الدعوى الإدارية بالنسبة لكل من المحكمة والفقه والدولة
موقف الفقه: وجدنا أن معظم الفقهاء الإداريين لم يحددوا تعريف المنازعات الإدارية التي ينتج عنها رفع دعوى إدارية، بل تعاملوا معها فقط بدراسة معايير تحديد اختصاص الأجهزة القضائية مقسومة على عدة مواضيع إدارية. أي أنه يعبر هنا عن المبادئ المنصوص عليها في المادة 70 من قانون الإجراءات المدنية. ومع ذلك، فهو يرى المعيار العضوي كأساس لتحديد النزاعات الإدارية، لكنه يضيف أنه لا يمكن حذف المعيار المادي؛ لأن ميزته هي الأكثر احتمالية للحصول على تعويض كامل وعادل عن الضرر الناجم ونشاط إداري ضار من اختصاص قضائي عادي.
موقف المشرع: وجدنا أن بعض المشرعين الإداريين في الدولة ومنهم المشرع الجزائري لم يحدد الخلافات الإدارية، ووجدنا أنه اعتمد على معايير أساسية ثابتة وهو ما يتجلى في نص المادة 7في البند رقم 1، والتي تنص على: الدولة أو المؤسسة العامة للجهة الإدارية في الطبيعة تعتبر كطرف.
وجدنا أيضًا أن المادة 90 من القانون الأساسي رقم 98 بند رقم 3 المتعلق بمجلس الدولة تنص على اختصاص القرارات الأولية والنهائية، أي أن إلغاء القرارات الصادرة عن الهيئات الإدارية المركزية والمؤسسات العامة للدولة ومهنيي الدولة. ويعتبر الموظفون العموميون المذكورون في المادتين الأوليين منازعات إدارية ويخضعون لولاية المحكمة الإدارية.
يمكن ملاحظة أن المشرعين استخدموا أيضًا معايير مادية. وعلى سبيل المثال، نجد أحكام المادتين 55 و 56 القانون رقم 88 بند1 المؤرخ 12 كانون الثاني (يناير) سنة 1988، والمتضمن قانون توجيه المؤسسات الاقتصادية العامة والمادة 56 الذي نص على أن: “المؤسسات الاقتصادية العامة القادرة قانونا على ممارسة السلطات العامة، والحصول على التراخيص وغيرها من العقود الإدارية باسم الدولة، للدولة وتحديد كيفية وشروط ممارسة صلاحياتها، مثل تلك المتعلقة بها المراقبة، حيث تستند إلى القوانين القائمة. وموضوع النظام الذي يهم إعداد اللوائح، النزاعات هي منازعات تتعلق بهذا المجال من القواعد المطبقة على الإدارة.
تنص المادة 55 على “تتمتع المؤسسات الاقتصادية المملوكة ملكية عامة بأهلية تشغيل المباني العامة أو جزء من الأملاك العامة وفقاً للقانون وفي هذه الحالة تدار وفقاً لعقد الامتياز الإداري والأحكام العامة والدولة المتنازع عليها. والممتلكات المملوكة المتعلقة بالملحق ذات طبيعة إدارية”.
موقف القضاء: نجد أن المحكمة العليا، في قرارها الصادر في 23 يناير لسنة 1970 في قضية ضد التعاونية الجزائرية للتأمين التربوي والثقافي، طبقت صراحة المعيار الأساسي لتعريف النزاعات الإدارية، معلنة أن: (بسبب استبدال المادة 70 من قانون الإجراءات المدنية المعايير المادية القديمة القائمة على طبيعة النشاط الإداري قيد الدراسة بمعايير عضوية، ولم تعد تأخذ في الاعتبار خصائص الشخص المعني فقط وحقيقة أن الشخص الاعتباري الإداري يجب أن يكون طرفًا في القضية كافية للقاضي الذي يتخذ قرارًا بشأن مسألة إدارية ليتم اعتباره مختصًا، بغض النظر عن طبيعة القضية.
وفي قرارها نشر في 1995/4/30 قضية بئر الجير ضد شركة أخرى منافسه لها، ذُكر أن لم يفحص جميع جوانب الالتماس؛ لأنه وفقًا للقرار 405/90 المؤرخ 22 كانون الأول/ ديسمبر لعام 1990، وفقًا لأحكام الأمر التنفيذي رقم 1، تعتبر الوكالة وكالة محلية لإدارة العقارات والإشراف عليها وهي وكالة عامة ذات طبيعة صناعية وتجارية. وعليه، وبحسب قانون الإجراءات المدنية رقم 70 فإن هناك منازعات مع هذه المؤسسات، وليس للقاضي الإداري صلاحية سماعها وبالتالي فإن ادعاء المستأنف بعدم اختصاص القاضي الإداري هو أمر صحيح.
كاستثناء على ما سبق، نجد أنه في الحكم الصادر في 3 أغسطس 1980، في قضية شركة (Simpek) ضد إدارة الحبوب الحكومية، نعتقد أن المحكمة العليا أعطت النزاع طابعًا إداريًا على أساس المعايير المادية، حتى على الرغم من أن الأطراف لم تكن أطرافًا في المادة 70 من قانون الإجراءات. المادة 271 من قانون الإجراءات المدنية، التي تنص على أن القرار التنفيذي للمحكمة العليا، باعتباره المستوى الأول والأخير، يشرع في إجراءات الإلغاء ضد القرارات التنظيمية أو الفردية المتخذة من قبل الأجهزة الإدارية.
من الصعب تحديد التعريف المفاهيمي للنزاعات الإدارية والتمييز عن النزاعات العادية بمعيار واحد، لذلك عند تحديد الولاية القضائية الإدارية، يجب تنسيق جميع المعايير لتحديد الولاية القضائية الشاملة والهيئات القضائية العادية. وغير أن المشرعين الجزائريين يعتمدون على المعيار الأساسي الذي يجسده نص المادة 70 من قانون الإجراءات المدنية وكذلك المعيار الموضوعي والمصلحة، الذي يظهر في شكل نص قانوني منفصل، حيث يشير إلى أنه يخالف المبادئ العامة للمعيار الموضوعي.