ما هي الشروط الموضوعية للمعاهدات الدولية؟

اقرأ في هذا المقال


من أجل إبرام المعاهدة بشكل سليم وصحيح، يجب استيفاء الشروط الشكلية والشروط الموضوعية للمعاهدة، فلا تصح المعاهدة إلا بتوفر شروطها. فالشروط الشكلية هي: (المفاوضة والكتابة وتوقيعها وتصديقها وتسجيلها لدى الأمانة العامة للمنظمة الدولية)، أما الشروط الموضوعية والتي تتعلق بموضوع المعاهدة، هذه الشروط تتمثل بما يلي (الأهلية، مشروعية محل المعاهدة، سلامة الرضا من عيوب الرضا)، والشروط الموضوعية هذا ما يتم توضيحة فيما يلي:

الشروط الموضوعية للمعاهدات الدولية:

أولا: الأهلية القانونية:

إن إبرام معاهدة ما هو إلا مظهر من مظاهر سيادة دولة ما، ومن ثم تتمتع الدولة بالسيادة الكاملة والأهلية القانونية اللازمة لإبرام المعاهدات المختلفة. أما الدول التي تفتقر إلى السيادة، أي تلك التي تحكمها علاقة تبعية مع الدولة المسؤولة عن إدارة شؤونها الخارجية، وقدراتها غير مكتملة بطبيعة الحال ولا يمكنها إبرام أي معاهدات دولية، لأن الإجراء سيكون ضمن اختصاص الدولة التي لها ولاية عليها. وبالمثل، لا يجوز لدولة في حالة حياد دائم استخلاص استنتاجات من معاهدة لا تتوافق مع دولتها المحايدة، كما لو كانت قد أبرمت معاهدة تتعلق بتحالف عسكري أو معاهدة تجارية أو معاهدة تعاون مشترك مع دول أخرى في حالة حرب.

ثانيا: مشروعية محل المعاهدة:

في هذه الشرط، يجب أن يكون موضوع المعاهدة قانونيًا ويمكن التحقق منه، وليس للدولة الحق في التوقيع على المعاهدة وموضوعها ينتهك القواعد القانونية الإلزامية للقواعد الدولية. لأن ذلك سيجعلها غير صالحة، وهذا ما جاءت به المادة 53 من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات (تعتبر المعاهدة باطلة بطلانًا مطلقًا اذا كانت وقت إبرامها تتعارض مع قاعدة آمرة من قواعد القانون الدولي العامة) يعني ذلك إذا كانت المعاهدة تتعارض مع القواعد الإلزامية للقانون الدولي العام عند إبرامها، فإن المعاهدة تعتبر باطلة تمامًا.

تعتبر القاعدة الدولية قاعدة آمرة، إذا قَبِل المجتمع الدولي واعتقد أن القاعدة الدولية هي قاعدة لا يمكن انتهاكها ولا يمكن تغييرها إلا إذا بقاعدة آمرة من القانون الدولي العام لها نفس الخصائص، فإنها تعتبر أيضًا قاعدة إلزامية. ومثال على قاعدة آمرة، حظر تجارة الرقيق الأبيض أو الأسود أو تجارة المخدرات فهيه قاعدة إلزامية لا يجوز انتهاكها.

ولا يقتصر هذا الوضع على القواعد الدولية الإلزامية، بل أيضاً على القواعد العامة للقانون الدولي، فلا يكون موضوع المعاهدة مخالفًا لها أيضًا، وكأن دولتين اتفقتا سرًا على مهاجمة دولة ثالثة، أو اتفقت دولتان على استغلال أسرى الحرب وتشغيلهم في الصناعة لديها.

لذلك، تؤكد الأمم المتحدة على أن هذه الالتزامات يجب أن تعتبر باطلة وفقًا لأحكام ميثاق الأمم المتحدة، خاصة إذا كانت هذه الالتزامات تتعارض مع أحكام الميثاق، حيث تنص المادة 103 من ميثاق الأمم المتحدة على (إذا تعارضت الإلتزامات التي يرتبط بها أعضاء الأمم المتحدة وفقًا لهذا الميثاق مع أي إلتزام آخر يرتبطون به فالعبرة بإلتزاماتهم المترتبة على هذا الميثاق).

ويجب أن يكون الغرض من المعاهدة قابلاً للتحقق، لأن الدولة لا يمكنها إبرام معاهدة غير قانونية ولا يمكنها فرض وضعها تمامًا كما يتفق دولتان على تنفيذ معاهدة يتعارض موضوعها مع الآداب العامة والأخلاق، أو يتفق البلدان على أن الدولة الأولى ستتخلى عن الاستعمار للدولة الثانية التي ليس لها حقوق فيها.

ثالثا: سلامة الرضا:

أن تكون المعاهدة سليمة وخالية من عيوب الرضا، وعيوب الرضا هي (الغلط والغش والتدليس والأكراه) وفيما يلي توضيح كل عيب:

أولا: الغلط:

يؤثر الغلط في فهم تصوّر حقيقة معينة، على موافقة أحد الأطراف على الالتزام بالمعاهدة، وضرورة الاتفاق على خرق المعاهدة.

وهناك نوعان من الغلط، وهما: (الغلط الواقعي والغلط القانوني)، أما الغلط الواقعي: فهو خطأ أساسي يتعلق بوجود حقيقة معينة ومحددة عند إبرام المعاهدة أعتقدت الدولة بوجودها عند إبرام المعاهدة، وهو السبب الأساسي لموافقتة الدولة على الالتزام بالمعاهدة. الغلط القانوني: هو خطأ بسيط لن يؤدي إلى إبطال المعاهدة، لأنه خطأ في صياغة نص المعاهدة، لذلك لن يؤثر على صياغة نص المعاهدة، وبالتالي لن يؤثر على صحة المعاهدة. وبدلاً من ذلك، تم تصحيح الأخطاء عن طريق تحرير النص المصحح للمعاهدة.

ثانيا : الغش والتدليس:

نطاق الاحتيال أوسع من الغلط، لأنه يزيد من مسؤولية الدولة التي تلجأ إلى الخداع. والغرض من ذلك هو جعل الطرف الآخر ينضم إلى المعاهدة لفهم شيء آخر غير معناه الفعلي (الاحتيال)، ثم قبول المعاهدة بناءً على هذا الفهم الخاطئ.

فهو لا يبطل المعاهدة كالخطأ، بل على العكس يعطي الدولة التي تقع ضحية الاحتيال الحق في المطالبة بإلغاء الأحكام المعيبة بسبب الاحتيال. خلاف ذلك، سيصبح هذا سبب المنازاعات الدولية وبالتالي يصبح ترتيبًا دوليًا للمسؤولية عن مثل هذه الأعمال الدولية غير القانونية. من الأمثلة على الاحتيال في المعاملات الدولية ما قامت به إيطاليا ضد الحبشة في معاهدة أوتشياري في عام 1899.

ثالثا : الإكراه:

وهذا نوع من الضغط الذي يمارس على الإنسان فيبعث في نفسه الخوف والرهبة مما يجعله يتعاقد، وهذا الإكراه ينقض الإرادة ويبطلها، والإكراه له نوعان: (إكراه لممثلي الدولة وإكراه على الدولة نفسها).

أولا: الإكراه الواقع على ممثل الدولة :

تنص المادة 51 من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات على هذا النوع من الإكراه، فعندما تقرر المعاهدة أن المعاهدة صدرت بالقوة أو بالتهديد لإكراه ممثل الدولة، فإن المعاهدة ستبطل المعاهدة ولن ترتب لصالح الدولة أي شيء لها.

وهناك العديد من الأمثلة في هذا الصدد، بما في ذلك “مؤتمر مدريد” لعام 1526. يعرف التاريخ الحديث أن العديد من المعاهدات أبرمت تحت الإكراه. في عام 1905، أبرمت اليابان وكوريا الشمالية معاهدة وضعت كوريا الشمالية تحت الحماية اليابانية، ووقعت المعاهدة بعد احتلال اليابان لقصر الإمبراطور، وسجنته مع وزيره لمدة عشر ساعات وهددتهم بالقتل. وفي عام 1939، أجبر هتلر الرئيس السابق هاشا لجمهورية تشيكوسلوفاكيا على توقيع معاهدة تحمي بموجبها ألمانيا أراضي بوهيميا ومورافيا.

ثانيا: الإكراه الواقع على الدولة ذاتها:

قد تحتل الدولة دولة أخرى وتبرم معاهدة بالقوة للتنازل عن أراضيها أو الموافقة على احتلالها. على سبيل المثال، ما فعلته اليابان عندما أبرمت معاهدة مع الصين بعد احتلالها مقاطعة شاندونغ في عام 1915. وهددت الصين بالقيام باحتلال كل الأراضي في الصين إذا لم توقع في غضون 48 ساعة.

وينطبق الشيء نفسه على المعاهدات التي أبرمت بين الولايات المتحدة الأمريكية والعراق بعد احتلال العراق عام 2003، لأنها باطلة تمامًا؛ كما تنص المادة 52 من اتفاقية فيينا على مثل هذا الإكراه. حيث نصت على أنه إذا حدث إكراه على الدولة نفسها في شكل استخدام القوة ضد الدولة أو التهديد باستخدام الأسلحة في انتهاك لمبادئ القانون الدولي المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة، فإن المعاهدة التي أبرمت بمثل هذا الإكراه تعتبر باطلة بطلان تام.

ومع ذلك، هناك حالة واحدة فقط لا يُعتبر فيها الإكراه سببًا لبطل المعاهدة، وهذا هو الحال بالنسبة لمعاهدة السلام المبرمة بين المهزوم والمنتصر، لأن العمل الدولي يعتبر معاهدة فعّالة لضمان استقرار المعاملات والالتزامات الدولية.


شارك المقالة: