اقرأ في هذا المقال
ما هو نطاق علم الفلك؟
يعرف علم الفلك بأنه العلم الذي يشمل دراسة جميع الكائنات والظواهر خارج كوكب الأرض، حتى اختراع التلسكوب واكتشاف قوانين الحركة والجاذبية في القرن السابع عشر، وكان علم الفلك مهتماً في المقام الأول بملاحظة وتوقع مواقع الشمس والقمر والكواكب وذلك في الأصل لأغراض التقويم والتنجيم ولاحقاً للملاحة والاستخدامات والاهتمامات العلمية.
إن كتالوج الأجسام المدروسة الآن أوسع بكثير ويتضمن على ترتيب زيادة المسافة والنظام الشمسي والنجوم التي تشكل مجرة درب التبانة وغيرها من المجرات البعيدة، ومع ظهور مجسات الفضاء العلمية أصبحت الأرض أيضاً تُدرس كواحد من الكواكب على الرغم من أن تحقيقاتها الأكثر تفصيلاً لا تزال مجال علوم الأرض.
منذ أواخر القرن التاسع عشر توسع علم الفلك ليشمل الفيزياء الفلكية وتطبيق المعرفة الفيزيائية والكيميائية لفهم طبيعة الأجرام السماوية والعمليات الفيزيائية التي تتحكم في تكوينها وتطورها وانبعاثها، بالإضافة إلى ذلك أصبحت الغازات وجسيمات الغبار حول النجوم وفيما بينها موضوعاً للكثير من الأبحاث.
أظهرت دراسة التفاعلات النووية التي توفر الطاقة التي تشعها النجوم كيف يمكن اشتقاق تنوع الذرات الموجودة في الطبيعة بعد الدقائق القليلة الأولى من وجوده؟ حيث يتكون فقط من الهيدروجين والهيليوم وأثر من الليثيوم، ويهتم علم الكونيات بالظواهر على نطاق واسع وهو دراسة تطور الكون، ولقد حولت الفيزياء الفلكية علم الكون من نشاط تخميني بحت إلى علم حديث قادر على التنبؤات التي يمكن اختبارها.
وعلى الرغم من التطورات العظيمة التي حققتها لا يزال علم الفلك خاضعًا لقيود رئيسية وهي: أنه بطبيعته علم قائم على الملاحظة وليس علماً تجريبياً، ويجب إجراء جميع القياسات تقريباً على مسافات بعيدة من الأشياء محل الاهتمام مع عدم التحكم في الكميات مثل درجة الحرارة أو الضغط أو التركيب الكيميائي، وهناك بعض الاستثناءات القليلة لهذا القيد وهي النيازك (معظمها من حزام الكويكبات على الرغم من أن بعضها من القمر أو المريخ) وعينات الصخور والتربة التي تم إحضارها من القمر وعينات من غبار المذنبات والكويكبات.
والكويكبات المقصود بها هي تلك التي تم إرجاعها بواسطة المركبات الفضائية الروبوتية وجسيمات الغبار بين الكواكب المتجمعة في طبقة الستراتوسفير أو فوقها، ويمكن فحصها بتقنيات معملية لتوفير المعلومات التي لا يمكن الحصول عليها بأي طريقة أخرى، أما في المستقبل قد تعيد البعثات الفضائية مواد سطحية من المريخ أو أجسام أخرى، ولكن يبدو أن الكثير من علم الفلك يقتصر على الملاحظات الأرضية المعززة من خلال الملاحظات من الأقمار الصناعية التي تدور حول الفضاء والمسارات الفضائية بعيدة المدى وتكملها النظرية.
كيف يتم تحديد المسافات الفلكية؟
تعد مهمة تحديد المسافات الفلكية مهمة مركزية في علم الفلك، فبدون معرفة المسافات الفلكية لن يبقى حجم الجسم المرصود في الفضاء أكثر من قطر زاوي، ولا يمكن تحويل سطوع النجم إلى قوته المشعة الحقيقية أو لمعانه، وقد بدأ قياس المسافة الفلكية بمعرفة قطر الأرض مما وفر قاعدة للتثليث، وداخل النظام الشمسي الداخلي يمكن الآن تحديد بعض المسافات بشكل أفضل من خلال توقيت انعكاسات الرادار أو في حالة القمر من خلال تحديد المدى بالليزر، وبالنسبة للكواكب الخارجية لا يزال التثليث مستخدماً.
أما خارج النظام الشمسي يتم تحديد المسافات إلى أقرب النجوم من خلال التثليث، حيث يكون قطر مدار الأرض بمثابة خط الأساس والتحولات في اختلاف المنظر النجمي هي الكميات المقاسة، ويتم التعبير عن المسافات النجمية بشكل شائع من قبل علماء الفلك في الفرسخ (كمبيوتر) أو كيلوبارسك أو ميجا فرسخ، (1 قطعة = 3.086 × 1018 سم أو حوالي 3.26 سنة ضوئية أي 1.92 × 1013 ميل).
يمكن قياس المسافات إلى حوالي كيلوبارسك بواسطة اختلاف المنظر المثلثي، إن دقة القياسات التي تم إجراؤها من سطح الأرض محدودة بتأثيرات الغلاف الجوي، ولكن القياسات التي تم إجراؤها من القمر الصناعي (Hipparcos) في التسعينيات وسعت النطاق ليشمل النجوم حتى 650 فرسخ فلكي بدقة تبلغ حوالي جزء من الألف من الثانية القوسية، ومن المتوقع أن يقيس القمر الصناعي (Gaia) النجوم على بعد 10 كيلو فرسك بدقة تصل إلى 20 بالمائة، ويجب استخدام القياسات الأقل مباشرة مع النجوم البعيدة والمجرات.
تم وصف طريقتين عامتين لتحديد مسافات المجرة، ففي البداية يتم استخدام نوع من النجوم يمكن التعرف عليه بوضوح كمعيار مرجعي؛ لأن لمعانه تم تحديده جيداً، ويتطلب هذا مراقبة مثل هذه النجوم القريبة بدرجة كافية من الأرض، بحيث تم قياس مسافاتها وإضائتها بشكل موثوق، كما يُطلق على هذا النجم اسم شمعة قياسية، ومن الأمثلة على ذلك متغيرات (Cepheid) التي يختلف سطوعها بشكل دوري بطرق موثقة جيداً، وأنواع معينة من انفجارات المستعر الأعظم التي لها تألق هائل، وبالتالي يمكن رؤيتها على مسافات بعيدة جداً.
وبمجرد معايرة لمعان هذه الشموع القياسية الأقرب يمكن حساب المسافة إلى شمعة قياسية أبعد من لمعانها المعاير وكثافتها الفعلية المقاسة، (ترتبط الشدة المقاسة (I) بالسطوع (L) والمسافة (d) بالصيغة I = L/4πd2)، ويمكن تحديد الشمعة القياسية عن طريق طيفها أو نمط الاختلافات المنتظمة في السطوع، (قد يلزم إجراء تصحيحات لامتصاص ضوء النجوم بواسطة الغاز بين النجمي والغبار على مسافات كبيرة)، تشكل هذه الطريقة أساس قياسات المسافات إلى أقرب المجرات.
تستفيد الطريقة الثانية لقياسات المسافة بين المجرات من ملاحظة أن المسافات إلى المجرات ترتبط عموماً بالسرعة التي تنحسر بها تلك المجرات عن الأرض (كما هو محدد من انزياح دوبلر في الأطوال الموجية لضوءها المنبعث)، ويتم التعبير عن هذا الارتباط في قانون هابل وهو: السرعة = H × المسافة حيث يشير (H) إلى ثابت هابل، والذي يجب تحديده من خلال ملاحظات معدل انحسار المجرات.
هناك اتفاق واسع النطاق على أن (H) تقع بين 67 و 73 كيلو متر في الثانية لكل ميجا فرسخ (كيلومتر لكل ثانية لكل Mpc)، وقد تم استخدام (H) لتحديد المسافات إلى المجرات البعيدة التي لم يتم العثور على شموع قياسية فيها.
آلية دراسة النظام الشمسي الفلكي:
تشكل النظام الشمسي قبل 4.57 مليار سنة عندما تكثف داخل سحابة كبيرة من الغاز والغبار، تجذب الجاذبية الكواكب في مداراتها الإهليلجية حول الشمس، وبالإضافة إلى الأرض عُرفت خمسة كواكب رئيسية (عطارد والزهرة والمريخ والمشتري وزحل) منذ العصور القديمة.
منذ ذلك الحين تم اكتشاف اثنين فقط وهما: أورانوس بالصدفة في عام 1781 ونبتون في عام 1846 بعد بحث متعمد يتبع تنبؤاً نظرياً بناءً على المخالفات المرصودة في مدار أورانوس، واكتُشف بلوتو عام 1930 بعد البحث عن كوكب يُتوقع أن يقع خلف نبتون وكان يُعتبر كوكباً رئيسياً حتى عام 2006 عندما أعاد الاتحاد الفلكي الدولي تسميته كوكب قزم.
يوفر متوسط المسافة بين الأرض والشمس، والذي حدد في الأصل الوحدة الفلكية (AU) مقياساً مناسباً للمسافات داخل النظام الشمسي، وتم تعريف الوحدة الفلكية في الأصل من خلال ملاحظات متوسط نصف قطر مدار الأرض ولكن يتم تعريفها الآن على أنها 149،597،870.7 كيلو متر (حوالي 93 مليون ميل)، وكوكب عطارد عند 0.4 وحدة فلكية هو أقرب كوكب إلى الشمس بينما نبتون عند 30.1 وحدة فلكية هو الأبعد.
مدار بلوتو، بمتوسط نصف قطر يبلغ 39.5 وحدة فلكية يكون غريب الأطوار بدرجة كافية بحيث يكون في بعض الأحيان أقرب إلى الشمس من نبتون، وتقع جميع مستويات مدارات الكواكب ضمن درجات قليلة من مسير الشمس، وهو المستوى الذي يحتوي على مدار الأرض حول الشمس، كما يُرى من بعيد فوق القطب الشمالي للأرض تتحرك جميع الكواكب في نفس الاتجاه (عكس اتجاه عقارب الساعة) في مداراتها.
تتركز معظم كتلة النظام الشمسي في الشمس، حيث تبلغ 1.99 × 1033 جراماً، ويبلغ حجم جميع الكواكب معاً 2.7 × 1030 جراماً (أي حوالي واحد في الألف من كتلة الشمس)، ويشكل كوكب المشتري وحده 71 بالمائة من هذه الكمية، كما يحتوي النظام الشمسي أيضاً على خمسة أجسام معروفة ذات حجم متوسط مصنفة على أنها كواكب قزمة وعدد كبير جداً من الأجسام الأصغر كثيراً، والتي تسمى مجتمعة الأجسام الصغيرة.
الأجسام الصغيرة بالترتيب التقريبي لحجمها المتناقص هي الكويكبات أو الكواكب الصغيرة والمذنبات بما في ذلك أجسام سحابة (Kuiper Belt) أو (Centaur و Oort) والنيازك وجزيئات الغبار بين الكواكب، ونظراً لمظهرها الشبيه بالنجوم عند اكتشافها كان يُطلق على أكبر هذه الأجسام اسم الكويكبات ويستخدم هذا الاسم على نطاق واسع، ولكن الآن بعد أن تم فهم الطبيعة الصخرية لهذه الأجسام أصبح اسمها الوصفي هو الكواكب الصغيرة.
تظهر أسطح الكواكب الأرضية والعديد من الأقمار الصناعية حفراً واسعة النطاق ناتجة عن تأثيرات عالية السرعة على الأرض، ومع الكميات الكبيرة من الماء والغلاف الجوي النشط تآكل العديد من آثار الأقدام الكونية هذه، لكن بقايا الحفر الكبيرة جداً يمكن رؤيتها في الصور الجوية والمركبات الفضائية لسطح الأرض، وعلى عطارد والمريخ والقمر ترك غياب الماء، وأي غلاف جوي مهم الحفر دون تغيير لمليارات السنين بصرف النظر عن الاضطرابات الناتجة عن التأثيرات اللاحقة غير المتكررة.
كان النشاط البركاني قوة مهمة في تشكيل أسطح القمر والكواكب الأرضية، وتم رصد النشاط الزلزالي على القمر عن طريق مقاييس الزلازل التي تركها رواد فضاء أبولو والمركبات الآلية (Lunokhod) الروبوتية على سطحه.