمر الذي سمح للمحللين من استعمال أحدث المعدات.
يوجد جزيئات معقدة تم إيجادها في مرشيسون، حيث أنها تعتبر مكونات ذات أهمية للغلاف الحيوي، على سبيل المثال كما هو الحال بالنسبة للأحماض الأمينية (التي تكون البروتينات) أو السكر (وهو جزيء ذو أهمية كبيرة في الحمض النووي الرسيبي من دون الأكسجين (الدنا).
كما أن تنوع الأحماض الأمينية التي تم العثور عليها في مرشيسون (74 نوعاً) يثبت نشأتها خارج الأرض، ولا سيما أن 20 نوع من الأحماض النووية هي فقط التي تدخل في تكوين البروتينات، كما أنه من الواضح أن الأحماض النووية التي توجد في الأحجار النيزكية تتميز بالشكل المُياسر (أحد أشكال الجزيئات العضوية المعقدة إما أن تكون شكل مياسر أو شكل ميامين) الفائض، هذا الأمر يوحي بامكانية طغيان الأشكال المياسرة على الجزيئات الحياتية في تعزيز اختلال التوازن القائم منذ ذلك الوقت في السلائف غير الحياتية.
تم تسمية الأحماض الأمينية وغيرها من الجزيئات ذات الدلالة الحياتية باسم اللبنات الأساسية للحياة، فمن المحتمل أن وصولها إلى الأرض على متن النيازك قد أذن ببدء التفاعلات الكيميائية التي كشفت أمور نشأة الحياة، كما أنه الذي يزيد وصولها أهمية هو ارتباط هذه الجزيئات في الأحجار النيزكية والأحجار النيزكية المجهرية بمعادن مثل معدن الغضار أو الكبريتيدات التي تعمل على تحفيز التفاعلات الكيميائية التي تنتج عن جزيئات ذات تعقيد كبير، وعلى الرغم من ذلك فإنه لا يوجد في الوقت الحالي أي دليل تجريبي أو نظري على هذا السيناريو.

ما هي أهمية الكيمياء الكونية في ظهور الحياة؟

لقد ظهرت الحياة وتطورت بشكلها الذي نعهده على كوكب محدد يدور حول نجم محدد، لذلك فإن فهم سر نشأة الحياة يعني أيضاً أن نفهم السياق الذي أتاح ظهور الحياة وتنوعها، وهذا يبدأ من تجمع السحابة الجزيئية (سلف المنظومة الشمسية) وصولاً إلى تكون كوكب أرضي ذو غلاف جوي ومحيطات محاط بعدد كبير جداً من الكواكب، كما أن دراسة الأحجار النيزكية مع فهم جانب الفيزياء الفلكية والجيولوجية وعلم حركة الأجسام السماوية تتسبب في الإلمام ببعض مكونات الإجابة عن الاستفسارات الكونية.
وكما نعلم بأن النيازك الكوندريتية تمكننا من فهم واستيضاح العمليات ذات الصلة بتشكيل الأنظمة الشمسية راسمة بذلك إطار فلكي لا غنى عنه عند عمل دراسات عن نشأة الحياة على الأرض، وبسبب اكتشاف كواكب جديدة بشكل متتابع حول نجوم أخرى غير الشمس (أي كواكب تقع خارج المنظومة الشمسية)، فأصبح من الضروري العمل على تعيين الظروف المحيطة بتخلق المنظومة الشمسية، أي تعين أنها ظروف عادية أم أن الأمر احتاج إلى ظروف خاصة لولادة النجوم والكواكب.
ومن هذا المنطلق فإن أمر تعيين منشأ العناصر المشعة الخامدة مثل عنصر AL26 يعتبر أمر ضروري، وهذا يعود إلى دور العنصر المحتمل (وهو مصدر للطاقة) في السماح لحدوث عملية التمايز والتطور الجيولوجي للكواكب الأرضية، حيث أننا لا ندرك ما إذا كان إطلاق هذا النظير المشع في المنظومة الشمسية الوليدة قد احتاج إلى حدث استثنائي، أم أن هذا العنصر موجود بوفرة كبيرة في أغلب المجموعات الشمسية.
كما أن الأحجار النيزكية تسمح لنا بالوقوف عند التطور الجيولوجي للأجسام السماوية الأعظم حجماً، فقد أصبح يتجلى لنا شيئاً فشيئاً الدور الكبير الذي لعبته في تاريخ الحياة تفاعلات المادة الحية والمعدنية، كما أنه من الضروري رد تاريخ الحياة إلى سياق وتاريخ تطور الأرض، فإن مفهوم الأرض الحية سيكون لها أهمية كبيرة خلال العقود القادمة.


شارك المقالة: