اقرأ في هذا المقال
- الإدارة الأمريكية والجنائية الدولية
- المنظور الأمريكي للجنائية الدولية
- مبررات وإجراءات المناهضة الأمريكية للجنائية الدولية
الإدارة الأمريكية والجنائية الدولية:
إن السعي لمنع تمرير المعاهدات الدولية هو أحد الخصائص والثوابت التي اتبعتها الحكومات الأمريكية المتعاقبة، بغض النظر عن الحزب السياسي لحاكم البيت الأبيض، فهذا عمل في إطار القانون الدولي. ومعارضة النظام القانوني الدولي على الساحة الدولية وتعديله وفق الرؤية المتغطرسة للولايات المتحدة بما يصون مصالحها الشخصية.
وتحاول الولايات المتحدة القيام بهذا التصرف المتعالي في مفاوضات تأسيس المحكمة الجنائية الدولية، سواء كانت محاولة لوضع نظام أساسي يمكنها من ضبط قرارات المحكمة وتعزيز سيطرتها على تلك القرارات، إلا أن مساعيها باءت بالفشل ونتيجة لذلك وبعد أن خالف النظام القضائي طموحه وتوجهه واعتمد نظام المحاكم، شنّت حملة عدائية ضد المحكمة قوضت وظيفة المحكمة وخاصة وظيفة المواطنين.
المنظور الأمريكي للجنائية الدولية:
فـي عام 2002، أرسل جون بولتون مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون رصد التسلح والأمن الدولي في ذلك الوقت رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنـان، يقول له فيهـا (أن الولايـات المتحدة الأميركية لا نية لديها لتكون طرفا في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدوليـة المصادق عليه في 17 يوليو 1998). وعلى هذا الأساس فإن الولايات المتحدة ليس لديها أي موجب قانوني ناشئ عن توقيعها في 31 ديسمبر 2000.
ولقد كانت تبرير الولايات المتحدة الأمريكية تتمحور باستمرار في كون النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية يشكل تناقض مباشرً للأمن القومي الأمريكي والمصالح الدولية، حيث أعلنت الولايات المتحدة حُكماً واستنادًا إلى ذلك أن وجود هذه المحكمة لها حصيلة غير متوافق عليها في السيادة الوطنية الأمريكية الأساسية لفكرة الاستقلال الوطني.
على سبيل المثال، تعارض الولايات المتحدة أيضًا البند الوارد في مشروع القرار الذي يقضي بإجراء المدعين العامين تحقيقات تلقائية في الأعمال الإجرامية التي تدخل في اختصاص المحكمة وتعارض ديفيد شيفر، الممثل الأمريكي والمسؤول الأمريكي في مؤتمر روما، حيث أكدت وزارة الخارجية لجرائم الحرب رفض بلاده إنشاء وكالة مستقلة للنيابة العامة ورأت أن الغرض من إنشاء محكمة، لم يكن إنشاء مدعٍ متحرك لحقوق الإنسان يكون له الحق في توجيه اتهامات جنائية وفقًا لرغباته.
مبررات وإجراءات المناهضة الأمريكية للجنائية الدولية:
يمكن أن نجد سبباً لهذا التردد؛ بسبب أن الولايات المتحدة الأمريكية تخشى أن تشكل المحكمة تهديداً لمصالحها الاستراتيجية العالمية وأن تصبح أداة سياسية ضد تصرفات جنودها المنتشرة حول العالم. وتضمن الهيمنة العالمية تفردها وتحافظ على توازن القوى داخل الأمم المتحدة، ممّا يترجم إلى هذا التفرد. ومن المفارقات أن الكونجرس الأمريكي والحكومة الأمريكية يدعمان إنشاء محكمة دولية لمحاكمة المجرمين في يوغوسلافيا ورواندا.
وترجع ممانعة الولايات المتحدة الأمريكية لتأسيس المحكمة إلى مبتغاها في استثناء المواطنين الأمريكيين من الخضوع للولاية القضائية لمحكمة جنائية دولية، تنظر في جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وغيرها من الجرائم التي تم ذكرها في نظام روما الأساسي واتفاقيات جنيف وغيرهما؛ وذلك بسبب ضمان الحصانة من الجزاء لفائدة مواطنيها العاملين في دول أخرى من خلال تحفظاتها، بما يخص ممارسة المحكمة الدولية وظائفها على المواطنين الأمريكيين.
وأظهرت أمريكيا تفسيراً وتوضيحاً بعدة مبررات لمنازعاتها للمحكمة، ومنها ما يلي:
- الحاجة الى الحماية المنصوص عليها في نصوص الدستور الأمريكي للمواطنين الأمريكيين.
- أنها تحد من إقدامها على التدخل العسكري.
علماً بأن في عهد الرئيس ترامب أعلن عفواً عن قوات كانت تتقاضى في الولايات المتحدة بتهم افتعال جرائم حرب في أفغانستان، حيث أكد التحقيق الأولي للمحكمة الدولية، بأن جميع أشكال الجرائم ضد المدنيين واحتجازات وإعدامات خارج إطار القضاء قد اقترفت ومع وجود مبدأ للاعتقاد بأن الجيش الأمريكي قام بالتعذيب في أماكن اعتقالات سرية تترأسها وكالة الاستخبارات المركزية. وذلك بالشراكة مع الحكومة الأفغانية التي مارست التعذيب بحق عدد من السجناء.
وهذه الممانعة تبيّن مدى تجاهل الولايات المتحدة الأمريكية تماماً لمبدأ قانوني ظاهر بمبدأ الاختصاص الذي يمنح الدولة الحق في ممارسة وظيفتها الجنائية على جميع الجرائم الواقعة على إقليمها، فإذا ارتكب المواطن الأمريكي جريمة على أراضي دولة أخرى يكون لهذه الدولة الحق في مقاضاته أو تسليمه إلى أي دولة أخرى انعقد لها الاختصاص، بالإضافة الى أن لها الحق أيضاً في تسليمه إلى المحكمة الجنائية الدولية كامتداد للاختصاص الجنائي الوطني للدول الأعضاء بالمحكمة.