قصة اختراع جهاز الصندوق الأسود

اقرأ في هذا المقال


كيف بدأت فكرة التوصل لإنشاء جهاز الصندوق الأسود؟

كانت سلسلة من حوادث الاصطدام في السنوات الأولى لسفر الطائرات التجارية هي التي بدأت فكرة إنشاء جهاز تسجيل موثوق للغاية في الطائرات، في الواقع تُعد محادثات الطيارين مع بعضهم البعض، مع مراقبة الحركة الجوية كلها بيانات قيمة لأنّ 80 في المائة من حوادث الاصطدام تنطوي على عامل بشري. في عام 1949م أطلقت شركة الطيران في بريطانيا (De Havilland) طائرة (Comet) وهي أول طائرة ركاب نفاثة في العالم.

لكن تحطمت تلك الطائرة ممّا أدّى إلى مقتل 110 أشخاص. وكذلك تحطمت العديد من الطائرات على ارتفاعات شاهقة، ولم ينجُو أي أحد ولك يكن هناك شهود أو أدلة فورية على ما حدث، في عام 1954م بدأ التحقيق الأكثر شمولاً في حادث تحطم الطائرة، وكان لا بدّ من ابتكار جهاز يقوم بتسجيل الأصوات وتوفير المعلومات المهمة لمعرفة سبب وقوع الكوارث.

في غضون ذلك، عقدت وزارة الطيران المدني في أستراليا اجتماعًا للخبراء لمناقشة السبب المحتمل للحوادث، كان أحد هؤلاء الخبراء هو الدكتور (David Warren( وكان عمره فقط 28 سنة، وهو مختص في وقود الطائرات في مختبرات أبحاث الطيران التابعة للحكومة الفيدرالية (ARL) في ملبورن. أقرّ وارن بأنّ مشكلة حوادث تحطم الطائرات تكمن في وجود القليل جدًا من البيانات. وأقر بأهمية وجود جهاز يقوم بتسجيل الصوت على سلك من الفولاذ.

في الواقع كان يوجد مسجلات بيانات الرحلة في بعض طائرات الاختبار العسكرية. ولكن لم يتم استخدامها في الطائرات التجارية أو لأغراض التحقيق في حوادث التصادم على الإطلاق، بعد ذلك بفترة وجيزة، كتب وارن مذكرة إلى مديره يقترح فيها تطوير مسجل صوت، مشيرًا إلى أنه غالبًا ما يكون من الضروري استخدامه في الطائرات، كما أشار إلى أنه مع استمرار الطائرات في التحليق بشكل أعلى وأبعد، وبالتالي ستصبح حوادث الاصطدام أكثر شيوعًا والحاجة إلى فهم سبب حدوثها.

ما هي قصة اختراع جهاز الصندوق الأسود؟

تم إنشاء جهاز لا يقوم فقط بتسجيل بيانات رحلة الطائرة فحسب، بل يعمل على تسجيل الأصوات والبيانات المهمة في غرفة القيادة بالطائرة مباشرة قبل وقوع الحادث وذلك خلال سنة 1954م، ومن قبل المخترع العظيم (David Warren( لكن قوبل النموذج الأولي الذي صممه في أستراليا بعدم الاهتمام، لكن تم الإعجاب بهذا الاختراع في أماكن أخرى من العالم.

أبدى رؤساء (Warren( اهتمامًا محدودًا فقط، بحلول عام 1957م، كان لديه مدير جديد أكثر دعمًا والذي شجعه على كتابة ورقة مفصلة لتوزيعها بين سلطات الطيران في أستراليا. قام الجهاز بتسجيل أربع ساعات من البيانات المهمة وسجل ثماني قراءات أربع مرات في الثانية، على نفس السلك الفولاذي المتين. لقد تطلب القليل من الصيانة، وتم تشغيله وإيقافه تلقائيًا بمحركات الطائرة، يظن البعض أنّ لون صندوق تسجيل البيانات أسود لكن هو جهاز برتقالي يتكون من صندوق مستطيل.

أصبحت اهتمامات وارين تكمن في تثبيت مسجلات الطيران في جميع الطائرات الرئيسية وتناولت المخاوف المحتملة بشأن الوزن والحجم والتكلفة وخصوصية الطيار والصيانة. ومع ذلك فقد قوبلت بعدم الاهتمام، ثم أرسلها إلى المنظمات ذات الصلة في الخارج، كانت اللامبالاة المحلية ناتجة جزئيًا عن وجود عدد قليل نسبيًا من حوادث الطيران في أستراليا، والتصور بأن بريطانيا والولايات المتحدة كانتا مركزين للابتكار في مجال الطيران، وليس أستراليا.

في أوائل عام 1958م، قام السير روبرت هاردنغهام، سكرتير مجلس تسجيل الطيران البريطاني، بزيارة إلى (ARL) خلال الجولة، قدم كبير المشرفين على (ARL)، لورانس كومبس، هاردينجهام إلى وارين، لقد أعجب هاردينجهام بالمسجل ودعا وارين لإحضار الجهاز إلى المملكة المتحدة.

بدأت حركة لجعل تسجيلات الطيران إلزامية على جميع الطائرات المدنية البريطانية، زار وارن منظمات مماثلة في الولايات المتحدة، فيما بعد منحت (ARL) دعمها الكامل لوارن. تم تكليفه بفريق (Lane Sear و Ken Fraser و Walter Boswell) من قسم الأدوات، لتطوير نموذج أولي قياسي لمرحلة ما قبل الإنتاج والذي اكتمل في عام 1962، تم الآن تحسين تسجيلات الجهاز بشكل كبير، وزادت إلى 24 قراءة في الثانية. كما تم دمج علبة مقاومة للحريق والصدمات وجهاز فك تشفير أرضي.

في عام 1967م، أصبحت أستراليا أول دولة تجعل تثبيت كل من مسجلات البيانات والصوت إلزاميًا في الطائرات الكبرى، ومع ذلك، لم تتقدم (ARL) بطلب للحصول على براءات الاختراع إلا بعد فترة وجيزة، سمح ذلك للشركات في أماكن أخرى من العالم، لا سيما في الولايات المتحدة بتطوير الفكرة وبالتالي الاستحواذ على سوق متنامية حيث أصبح تركيب مسجلات الطيران أمرًا إلزاميًا في جميع أنحاء العالم، وقد ساهم الجهاز بشكل كبير في السلامة الجوية.


شارك المقالة: