التوزيع السنوي للتساقط:
التوزيع السنوي للتساقط في العالم لا يخرج مطلقاً عن العوامل المؤثرة في توزيعه وتوضح التوزيع الجغرافي السنوي للتساقط، فيتّضح منها أن عامل الضغط هو العامل الأهم في التوزيع، فمناطق خط الاستواء ذات الضغط الواطئ تسجل أعلى كميات للتساقط كما في أمريكا الجنوبية وأفريقيا، حيث أن المناطق المدارية الموجودة في وسط وغرب القارات تسجل أوطئ كميات الأمطار الساقطة، كما في الصحراء الكبرى وصحراء الجزيرة العربية وأستراليا.
كما يظهر أثر التيارات البحرية بوضوح، فشرق أسيا المدارية (سواحل الصين، وجنوب شرق أسيا) غزيرة الأمطار بسبب قربها من تيار دافئ، بينما سواحل المغرب والصحراء المغربية في أفريقيا قليلة الأمطار بسبب التيار البارد. كما يغزر التساقط في أوربا الغربية وغرب كندا بسبب التيار الدافئ، بينما يقل التساقط في شرق أسيا وشرق كندا بسبب التيار البارد. ويظهر على الخريطة التي توضح التسقط أثر الارتفاع من خلال غزارة التساقط فوق السلاسل الجبلية للألب والأطلس والهملايا والروكي والأنديز وجبال شرق أستراليا. أمَّا البُعد عن المسطحات المائية فيظهر أثره في وسط أسيا والجزيرة العربية والصحراء الكبرى ووسط كندا وأستراليا.
ويجب أن نضع هذه العوامل بالاعتبار عندما نريد تفسيراً لتوزيع الأمطار في العالم، كما نرى أن أعلى أمطار تسقط في خط الاستواء وخاصة السواحل الغربية كما في أمريكا الجنوبية وجزء من شمال أمريكا الجنوبية وأمريكا الوسطى ووسط أفريقيا وساحلها الغربي وجزر إندونيسيا وجنوب شرق أسيا. وتتراوح أمطار هذه المناطق بين 2000 – 4000 ملم. وبالاتجاه نحو المناطق المدارية تقل الأمطار وتتحول إلى قطرات مطر لا تزيد عن 500 ملم؛ ممَّا يجعل المناخ الصحراوي هو السائد.
وتظهر الصحاري وسط وغرب القارات حول كل من مدار السرطان ومدار الجدي، كما في الصحراء الكبرى في أفريقيا وصحراء الجزيرة العربية وامتدادها في صحراء لوط في إيران وصحراء ثار بين الهند وباكستان. وتظهر في نطاق ضيق في غرب الولايات المتحدة الأمريكية في صحراء أريزونا وصحراء سنوريا في المكسيك. أمَّا في النصف الجنوبي، فأكبر امتداد صحراوي هو في وسط وغرب أستراليا وكذلك صحراء كلهاري في أفريقيا وصحراء بيرو الساحلية في أمريكا الجنوبية.
أمَّا في العروض الوسطى فوق المدارية أي بين دائرتي عرض 40- 60 درجة، فنرى غزارة التساقط في غرب القارات كما في غرب أوربا وغرب كندا وجنوب غرب أمريكا الجنوبية. بينما يقل التساقط في شرق أسيا وأمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية، فقد تصل أمطار هذه المناطق إلى 2000 ملم ولكنها بصورة عامة تزيد عن 1000 ملم. أمَّا في المناطق القطبية فارتفاع الضغط وانخفاض الحرارة يؤديان إلى تناقص كبير في سقوط الثلوج؛ ممَّا يجعل التساقط بحدود 10- 20 ملم سنوياً.
كما أن التضاريس تؤثرعلى الأمطار وارتطام الهواء بالتضاريس يؤدي إلى رفعها؛ ممَّا يساعد في ذلك على خفض درجة حرارتها، فإذا كان الهواء رطب فإن بخار الماء الموجود فيه يتكاثف ويساعد ذلك على التساقط. وبذلك فإن التساقط في المناطق الجبلية هو أغزر من التساقط على المناطق المجاورة لها، كما يمكن للجبال أن تكون مناطق لظل المطر، حيث أن السفوح المعاكسة لهبوب الرياح غالباً ما تكون في مناطق ظل المطر؛ أي أن الأمطار الساقطة عليها تكون قليلة.
والمقصود بالمرتفعات هنا هي السلاسل الجبلية الكبيرة الحجم والهضاب المرتفعة ذات التأثير على المُناخ، فالجبال المنفردة أو حتى السلاسل الجبلية ذات الارتفاع أقل من 1800 متر لا تدخل ضمن هذه المعالجة، حيث أن السلاسل الجبلية ضمن هذا الارتفاع ليس لها تأثير على الأمطار يؤدي إلى تغيير في كميتها وجعله مختلفاً عن أمطار المنطقة المجاورة. ولذلك تظهر الجبال غير المرتفعة في الخريطة ضمن مناطق الأمطار للإقليم. والتساقط على الجبال يختلف عن التساقط على المناطق السهلية المجاورة.
فإن تسلق الهواء الجبال يعمل على تبريده، حيث يؤدي إلى تكاثف بخار الماء فيه؛ ممَّا يؤدي إلى تنشيط التساقط. وزيادة التساقط بالارتفاع ليس له قاعدة معينة؛ وذلك لأنه يعتمد على توفر بخار الماء في الهواء. ويمكن القول أن التساقط يزداد بالارتفاع ولكن إلى ارتفاع معين حيث تقل قدرة الهواء على الاحتفاظ بالرطوبة، كلما انخفضت درجة حرارته، بذلك يبدأ عندها التساقط بالتناقص بالارتفاع. وتكفي الإشارة إلى أن أغزر بقاع العالم أمطاراً هي المناطق الجبلية كما في تشيروبونجي في جبال الهملايا، جبال الانديز في كولومبيا. وهذه الحقيقة تكون أكثر وضوحاً في المناطق الجافة وشبه الجافة، حيث تظهر المناطق الجبلية عبارة عن جزر خضراء في وسط الصحراء القاحلة.