آرنولد توينبي ونظريته الدائرية في التغير الاجتماعي

اقرأ في هذا المقال


تناول آرنولد توينبي في نظريته الدائرية التغيُّر الاجتماعي، ويرى توينبي أنَّ هناك خيارات أمام الحضارات إلى جانب الانحدار، وتزداد هذه الخيارات تعدُّداً كلّما امتلكت الحضارة الوسائل المادية المناسبة للتَّكيُّف مع الظروف المُتغيِّرة.

وقد عرض توينبي نظريتهُ الدائرية في كتابهِ (دراسة للتَّاريخ ) المنشور عام ١٩٣٦، حيث أوضح أنَّ الحضارة تُواجهُ بتحدٍ شامل يؤدي إلى ضعفِها، لكنَّها سرعان ما تجد الوسائل المواجهة لهذا التحدِّي فتنتعش من جديد، وتزدهر وتقوى.

الأمثلة التاريخية التي قدمها آرنولد توينبي

ويقدِّم توينبي أمثلة تاريخيَّة على مثل هذا التحدِّي والإنتاجية من التاريخ فيُوضِّح أنَّ الحضارة الأوروبية واجهت تحدي الصُّعود الإسلامي في القرن العاشر الميلادي؛ حيث كانت الحضارة الإسلامية في أوج تقدُّمها، وقوَّتها بينما كانت الحضارة الأوروبية تعيش مرحلة الظَّلام والضعف والتردِّي، فاستجابت الحضارة الأوروبية لهذا الواقع بأن تعلَّمت من الحضارة الإسلامية العلوم والصناعات وطوَّرتها وزادت عليها ممَّا أدَّى إلى تفوّقٍ سريعٍ للحضارة الأوروبية في مجال صناعة السفن وصناعة الأسلحة، ممَّا مكَّنها وخلال قرون محدودة من سلبِ العالم الإسلامي لوسائل معيشتهِ الماديَّة المُتمثّلة آنذاك في طرق التجارة العالمية، فبدأت ثروات الشرق تقع في أيدي الأوروبيين بعد اكتشاف البرتغاليين لرأس الرجاء الصَّالح، أو الطَّريق البحري إلى الهند والصين نتيجة للتَّفوُّق الأوروبي في مجال صناعة السُّفن، وصناعة الأسلحة، بينما حُرِِمَ منها العالم الإسلامي فتراجعت قوَّتهُ، وتراجع ازدهارهُ.

وهكذا فمع انحدار الحضارة الإسلامية نتيجة فقدانها لطُرقِ التِّجارة العالمية، صعدت الحضارة الأوروبية واستمرَّت في إنتاج وتحسين الوسائل الماديَّة التي تدعم هذا الصعود. ومن هذه الوسائل الطاقة النووية التي اُكتِشَفت حديثاً وأعطت الحضارة الأوروبية الغربية كَمّاً جديداً، ودفعة قوية لمزيد من القوَّة والصعود بينما بقيت الحضارات الأُخرى التي لا تملك مثل هذه الوسائل الماديَّة تُعاني من الضعف والانحدار غير قادرة على مواجهة المشكلات والتحدِّيات بما يُلائِمها من استجابات.

كما يقدّم مثالاً تاريخياً آخر يتعلَّق ببريطانيا نفسها، والتي واجهت تحدٍ كبير كونها مجموعة من الجُزر الفقيرة في المساحات الزّراعية فقامت بالتوسُّع إلى الخارج عبر البحار للحصول على المنتجات الزراعية من مناطق أخرى في العالم غنيَّة بها، وأدَّى ذلك بالتالي إلى تأكيد بريطانيا على التفوُّق الملاحي فقامت ببناء الأساطيل البحريَّة التي حقَّقت لبريطانيا السيادة على البحار طيلة قرنين كاملين، وفقدان سيادتها على البحار والذي بدأ بعد الحرب العالمية الأولى جعلها أمام خيارين وهما: إمّا الانحدار الحضاري وإمّا إيجاد وسائل جديدة للتكيّف مع الواقع والمحافظة في نفس الوقت على الحضارة البريطانية مُزدهرة.

فاختارت بريطانيا استجابة مُعَقَّدة تشمل محورين:

  • الأول: تقليص امتدادها خارج الجُزر البريطانية.
  • الثاني: تطوير الصِّناعات البريطانية ومصادر الطَّاقة اللازمة لها وبخاصة الطَّاقة النوويَّة ممَّا مَكَّنها من التكيُّف، ومن المحافظة على الحضارة البريطانية على درجة مناسبة من القوَّة والازدهار.

مفاهيم النظرية الدائرية عند آرنولد توينبي في التغير الاجتماعي

آرنولد توينبي (Arnold J. Toynbee) هو مؤرخ بريطاني شهير عاش في القرن العشرين وكتب عدة مؤلفات تتناول دراسته للتاريخ والحضارات. تميزت أهم أعماله بينها “A Study of History” (دراسة في التاريخ)، وهي سلسلة ضخمة من المجلدات قام بتأليفها ونشرها في فترة طويلة.

نظرية توينبي حول التغير الاجتماعي يمكن تلخيصها في مفهوم “التحدي” أو “التحول”. وفيما يلي بعض الجوانب الرئيسية لنظريته:

  1. دورة التحدي:
    • يقترح توينبي أن التاريخ يتجدد بشكل دوري من خلال مسلسلات من التحديات أو الاضطرابات. يسمي هذه الدورات بـ “دورات التحدي.”
  2. التحدي والاستجابة:
    • يرى توينبي أن الحضارات تظهر وتتطور في استجابة لتحديات محددة. إذا نجحت الحضارة في التغلب على التحدي، فإنها تزدهر، وإذا فشلت، فإنها تتراجع.
  3. الاندماج والانحدار:
    • بعد فترة من الازدهار، يقترح توينبي أن الحضارة تدخل في مرحلة الاندماج حيث تتداخل مع حضارات أخرى. وفي حال استسلامها للتحديات بشكل أكبر، قد تدخل في مرحلة الانحدار.
  4. الإشكالية الدينية:
    • يعتبر توينبي الدين عنصرًا هامًا في تاريخ الحضارات، حيث يلعب الدين دورًا في تشكيل الهوية والقيم والاستجابة للتحديات.
  5. التأثير الاقتصادي:

يجدر بالذكر أن نظرية توينبي وتصنيفه للحضارات وتفسيره لتغيرها لاقت نقدًا، وكثير من العلماء اختلفوا معه في بعض الجوانب. ومع ذلك، لا يمكن إنكار أهمية وتأثير عمله في تفسير تاريخ الحضارات وتطورها.


شارك المقالة: