ما هي مصادر القانون الدولي الإنساني؟

اقرأ في هذا المقال


ظهر القانون الإنساني المعاصر. مع إبرام اتفاقية جنيف الأولى في عام 1864، وقد تطور القانون ليصل الى الاستجابة للحاجة للحد من آفة الحرب المتزايدة؛ بسبب تطور تكنولوجيا الأسلحة والطبيعة المتغيرة للنزاعات المسلحة، وفي كثير من الحالات، لم يتم اتخاذ هذه التطورات إلا بعد وقوع الأحداث الضرورية والمطلوبة.

تعريف القانون الدولي الإنساني:

القانون الدولي الإنساني: هو مجموعة من القواعد العرفية والمكتوبة التي يتمثل هدفها الأساسي في حماية الأشخاص الذين لا علاقة لهم بالحرب أو الذين تركوا الحرب. وكذلك الأموال والمواد والأماكن التي لا ترتبط مباشرة بالعملية العسكرية في النزاع المسلح.

أما مصدر القانون، فهو المصدر والأساس الذي ينبثق منه القانون عن قواعده ولوائحه، أو وسيلة إنتاج الأساس القانوني، أو مصدر القوة الملزمة للقواعد. وتحديد مصدر القواعد القانونية الدولية، وهو ما يعني تحديد نموذج رسمي يمكن للقضاة من خلاله استخلاص الأحكام المنطبقة على النزاع أو إظهار دليل على ضرورة القواعد الدولية.

مصادر القانون الدولي الإنساني:

أن مصادر القانون الدولي الإنساني هي ذات المصادر المنصوص عليها في المادة 38 من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية، وتنقسم مصادر القانون الدولي الإنساني الى مصادر إلزامية ومصادر غير إلزامية.

  • المصادر الإلزامية تتمثل بما يلي: (بالعرف الدولي، المعاهدات الدولية والاتفاقات، المبادئ العامة للقانون).
  • أما المصادر غير الإلزامية فتتمثل بما يلي: (قضاء المحاكم واجتهادها، الفقه الدولي،قواعد العدل والأنصاف).

المصادر الإلزامية للقانون الدولي الإنساني:

العرف الدولي:

يشكل العرف في القانون الإنساني الدولي. مصدر مهم. ويعتبر المصدر الأول للقانون الدولي الإنساني، حيث يتألف القانون الدولي العرفي من قواعد غير مكتوبة، مشتقة من الممارسات العامة التي تم قبولها باعتبارها تشكل قوانين لإنشاء القواعد الدولية العرفية.

يمثل القانون الدولي العرفي البداية الحقيقية لقواعد القانون الدولي، لأنه من الناحية المادية والمعنوية، فإن طريقة تشكيله تستغرق وقتًا طويلاً، ممّا يوفر لأعضاء المجتمع الدولي فرصة لتكوين معتقداتهم الخاصة ويؤمنون إيمانًا راسخًا بضرورة الالتزام بأحكامه.

هناك عنصرين لمصدر العرف: الأول عنصر جوهري (موضوعي). ويتم ذلك من خلال تكرار الأعمال في الدولة، والعنصر الثاني عنصر ذاتي، أي الاعتقاد بأن مثل هذه الأعمال تعتمد على التزامات قانونية وملزمة للدولة، بغض النظر عما إذا كانت تشارك في تشكيلها، والدولة التي تأسست فيها.

أما طريقة إثبات وجود العرف، بالإضافة إلى النظر إلى حقيقة أن الاتفاقية قد تتضمن قواعد دولية في بعض أو معظم قواعدها، ولكن أيضًا النظر في سلوك الدولة في الحروب والنزاعات المسلحة. وهنا تكون قواعد هذه الاتفاقيات، وخاصة قواعد الاتفاقيات العرفية، ملزمة حتى للدول غير الأطراف في الاتفاقية، والسبب هو أن كل أو بعض قواعد الاتفاقية هي تقنين للمعايير الدولية الحالية.

المعاهدات الدولية:

يتم تنظيم الحرب بعدد كبير من القواعد للحد من تأثيرها، ورغم أن هذه القواعد تختلف أحيانًا في التفاصيل أو العادات، إلا أنها يتم تدوينها فيما بعد في شكل اتفاقيات ومعاهدات دولية عامة. وتقنينها وإدخال المستجدات والتعديلات. وقد أبرم الزعيم الإسباني اتفاقية ثنائية مع الجانب الآخر للحرب تضمنت أحكامًا تتعلق بعلاج الجرحى والمرضى ومعاملة الأطباء والممرضين والجراحين الذين يعتنون بجرحى الحرب.

بعد دخول العالم منتصف القرن التاسع عشر، وخاصة حتى عام 1864،تم قبول تاريخ أول اتفاقية دولية متعددة الأطراف لحماية ضحايا الحرب (خاصة المرضى والجرحى) وتم الاتفاق على تمثيل القانون الدولي الإنساني في المجتمع الدولي.

المبادئ العامة للقانون:

تحملت الدول العديد من الالتزامات التي تخلق مجموعة من المبادئ القانونية التي يقوم عليها القانون الدولي الإنساني. يُستدل على بعض هذه المبادئ من خلفية النصوص القانونية لأنها تعبر عن جوهر القانون، بينما يرد البعض الآخر بوضوح في الاتفاقيات الدولية. وأخرى مشتق من الأعراف الدولية.

هذه المبادئ، كما وصفها جان بيكتيه، هي الهيكل العظمي لجسم الإنسان الحي، وهي تتولى مهمة صياغة مبادئ توجيهية في ظل ظروف غير محددة، وهي ملخص للقانون الدولي الإنساني الذي يسهل نشره. ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن هذه المبادئ التي يقوم عليها القانون الدولي الإنساني تنقسم إلى قسمين رئيسيين هما:

القسم الأول: فيما يتعلق بمفردات قانون الحرب (معاهدة لاهاي) والقانون الدولي لحماية ضحايا النزاعات المسلحة (اتفاقية جنيف وبروتوكولاتها التكميلية)، حيث تتعلق هذه الجوانب بحماية النزاعات المسلحة ومعاملة ضحايا الحرب، وتزويدهم بالخدمات الطبية والإنسانية وضمان احترام كرامتهم، وتتميز هذه القواعد بالمبادئ القانونية العامة المطبقة على جميع النظم القانونية المحلية والدولية بما في ذلك أنظمة القانون الدولي الإنساني.

ومن بين هذه المبادئ القانونية العامة:

  • مبدأ حسن النية.
  • مبدأ العقد شريعة المتعاقدين.
  • مبدأ التعويض عن الأضرار.

حيث ينبغي للدول أن تفي بالتزاماتها الدولية بحسن نية، بما في ذلك الالتزامات المنصوص عليها في القانون الإنساني. ففي حال خالفت أحكام قانون النزاعات المسلحة، فتلتزم بدفع تعويضات، كما أنها تشكل انتهاكًا لهذا القانون من قبل المنتمين إلى قواتها المسلحة، ولا تتحمل أي مسؤولية عن هذه الانتهاكات.

القسم الثاني: حيث تتداخل القواعد الإنسانية مع مختلف فروع القانون الدولي العام، مثل تحديد السيطرة على الأعمال العدائية، وحظر وتقييد وسائل وأساليب الحرب بطريقة إنسانية، وضبط سلوك المقاتلين، وتحديد حقوق والتزامات أطراف النزاع لضمان حماية المدنيين وغير المقاتلين والأعيان المدنية من الضرر الناجم عن أي أعمال عدائية.

أما قضايا الضمان الاجتماعي والجرائم ضد الإنسانية. تهدف هذه المبادئ بشكل خاص إلى قانون النزاعات المسلحة (القانون الدولي الإنساني) الذي لا ينطبق إلا أثناء النزاع المسلح. وتتمثل الميزة في أنها مستقرة وثابتة في الاتفاقيات والأعراف الدولية. لذلك، من حيث تعبيرها عن القوانين والاتفاقيات والقواعد العرفية، فهي لا تعتبر مصدرا مستقلا من مصادر القانون الدولي الإنساني، وتنبع التزاماتها من تطبيق النص القانوني المنصوص عليه فيه، ومن هذه المبادئ مبدأ الضرورة العسكرية.

المصادر غير الإلزامية للقانون الدولي الإنساني:

الفقه الدولي:

يمكن لآراء وأعمال كبار علماء القانون الدولي الإنساني أن تكشف عن الثغرات والعيوب في الاتفاقيات ذات الصلة، وتلفت انتباه الدول إليها، وتحثها على تبنيها في الاتفاقيات الدولية، مما يشكل مصدرًا بديلًا للقانون الدولي الإنساني.
ومن عادة الفقهاء دراسة القانون وشرح غموضه وتفسير نصه والرجوع إلى تطوره التاريخي والرجوع إلى الفقه والتطبيقات المتعلقة به، وهذا ما دفع الدولة والحكومة إلى تبني وجهات نظرها. قد تتصرف دول أخرى في هذا الاتجاه مما يؤدي إلى التكرار، ويصبح هذا التكرار عادة، وتصبح العادة قاعدة قانون، وبعد أن يشعر الأفراد بمدى إلزاميتها.

المباديء القانونية المستمدة من قضاء المحاكم:

قضاء المحاكم يعني: الجهاز القضائي للمحكمة وسوابقه هو سلسلة من الأحكام والأوامر الصادرة عن الجهات القضائية الدولية التي لها صلاحية الحكم في الجرائم الدولية. لذلك، يمكننا النظر في القرارات التي اتخذت منذ محاكمة الحرب العالمية الأولى، وخاصة الغيمة السوداء لمحاكمة الإمبراطور الألماني، وهي المحاولة الأولى لرئيس دولة حديث. ومثلت محاكمة نورمبرج عام 1945 محاكمة الحرب العالمية الثانية، والتي تضمنت محاكمة مجرمي الحرب من دول المحور الأوروبي والميثاق المرفق للأمم المتحدة.

وكذلك أصدرت محكمة طوكيو عام 1946 محاكمة خاصة لمجرمي الحرب في الشرق الأقصى. بالإضافة الى قرارات المحكمة الجنائية الدولية المنشأة بموجب قرارات مجلس الأمن وفق الصلاحيات التي يخولها مجلس الأمن بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.  وكل من محكمة يوغسلافيا، محكمة رواندا، هذا لمحاكمة الأشخاص الذين ارتكبوا انتهاكات خطيرة لقواعد القانون الإنساني الدولي والإبادة الجماعية في يوغوسلافيا السابقة ورواندا.

تعتبر قرارات محكمة العدل الدولية في مجال القانون الإنساني الدولي سوابق قضائية. سواء في نطاق إنفاذ ولايتها القضائية، في الحكم الصادر في عام 1986، بشأن الأنشطة العسكرية وشبه العسكرية في دولة نيكاراغوا ودولة الضد.

حيث تؤكد المحكمة من خلالها على الطبيعة العرفية لاتفاقيات القانون الدولي الإنساني أو ضمن اختصاصنا الاستشاري، لا سيما في الرأي الاستشاري الصادر عام 1996. بشأن “قانونية التهديد باستخدام أو استخدام الأسلحة النووية” ، أكدت المحكمة في البيان أن اللجوء إلى استخدام الأسلحة النووية مسموح به في حالة الدفاع عن النفس؛ كما أكدت القواعد الإلزامية والعرفية للقانون الدولي الإنساني.

قواعد العادلة والإنصاف:

يختلف مفهوم العدالة والإنصاف من وقت لآخر في مجتمع وآخر، لذا فإن عدالة مجتمع ما قد لا تكون هي نفسها في مجتمع آخر، وما كان يعتبر عدالة في الماضي قد يكون مختلفًا في الحاضر، لكن العدالة الحالية قد يكون مختلفا في المستقبل. وهذا يجعل مفهوم العدالة مفهوم المرونة والنسبية، المستخرج من التفكير العقلاني والمنطقي، وذلك لتحقيق التوازن بين المصالح المختلفة للأشخاص الاعتباريين.

تعتبر قواعد العدل والإنصاف مصدر الإجماع والتوافق، ممّا يعني أنه لا يمكن استخدامها كمصدر للقانون الدولي ما لم يتفق أطراف النزاع على تطبيق قواعد العدالة والإنصاف.


شارك المقالة: