تسوية المنازعات بين الدول:
عرّفت محكمة العدل الدولية الدائمة الصراع الدولي بأنه صراع بين دولتين على آراء قانونية أو عملية أو تناقض أو معارضة للمطالبات أو المصالح القانونية أو العملية. وتتشابه أسباب النزاعات الدولية تقريبًا مع أسباب النزاعات الفردية، على الرغم من أن النتائج الأولية أكثر خطورة ولها تأثير أعمق. بالإضافة إلى الاختلافات البسيطة وسوء التفاهم الذي قد يكون موجودًا بين دولتين أو أكثر على المدى القصير أو الطويل، هناك أيضًا مشاكل يمكن أن تسبب التوتر والاحتكاك بين الدول وتعرض السلم والأمن الدوليين للخطر، أو على الأقل تعكر صفو السلام والاضطراب في العلاقات الدولية.
وفي الماضي أدت مثل هذه الحالات إلى الحروب والدمار. ومع ذلك، فإن العصر الذي نعيش فيه، عصر الذرات والأسلحة الفتاكة، أجبر الدول على تجنب إنهاء الصراع. إذا لم يتم حل النزاع، فقد تقطع الدول المتصارعة علاقاتها الدبلوماسية أو الاقتصادية بشكل نهائي. فعالم اليوم هو عالم من التكامل والتعاون في جميع المجالات ولا يمكن لدولة، بغض النظر عن ثروتها أو قوتها أو استقرارها، أن تتمتع بالاكتفاء الذاتي.
فإن العلاقة السيئة بين البلدين لا تؤثر فقط على مصالحهما، بل تؤثر أيضًا على مصالح مجموعة من الدول. وعندما يتسبب الصراع بين قوتين عظميين في حدوث مضاعفات كبيره تؤثر على البشرية جمعاء. ولذلك، انطلاقًا من مصالح المجتمع الدولي، فإن الدول المتنازعة لديها طريقة سلمية لحل نزاعاتها القائمة للأطراف المتنازعة بأسرع ما يمكن وبصورة مرضية، ومن ثم فإن حل النزاعات الدولية هو أحدها.
وتم الاعتراف بحلول النزاعات الدولية في مؤتمرات لاهاي في عامي 1899 و1907. وهناك العديد من هذه الحلول السياسية الودية وبعضها أكثر شعبية من الحلول القضائية وذلك لسببين:
- أولاً: يمكن تطبيقها على جميع أنواع النزاعات.
- ثانيًا: لأنها لا تسبب عدم الرضا.
وردًا على ذلك، قد ينجح الحل السياسي في القضاء مؤقتًا على سوء التفاهم بين الدول. وعادة ما تقوم على الإضرار بحقوق أحد الأطراف المعنية وتخرج عن مبادئ العدالة والإنصاف التي يتبعها كل نظام قانوني. وليس ذلك فحسب، بل قد يتسبب أيضًا في أن تكون النزاعات المستقبلية أكثر خطورة من النزاعات التي يتم حلّها من خلال المفاوضات السياسية.
تسوية المنازعات بين الدول بالطرق السلمية:
- التفاوض المباشر: وهي أسهل الطرق التي تتوجه إليها الدول لفض نزاعاتها، حيث تتم عادة على يد ممثلي الدول المتنازعة الذين يجرون فيما بينهم مناقشات، بقصد تبادل الرأي في القضية المتنازع فيها وتبادل وجهات النظر فيها بقصد الوصول إلى نتيجة لفض هذا النزاع، بحيث تكون نتيجة مرضية للجهتين. والتفاوض قد يكون شفوي يجري في الاجتماعات أو قد يكون خطي يتجلى في تبادل أوراق وكتب وصكوك.
- المساعي الحميدة: يعني إذا فشلت بَلدان في الوصول إلى نتيجة لفض نزاعهما، قد تقوم دولة ثالثة بالتدخل السلمي لمساعدتهما على حلّ النزاع. فالمساعي الحميدة تعني أن تقوم بلد لا علاقة لها بالخلاف القائم، التدخل من تلقاء نفسها بذكاء بين الدولتين لمساعدتهما على إنهاء الخلاف.
- الوساطة: هي مساعٍ حميدة تحتوي على عنصراً جديداً هو اشتراك دولة ثالثة في التفاوض المباشر بين الدولتين المتنازعة وقيامه بضبط الارتباط بينها. والوساطة هي ان تقوم دولة ما بالتدخل بهدف الإصلاح بينهم، كما أنه يجوز أن يقوم الطرفان المتنازعان باستدعاء وسيطاً في حال استحال النزاع بينهما.
- التحقيق: يقوم التحقيق بهدف تحديد الأحداث المادية والنقاط المتنازع عليها تاركاً للدول المتنازعة استخلاص المحصلة التي تنشأ عنه إما بشكل مباشرة، ويكون ذلك عن طريق التفاوض، أو بشكل غير مباشر، أي عن طريق التحكيم. لكن التحقيق ازدهر وتقدّم في ظل المنظمتين العالميتين (عصبة الأمم ومنظمة الأمم المتحدة) فأصبح من الطرق السلمية التي كثيراً ما يلجأ إليها تمهيداً لفض النزاعات الدولية.
- التوفيق أو المصالحة: هذه وسيلة حديثة العهد قياساً في الوسائل السابقة المعروفة لفض النزاعات السياسية بالأساليب السلمية، إذ لم تنص عليها معاهدتا لاهاي ولم يدخل حيز القانون الدولي إلا عام 1919 حين بدأ بتكرار ذكره في العديد من الوثائق الدولية وكانت كل واحدة منها تتفنن في وضع صيغة خاصة له.
ومن الأمثلة على التوفيق اللجنة التي وضعتها الجمعية العامة للأمم المتحدة لفلسطين، وللكونغو لعام 1960. وقد نصت اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات مادة 166 على إحالة النزاعات الحاصلة عن تنفيذها على لجان توفيق الذي نظمها الملحق الخاص بها، لكن النص حتى اليوم حبراً على الورق.