ما هو نهر المندريس؟
نهر المندريس هو نهر يمتد لمسافة 45 كم في الجزء الغربي من كوبا، حيث ينبع من شرق تاباستي ويتدفق من الشمال الغربي إلى مضيق فلوريدا، ويعمل النهر كمصدر للمياه لهافانا والامتداد النهائي يقسم بلديات (Plaza de la Revolución) (منطقة Vedado) وبلايا (منطقة Miramar)، كما يشكل جزء من وادي النهر منتزه ألمندريس أو متروبوليتان بارك في هافانا (PMH) وعلى بعد بضعة كيلومترات من المحيط تصطف العديد من المصانع على ضفاف النهر (مصانع الورق، مصانع إنتاج الغاز، مصانع الجعة، مصانع إنتاج الأغذية، مصانع البناء).
يتمثل أحد المشاريع الرئيسية الثلاثة لسلطات هافانا في مواصلة إعادة تأهيل (PMH) (المشروعان الآخران هما ترميم المدينة القديمة وإزالة التلوث من خليج هافانا): مراقبة تلوث المياه والسيطرة عليه وتقليل وترشيد الاحتلال الصناعي والحفاظ على الأشجار القديمة والنباتات في الحديقة، حيث أصبحت المنطقة تدريجياً واحة خضراء مع ملعب وعدد قليل من المطاعم وممرات المشاة، ونهر المندريس هو النهر الرئيسي الذي يتدفق عبر مدينة هافانا، وهو أكثر الأنهار تلوثاً في نصف الكرة الغربي، حيث أنها ميتة بلا حياة حيوانية.
تاريخ النهر:
أطلق عليها السكان الأصليون الكوبيون اسم (Casiguaguas)، وأطلق المستعمرون عليها اسم (La Chorrera) عندما تم اكتشافها حتى قاموا بتغييرها إلى (Almendares) تكريماً لأسقف هافانا، (Enrique Almendaris)، حيث أن أول قناة شُيدت لمدينة هافانا أخذت مياهها مباشرة من نهر المندريس، وأصبحت تعرف باسم (زانيا ريال) عام 1545، فعلى مر السنين بدأ هذا الخندق غير كافٍ وتوقف عن العمل، ممَّا أفسح المجال لمشروع (Francisco de Albear y Lara) وهو أكبر قناة مائية في المدينة تم بناؤها في 1859 – 1897، كما بقيت (La Zanja Real) بضع سنوات من خدمات الإقراض، فقد بدأ الصناعيون الاجتماعيون غير المنضبطين بصب مياه الصرف الصحي فيها، ممَّا تسبب في توقف التدفق من النهر وتغيير اتجاهه وربما تحول هذا الخندق إلى أول حقن واضح لمياه الصرف الصحي في المندريس.
في السنوات الست بين (1824 و 1829) تم إنفاق الكثير من الأموال على صيانة وخدمة (Zanja Real)، حيث كان السيد كوندي فيلانويفا هو الذي روج لتوصيل قناة فرناندو السابع، وهو عمل أدى إلى تحسين إمدادات مياه الشرب في هافانا إلى حد كبير، وكان هناك القليل من العقبات التي واجهها هذا الرجل ليتمكن من تحقيق المشروع والحصول على المياه من النهر، ففي تلك السنوات بسبب فيضان نهر المندريس كان استخدام قناة فرناندو السابع غير كافٍ؛ بسبب الاضطرابات المستمرة، وقد علم العديد من سكان هافانا بفيضان النهر (6 أمتار فوق المستوى المعتاد في 6 أكتوبر عام 1860) حسب نوعية المياه التي وصلت إلى هافانا كانت بسبب حقيقة أن استخدام المرشحات لم يكن كافياً لتنظيف السائل الذي تحتاجه المدينة بأكملها وكان ضغطها غير كافٍ، وكان الاختلاف في المستوى مع ينابيع فينتو التي طال انتظارها، حيث كانت المياه نظيفة وشفافة حوالي 13 قدماً تحت، ممَّا أدى إلى التحويل اللاحق.
وفقاً للسيد (José Luis Casaseca) يجب أن يُحسب أن القناة الأولى التي تم بناؤها كانت تنقل 35 إلى 40.000 متر مكعب يومياً ويتدفق ربعها السعة المشتركة مع قناة (Fernando VII) أي 9 أضعاف ما أنتجته فلاتر النظام، وعلى الرغم من ذلك تمت مقارنة صفات السائل الثمين، كما يظهر في أحد جداول تقرير عام 1864 بـ “بدء المشروع”، وفي عام 1865 بعد بدء مشروع مستجمعات المياه يصف ألبير في إحدى ملاحظاته: “مئات من الينابيع متناثرة على مساحة واسعة على هوامش نهر عظيم وحتى على ضفافها وحتى داخل المياه نفسها كلها مختلفة في الإسقاط وفي الكمية والارتفاع والاتجاه والانضمام أو الانفصال بشكل غريب الأطوار”.
بعد تدخل أمريكا الشمالية في هافانا -1898- بدأ المهندسون في ذلك الوقت في العبث بما يعرف بالمحاولة الأولى لتحويل مجرى نهر المندريس، حيث أن مشروع بفضل الحس السليم للكولونيل بلاك (الشخص الذي أدار المدينة في تلك السنوات) أمر بالتحقق والتحليل بحذر شديد، وفي 24 ديسمبر 1907 حل السيد مونتولو بتعيين العقيد بلاك محل المهندس الأمريكي آرثر س. هوبي ب. الرئيس السابق للمياه والصرف الصحي في المقر الرئيسي لمدينة هافانا، وفي عام 1908 أعلن العقيد بلاك بصدق: (أن لديه شكوكاً ومخاوف بشأن منشأ الينابيع)، فأمر بتعليق أعمال الحفر والقطع المخطط لها في الجبال الصخرية (بالقرب من منطقة فونتانار الحالية) وتعديل قناة النهر في الموقع، حيث إن طبيعة وخصائص المكان والتيارات التي نشأت فيها (ينابيع فينتو) غير معروفة.
تتكون مياه هافانا من ينابيع فينتو نتاج فيضانات النهر الشديدة (أكثر من 6 أمتار فوق المستوى المعتاد)، ولأن هذه المياه تشكل تراثاً لعاصمة كوبا، فقد تم العمل في عام 1912 من أجل نظرية التوصيل الهيدروليكي للمهندس إنريكي جيه مونتوليو، فالمشروع الذي نص على إنشاء (سد خشبي) يوازن ضغط السائل الثمين بين النتوءات (الينابيع) ومستوى النهر، وبالتالي تجنب التلوث وهروب الضغط إلى مجراه، وفي عام 1912 تم بناء أول سد خشبي وطيني للحفاظ على المستوى في ينابيع فينتو، وأدى إنشاء (السد الخشبي) في اتجاه مجرى نهر (تازا دي فينتو) والتشكيك في المشروع، بالإضافة إلى الوضع الصحي للمدينة في تلك السنوات (1912) إلى نشر المشكلة الاجتماعية في الصحافة (Revista de la sociedad cubana وجريدة “الديا”).
وفي عام 1925 ميلادي نشر خوان أنطونيو كوسكوليلا باريو مقالاً بعنوان: (قناة فينتو، ما لم يتم عمله وما يجب فعله)، حيث نوقشت قضية استخدام المياه الغامضة، ولم يكن حتى عام 1926 أن تمت الموافقة على التعديلات اللازمة للاحتفاظ بالسوائل من خلال (السد الخشبي) وإمدادات المياه في قناة البير من قبل السيد إنريكي مونتوليو، وفي 15 ديسمبر 1927 تمت زيادة إمدادات المياه إلى المدينة بمقدار 25 مليون جالون يومياً بسبب وصول (الكوب الصغير) الجديد للمياه الجوفية التي يتم ضخها من قناة (أجوادا ديل كورا)، وهو نظام أدخلته تم تصميم المعدن الموجود في (قناة دي فينتو) لتحمل تيار المياه وليس ضغطها، وعلى مر السنين بدأت جدران (كنال دي فينتو) بالتشوه وزيادة التسربات واختراق جذور الأشجار من خلال الشقوق التي بدأت تعيق حركة السائل وصيانته، حيث أن التدهور الذي إذا لم يتم التغلب عليه في عام 1949 مع وضع الأنبوب الجديد المكون من 66 تطهيراً على الجسر الذي يعبر النهر كان سيؤدي إلى تدميره.
وفي وقت لاحق في الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي أصبح استهلاك السائل الثمين أكثر وضوحاً؛ بسبب نمو المدينة وكان من الضروري بناء سد جديد عام 1949 من قبل المهندس، حيث أن أبيل فرنانديز سيمون بآلية من شأنها أن تضمن التحكم في السوائل والتخلص من السد الخشبي والطيني السابق الذي تم استخدامه منذ عام 1926؛ بهدف الحفاظ على مستويات التغذية (تسرب المياه الجوفية) في منطقة الاستخراج فينتو كوب الذي بني عام 1835، وبهذا تم الحفاظ على مستوى التدفق وتوازن ونمو الينابيع في المنطقة، وفي عام 1949 تم بناء (السد الجديد) الخرساني بهيكل متين من المنحدرات والمآزر والمصافي التي من شأنها منع انسداد البوابات، والتحكم في مستويات النهر في الفيضانات، ممَّا يضمن توازن النظام الضروري للحفاظ على التيار في النهر ونوعية المياه في القناة وصيانة المنطقة بأكملها.
وفي عام 1974 لم يكن حتى تنفيذ خزان (Ejército Rebelde) على (Roca de Vento)، حيث بدأ المنداريس (La Chorrera) يفقد قوته الطبيعية (في اتجاه مجرى النهر) بسبب انقطاع التيار عندما (محاولة جمع المياه) في ستارة بطول 2331 كيلومتراً وارتفاعها 29.10 متراً، وهذه جميعها بيانات من المعهد الوطني للموارد المائية، ممَّا تسبب وفقاً للسلوك الحالي وتحليل التحقيق المذكور أعلاه في تسرب المياه إلى (صخرة فينتو) (مناطق مميزة على الخرائط) باتجاه منسوب المياه الجوفية نتيجة ضغط السائل الناتج عن بناء الخزان في المكان وتبخر الماء في الغلاف الجوي، حيث أعلن أنطونيو نونيز خيمينيز في عمله “نحو ثقافة الطبيعة” عام (1998): لا يمكن للإنسان أن يتخلى عن تنفيذ تلك الأعمال التي يعتقد أنها ضرورية لتقدمه، ولكن يجب عليه أيضاً أن يفهم عدم قدرته الهائلة على توقع الشرور التي يولدون ضد نفسها بتنفيذها.
ومثال على ذلك: تم بناء سد (Rebelde Army) على نهر المندريس لتوفير المزيد من المياه للزراعة، ولكن لم يتم ملؤه أبداً لأن الكثير منه يتسرب إلى باطن التربة من الحجر الجيري وهي ميزة لأنه يثري المياه الجوفية هيدروليكياً، ولكن بعد ذلك حدث شر غير متوقع: فقد توقف المندريس عن التدفق من لينين بارك في اتجاه مجرى النهر بقوة كافية لاستمرار التيار، ممَّا أدى إلى ركود مياهه وزيادة تلوثه وتعفنه، وحدث لمياهها ما حدث لخدمة صحية لا تفرغ فضلاتها، وهذه صورة مخلصة وثابتة لما عبّر عنه فيديريكو إنجلز عن الطبيعة التي تنتقم في كل مرة يحاول الإنسان تعديلها إلى حد كبير، وكان وضع النهر في السنوات الأخيرة لا يضاهى في أواخر الأربعينيات، فعندما تم بناء سد (Casiguagua)، ففي عام 2011 تجاوزت المياه بالكاد نفس المستوى في لحظات قليلة (فقط عندما أمطرت بغزارة)، وفي فبراير 2012 تم سحب السائل الثمين من حافته، ممَّا أدى إلى ركود المياه في القسم بأكمله بين هذا المكان و (Puente de Calabazar).