قلم الرصاص ليس مخصص فقط للكتابة، إنّه أداة الرسم التي يستخدمها النجار والمهندس المعماري ورسام الكاريكاتير والرسام، استخدمنا أقلام الرصاص عندما تعلمنا الرياضيات في المدرسة الابتدائية، وتظل قطعة الخشب المليئة بالجرافيت هي التطبيق المفضل لأي شخص يحتاج إلى عمل علامة غير دائمة، إنّ عملية اكتشاف واختراع قلم الرصاص استمرت 500 عام، بدأ الأمر في ريف شمال إنجلترا، ولكن كان لراكب بالون من جيش نابليون بونابرت، وأحد أشهر فلاسفة أمريكا، وبعض أنجح العلماء والصناعيين في العالم، الدور الكبير في إنشاء وصقل هذا الاختراع المتواضع.
قبل القرن الخامس عشر الميلادي، كانت “أقلام الرصاص” تتكون من قضيب رفيع مكون من رصاص ناعم، وكان يستخدمه الفنانون في الغالب، تأتي كلمة قلم الرصاص من الكلمة اللاتينية “Penicillus” والتي تعني “الذيل الصغير”، وقد استخدمها الرومان القدماء كأداة للكتابة، تم تحليل الجرافيت (المسمّى على اسم الكلمة اليونانية التي تعني “الكتابة”).
ما هي قصة اختراع قلم الرصاص؟
في وقت ما من القرن السادس عشر، سقطت شجرة في بوروديل بإنجلترا، تحت تلك الشجرة كانت طبقة صخرية نارية ذات عروق بارزة من مادة ذات مظهر معدني رمادي غامق، لاحظ السكان المحليون بأنّه يشبه الرصاص تمامًا لكن هذا لم يكن معدنًا، كان كربون نقي كان الجرافيت، تم اختراع قلم الرصاص “الرصاص” (الذي لا يحتوي على الرصاص) في عام 1564م، عندما تم اكتشاف منجم ضخم من الجرافيت (الكربون الأسود) في بورودال، كمبريا، إنجلترا.
كانت الكيمياء مجالًا علميًا حديثًا في القرن الخامس عشر الميلادي، لذلك لم يكن بإمكان السكان المحليين معرفة ما وجدوه بالضبط، لقد لاحظوا حقيقة واحدة مهمة حول المادة الجديدة وهي أنّ الجرافيت صنع علامة على الورق أغمق من الرصاص، الذي استخدم في الأقلام منذ العصر الروماني، لذلك أطلقوا عليه الرصاص الأسود، يقوم الإنجليز بتقطيع الجرافيت إلى قطع ووضعها في عصي يمكن استخدامها في الكتابة، قاموا بلف العصي بورق أو خيط وباعوها في الشارع هذه الأداة الجديدة كانت تسمّى قلم الرصاص.
نُشر الجرافيت النقي إلى صفائح ثم قُطِعَ إلى قضبان مربعة، تم إدخال قضبان الجرافيت في حوامل خشبية منحوتة يدويًا، لتشكيل أقلام الرصاص في ذلك الوقت كان يسّمى الجرافيت المكتشف حديثًا الرصاص الأسود أو “plumbago”، من الكلمة اللاتينية لخام الرصاص ولم يكن معروفًا في ذلك الوقت، يتكون الجرافيت من الكربون وليس الرصاص، لا شيء كان مثل قلم الرصاص، كان جافًا تمامًا وكان قابل للمسح، على الرغم من أنّ المحايات المطاطية الوردية التي نعرفها اليوم لم تكن مثبتة على أقلام الرصاص حتى عام 1858م، فقد اكتشف الناس قبل ذلك بوقت طويل أنّه يمكنك فرك علامات قلم الرصاص بفتات الخبز.
يُعتقد أنّه في القرن السابع عشر، ابتكر عامل الأخشاب في كيسويك بإنجلترا فكرة وضع الرصاص الأسود في الخشب، تم تقطيع عصا خشبية مستطيلة من المنتصف بالطول، ثم تم قطع أخدود في أحد النصفين لإفساح المجال لعصا رفيعة من الرصاص الأسود، تم لصق القطع الثلاث، الرصاص الأسود ونصفي الخشب، مع الرصاص الأسود بالداخل، وكانت النتيجة أداة كتابة مستطيلة وأول أقلام رصاص خشبية في العالم كان الخشب أكثر صلابة من الورق أو الخيط، والذي كان يحتاج إلى فكه مع تآكل الرصاص الأسود.
بعد وقت قصير من اكتشاف الرصاص الأسود، ارتفعت قيمة الرصاص الأسود فقد تم استخدامه كعنصر في صنع قذائف المدفعية أيضًا، أرادت الحكومة الإنجليزية الحصول على الأرباح بحيث سيطرت على مستودع الرصاص الأسود في (Borrowdale) وأقامت مناجمًا حول المدينة؛ تم تفتيش العمال في نهاية كل يوم لمنع المبيعات غير المشروعة بحلول عام 1752م، أصدرت الحكومة قانونًا يعلن سرقة الرصاص الأسود جريمة، تم العثور على رواسب الرصاص الأسود لاحقًا في أماكن أخرى حول أوروبا، لكن المناجم الإنجليزية أنتجت أصعب وأحلك رصاص أسود في العالم.
كانت جودتها عالية جدًا لدرجة أنّ إنجلترا أصبحت أكبر منتج للقلم الرصاص والجرافيت، بذلت الحكومة جهودًا صارمة للحفاظ على إمداداتها من الرصاص الأسود، حيث قامت بالتعدين لمدة ستة أسابيع تقريبًا كل خمس سنوات لتجنب استخراج الكثير من المواد الثمينة، بحلول أواخر القرن الثامن عشر الميلادي تم استخدام قلم السبائك الرصاص القديم، بخلاف القلم الذي تم تعليقه بسبب مميزاته على القلم الرصاص في الأناقة والثبات، أصبح الرصاص الأسود أداة الكتابة المفضلة.
احتكر الإنجليز إنتاج أقلام الرصاص نظرًا لعدم وجود مناجم جرافيت نقية أخرى معروفة ولم يجد أحد حتى الآن طريقة لصنع عصي الجرافيت، صنع الألمان أعواد الجرافيت (مصنوعة من مسحوق الجرافيت)، لكنها كانت غير عملية، في عام 1795م حصل نيكولاس جاك كونتي (ضابط فرنسي في جيش نابليون) على براءة اختراع في الطريقة الحديثة لإطلاق الجرافيت المسحوق بالفرن مع الطين لصنع قضبان الجرافيت من أقلام الرصاص، من خلال تغيير نسبة الجرافيت إلى الطين، ويمكن أن تختلف صلابة الجرافيت أيضًا.
التطورات في صناعة قلم الرصاص
تضاءل عهد إنجلترا كأكبر دولة منتجة قلم رصاص في تسعينيات القرن التاسع عشر، كانت مناجم بوروديل تنفد من الجرافيت، خاضت البلاد حربًا مع فرنسا عام 1793م، هذا الصراع كان تمهيدًا للحروب النابليونية، من شأنه أن يغير خريطة العالم، ولكن ليس قبل أن يهز صناعة القلم الرصاص، فرضت إنجلترا حظراً على فرنسا، التي كانت أحد المستوردين الرئيسيين لأقلام الرصاص الإنجليزية، في حين أنّه قد يكون منطقيًا عسكريًا، إلّا أنّ الحظر كان له آثار جانبية سيئة على التجارة في إنجلترا، عانت فرنسا فجأة من نقص في أقلام الرصاص والجرافيت.
وبعد عام من اندلاع الحرب، كلف وزير الحرب الفرنسي لازار كارنو العالم والقائد العسكري نيكولاس جاك كونتي بإيجاد حل، نقش نيكولاس جاك كونتي مكتبة الكونغرس الأمريكية في ذلك الوقت، كان كونتي يعمل على الاستخدامات العسكرية لمنطاد الهواء الساخن المبتكر حديثًا، وهو جهد كلفه عينه اليسرى عندما أسفرت تجربة بالون عن انفجار، اضطر كونتي إلى دفع مشروع البالون جانبًا لإيجاد طريقة جديدة لصنع أقلام الرصاص، وهذا يعني إما إيجاد بديل للجرافيت أو الخروج بمزيج مناسب من الجرافيت ومادة أخرى، تقول القصة أنّ المخترع كونتي استغرق بضعة أيام للتوصل إلى إجابة.
يحتوي خليط كونتي على مكونين رئيسيين، الجرافيت المطحون والطين، خلط الاثنين بالماء وتركهما يتماسكان في قوالب مستطيلة، لاحظ كونتي أنّه يستطيع التلاعب بالرصاص من خلال تغيير كمية الطين المستخدمة، صنع المزيد من الصلصال للحصول على رصاص أكثر صلابة وعلامة أخف على الورق، قلة الطين تعني رصاصًا أكثر نعومة وعلامة أغمق، لتغليف الرصاص بالخشب قطع كونتي أخدودًا من عصا خشبية كاملة، بدلاً من قطع العصا أولاً إلى النصف كما فعل الإنجليز، تم لصق الرصاص بالقلم الرصاص في الأخدود، ولصق قطعة أخرى من الخشب أعلى الرصاص.
حصل قلم كونتي على براءة اختراع في عام 1795م، بينما كانت أقلام الرصاص المصنوعة من الجرافيت النقي في إنجلترا لا تزال شائعة، أصبحت أقلام الرصاص من كونتي التصميم المثالي للمصنعين لمحاكاته بحلول منتصف القرن التاسع عشر، أصبح هذا الاختراع الذي دفعته الضرورة طريقة سهلة لإنشاء أقلام الرصاص المتخصصة للكتاب والفنانين الذين أرادوا درجات مختلفة من الرصاص، وما زلنا نستخدم فكرة خليط الجرافيت والطين من شركة كونتي اليوم.
أقلام الرصاص الحديثة
في الواقع، كان صانعو الأقلام يصنعون “حوامل الرصاص”، وهي إصدارات مبكرة من أقلام الرصاص الميكانيكية، لعدة قرون كانت حوامل الرصاص هذه مصنوعة من المعدن وأحيانًا الفضةوالذهب، على هذا النحو، كان يُنظر إليهم على أنّهم زينة خلال القرن التاسع عشر، ولكن جعل الوزن من الصعب استخدامها، لذلك لم تصبح أقلام الرصاص الميكانيكية المصنوعة من المعدن الثمين شائعة جدًا، في عام 1915م، اخترع عامل المعادن الياباني توكوجي هاياكاوا قلم الرصاص الميكانيكي، كان قلم الرصاص الميكانيكي رفيعًا مثل قلم الرصاص الخشبي العادي وكان الرصاص مناسبًا للداخل وبكمية معقولة.
الاختراع الآخر الذي شكل قلم الرصاص اليوم حدث في الطرف الآخر من الأداة، قبل عقدين من قيام كونتي بتطوير مزيج الرصاص بالقلم الرصاص، لاحظ الوزير الإنجليزي ومكتشف الأكسجين جوزيف بريستلي أنّ المطاط الطبيعي يمكن أن يلتقط جزيئات الجرافيت عند فركه على الورق، وكان أفضل في استخدامه من طريقة فتات الخبز القديمة، نظرًا لأنّه يفرك علامات قلم الرصاص على الأوراق، أطلق بريستلي على أداة المسح الخاصة به اسم “المطاط”، والذي يظل المصطلح الشائع للممحاة في المملكة المتحدة.
كان عامل قرطاسية من فيلادلفيا يُدعى (Hymen Lipman) هو أول شخص يلصق قطعة صغيرة من المطاط بنهاية قلم رصاص، في عام 1858م حصل على براءة اختراع للتصميم، ولكن في عام 1875م قضت المحاكم بعدم صلاحيته، كان المنطق هو أنّ قلم الرصاص والممحاة لا يحتاجان إلى إرفاق حتى يتم استخدامهما، ولكن مع خروج براءة اختراع عن الطريق، أصبح إرفاق المحايات بأقلام الرصاص أحدث صيحة في مجال صناعة الأقلام الرصاص الأمريكية، كانت معظم أقلام الرصاص الأمريكية تحتوي على محايات وردية أو حمراء في الخلف بحلول عشرينيات القرن الماضي وهي مصنوعة من الفينيل وهو نوع من أنواع البلاستيك.