تشوهات القشرة الأرضيىة (مبادئ التكتونيك):
لا تشغل المواد المؤلفة للقشرة الأرضية إلا فيما ندر الحيز الذي كان لها حين تشكّلت، وهناك أمر يعتبر كملاحظة جارية هو رؤية رسوبيات من أصل بحري، لا شك فيه أنها تغطي اليوم مساحات قارية واسعة، بحيث تُشكل فيها سلاسل جبال برمتها، والطبقات التي لن تحتفظ أبداً بأفقيتها الأصلية تبدو على العكس منتصبة ملتوية ومصدعة، إذاً لقد قامت حركات الأرض المتفاوتة في عنفها بإنهاضها بعد توضعها وفرضت عليها هذه الحادثات المختلفة.
والقيام بدراسة هذه الحادثات معناه دراسة التكتونيك، وهي عبارة مأخوذة من كلمة يونانية تعني هندسة، فالتكتونيك هو إذاً هندسة الليتوسفير وأصبحت هذه الدراسة ممكنة بفضل الحت الذي نقّش وجه الأرض بعمق وأيضاً بفضل الأشغال التي تمت على يد الإنسان (مناجم، مقالع، خنادق، أنفاق، بالإضافة إلى آبار وأعمال سبر)، ونستخلص من هذه الدراسة أن جميع التخلعات الملحوظة يمكن ردها إلى نموذجين أساسيين هما الإلتواءات (الطيات) والفوالق أيضاً (الصدوع).
إن الطيات تؤلف المناطق الملتوية أي السلاسل الجبلية وتنتج على العموم من فعل القوى الأفقية أو المماسية، أما الصدوع فتشكل المناطق المصدّعة أو المائدية والتي لم تتدخل فيها سوى القوى الشاقولية (العمودية)، ولكن يبدو أن القوى المماسية هي السائدة وبمجرد توقفها عن التأثير تتدخل حينئذ القوى الشاقولية؛ لأنه يحدث نوع من تراخٍ ينتاب الكتل المعدنية التي لا تستدعيها حينذاك سوى الثقالة.
ولم تمر هذه التشوهات الشديدة دون أن ينعكس صداها على البنية الحميمة للصخور التي كثيراً ما تبدو متأثرة بحادثات صغيرة تنمو بشكلٍ مصغر عن التخلعات الكبرى (التكتونيك المجهري)، أو التي يمنحها طابعاً خاصاً وشاملاً (فصمات وشيستوية)، كما أننا رأينا أن معطيات التكتونيك لعبت دوراً هاماً وكبيراً في التراكيب الطبقية، وبالعكس يجب على التكتونيك في كل لحظة أن يستعين بأنوار الطبقية لتحديد علاقات التأريخ بالنسبة للطبقات المتخلعة، هذا ولا تكون معرفة بنية ما تحت الأرض بأقل أهمية بالنسبة للمهندس الذي يستغل منجماً أو الذي يشيد أبنية فنية كبرى.
وتؤلف دراسة أشكال الإلتواءات والتصدعات وعلاقاتها علم التكتونيك الخاص أو التحليلي، وبدرجة أعلى من ذلك يحاول علم التكتونيك العام التعرف على الهندسة الإجمالية وتطور السلاسل الجبلية والقوانين الكبرى التي هيمنت على تشكلها، وأخيراً أصل القوى التي أنتجت هذه الظاهرات الجبارة.