أساليب البحث الكمية في الأنثروبولوجيا الثقافية

اقرأ في هذا المقال


أساليب البحث الكمية في الأنثروبولوجيا الثقافية:

على نحو متزايد يستخدم علماء الأنثروبولوجيا الثقافية أساليب البحث الكمي لاستكمال المناهج النوعية، حيث يهدف البحث النوعي في الأنثروبولوجيا إلى وصف الإنسان بشكل شامل من حيث السلوك والسياقات التي يحدث فيها بينما يبحث البحث الكمي عن أنماط البيانات الرقمية التي يمكن أن تشرح جوانب السلوك البشري، ويمكن استخلاص الأنماط الكمية من الإحصاء التحليلات والخرائط والرسوم البيانية والرسوم الإحصائية والأوصاف النصية.

والاستطلاعات هي تقنية كمية شائعة التي عادة ما تتضمن أسئلة مغلقة يختار فيها المستجيبون إجاباتهم من قائمة خيارات محددة مسبقًا مثل درجة موافقتهم أو عدم موافقتهم، وإجابات الاختيار من متعدد، وترتيب العناصر، بينما تفتقر الاستطلاعات عادةً إلى نوع التفاصيل السياقية المرتبطة بالنوعية البحث، وتميل إلى أن يكون من السهل نسبيًا ترميزها رقميًا، ونتيجة لذلك يمكن أن يكون تحليلها أسهل من البيانات النوعية، كما تعد الاستطلاعات مفيدة أيضًا في جمع نقاط بيانات محددة ضمن مجموعة كبيرة من السكان، وهو أمر يصعب القيام به باستخدام العديد من التقنيات النوعية.

فالتحليل الغذائي الأنثروبولوجي هو أحد مجالات البحث التي تعتمد بشكل عام على جمع البيانات الكمية، حيث يستكشف علماء الأنثروبولوجيا التغذوية كيفية عوامل مثل الثقافة والبيئة تتفاعل مع النظم الاقتصادية والسياسية للتأثير على صحة الإنسان وتغذيته، وقد يحسبون السعرات الحرارية التي يستهلكها الناس ويستهلكونها، وتوثيق أنماط استهلاك الطعام، وقياس وزن الجسم وكتلة الجسم، واختبار وجود عدوى طفيلية أو نقص في التغذية.

ففي كتابها الإثنوغرافي (Dancing Skeletons: Life and Death in West Africa) عام 1993، وصفت كاثرين ديتويلر كيف كانت تجري بحثًا غذائيًا في مالي، تضمن وزن وقياس واختبار بحثها موضوعات لجمع مجموعة متنوعة من البيانات الكمية لمساعدتها على فهم أسباب وعواقب سوء التغذية للأطفال.

أساليب بحث مختلطة في الأنثروبولوجيا:

في السنوات الأخيرة بدأ علماء الأنثروبولوجيا في الجمع بين الإثنوغرافيا وأنواع أخرى من أساليب البحث، وتدمج مناهج البحث هذه الطرق المختلطة كالأدلة النوعية والكمية لتوفير تحليل أكثر شمولاً، على سبيل المثال يمكن لعلماء الأنثروبولوجيا الجمع بين البيانات الإثنوغرافية والاستبيانات والبيانات الإحصائية وتحليل الوسائط، حيث استخدم عالم الأنثروبولوجيا ليو تشافيز طرقًا مختلطة وأجرى البحث عن كتابه “التهديد اللاتيني وبناء المهاجرين والمواطنين والأمة” عام 2008.

وبدأ بمشكلة كيف تمت مناقشة الجنسية كعلامة هوية في وسائل الإعلام السائدة في الولايات المتحدة، ولا سيما بين أولئك الذين وصفوا باللاتينيين، ثم بحث عن مجموعة متنوعة من أنواع البيانات واعتمدت على دراسات الحالة الإثنوغرافية والبيانات الكمية من المسوحات والاستبيانات، وحلل ليو شافيز أيضًا سلسلة من الصور المرئية من الصور وأغلفة المجلات، والرسوم الكاريكاتورية التي صورت اللاتينيين لاستكشاف كيفية تمثيلهم في التيار السائد في أمريكا.

ويمكن أن تكون الطرق المختلطة مفيدة بشكل خاص عند إجراء بحث موجه نحو حل المشكلات في المجتمعات المعقدة والمجتمعات المتقدمة تكنولوجياً مثل الولايات المتحدة، كما أن البيانات الإحصائية والكمية المفصلة غالبًا ما تكون متاحة لتلك الأنواع من المجتمعات، بالإضافة إلى ذلك عادة ما يكون عامة السكان متعلمين ومرتاحون إلى حد ما مع فكرة ملء الاستبيان.

تقنيات ووجهات نظر أنثروبولوجية:

النسبية الثقافية والعرقية:

تعتبر المنهجية الأساسية للأنثروبولوجيا العامة هي النسبية الثقافية وهي النموذج الذي يجب القيام به والتي تسعى إلى فهم أفكار وسلوك شخص آخر من وجهة نظر ثقافتهم بدلاً من منطقتهم، ولا يقوم علماء الأنثروبولوجيا بالحكم على الثقافات الثانية بناءً على قيمهم ولا ينظرون إلى ثقافات أخرى وطرق عمل الأشياء على أنها أقل شأناً، وبدلاً من ذلك يسعى علماء الأنثروبولوجيا إلى فهم معتقدات الناس داخل نظامهم لشرح الأشياء، والنسبية الثقافية هي اعتبار منهجي مهم عند إجراء البحث.

ففي الميدان يجب على علماء الأنثروبولوجيا أن يعلقوا مؤقتًا أحكامهم القيمية والأخلاقية والجمالية والسعي لفهم واحترام قيم وأخلاق وجماليات الثقافة الأخرى بشروطها، وهذا يمكن أن يكون مهمة صعبة، ولا سيما عندما تختلف الثقافة بشكل كبير عن تلك التي فيها قد نشأوا، فخلال التجارب الميدانية الأولى في البرازيل، تعلم علماء الأنثروبولوجيا عن كثب كيف تحدي النسبية الثقافية ممكن ان يكون، فتفضيلات القرب الجسدي والراحة في الحديث عن جسد المرء هي من بين أوائل الاختلافات التي يحتمل أن يلاحظها الزائرون الأمريكيون للبرازيل.

وبالمقارنة مع الأمريكيين والبرازيليين بشكل عام يكونون أكثر راحة عند الوقوف عن قرب، واللمس والإمساك بأيديهم، وحتى شم أحدهم الآخر ويناقشون في كثير من الأحيان أجساد بعضهم البعض، وعادةً ما يشير الأطفال والبالغون إلى بعضهم البعض باستخدام ألقاب مرحة تشير إلى حجم أجسامهم أو شكل أجسامهم أو لون بشرتهم، والجيران وحتى الغرباء في كثير من الأحيان يوقفون المرء في الشارع للتعليق على لون بشرته حيث كان الأمر يتعلق بالبعض على أنها شاحبة للغاية أو وردية بسؤال هل أنت مريضاً؟ أو هل تشعر بحروق الشمس؟

وأيضاً ملمس الشعر يسألهم كيف يمكن الحصول عليه بهذه النعومة؟ وحجم الجسد وشكله بالتعليق بأن لدى المرء تمثال نصفي لطيف ولكن إذا فقد القليل من الوزن حول المنتصف سيكون أكثر جاذبية، خلال الأشهر القليلة الأولى لي علماء الأنثروبولوجيا في البرازيل، كان عليهم أن يذكروا أنفسهم باستمرار أن هذه التعليقات كانت كذلك ليس  فظةً أو غير محترمة أو غير مناسبة كما كانوا يعتقدون وهم في الولايات المتحدة، وعلى العكس من ذلك، كانت من إحدى الطرق التي يظهر بها الناس المودة اتجاههم.

ومن منظور نسبي ثقافيًا، أظهرت التعليقات أنهم يهتمون بهم، وكانوا مهتمين برفاهيتهم، وأرادوا أن يكونوا جزءًا من المجتمع، حيث لم يكن علماء الأنثروبولوجيا قد اتخذوا وجهة نظر نسبية ثقافياً في البداية، وبدلاً من ذلك، حكموا على الإجراءات بناءً على منظورهم الثقافي، حيث كانوا سيشعرون بالإحباط باستمرار ومن المحتمل أن يكونوا مرتبكين ويهينون الناس في المجتمع، ومخالفة المخبرون وبقية المجتمع بالتأكيد لا يفضي إلى إكمال الجودة العالية للبحث الأنثروبولوجي، فعدم فهم أهمية الاتصال الجسدي والقرب الجسدي في التواصل في البرازيل، كان سيفقد عنصرًا مهمًا من الثقافة.

المنظور الآخر الذي رفضه علماء الأنثروبولوجيا هو المركزية العرقية وهي الميل إلى النظر إلى ثقافة المرء على أنها الأكثر أهمية وصحيحة وكعصا لقياس جميع الثقافات الأخرى، حيث ينظر الأشخاص المتمركزون حول العرق إلى ثقافاتهم على أنها مركزية وطبيعية ويرفضون كل الثقافات الأخرى ويعتبرون الثقافات أقل شأناً ومشبوهة أخلاقياً، وكما اتضح كثير من الناس والثقافات متمركزون حول العرق بدرجة ما فالتمركز العرقي هو مبدأ إنساني عام، فلماذا يتم الرد بالطريقة التي يتعامل بها المرء؟ ولماذا يتم التصرف بالطريقة التي يتصرف بها المرء؟

ولماذا المرء يصدق ما يصدق؟ يجد الكثير الناس درجة من الصعوبة في الإجابة على هذه الأشكال من الأسئلة، حيث غالبًا ما تكون هذه الإجابة بكل بساطة لأن هذه هي الوسيلة التي يتم بها ذلك، حيث يعتقدون ماذا إنهم يؤمنون لأن هذا هو ما يؤمن به المرء عادة وأن فعل الأشياء بأي طريقة أخرى يبدو خطأ، والتمركز العرقي ليس منهجاً مفيدًا في الحالات التي يكون فيها البشر من خلفيات ثقافية متنوعة وعلى تواصل كبير مع بعضهم البعض، كما هو الحال في الكثير من المناطق والمجتمعات عبر العالم.

حيث يرى الناس بصورة متزايد إنه عليهم امتلاك وجهات نظر لنظرية النسبية الثقافية وذلك لإدارة المجتمعات وكوسيلة لتفاعلهم مع أعضاء المجتمع، وعلماء الأنثروبولوجيا في هذا المجال يرون أن النسبية الثقافية مهمة بشكل خاص، ويجب أن يتم وضع فطرة التعصب العرقي جانباً والسماح للنسبية الثقافية بتوجيه استفسارات وتفاعلات مع الآخرين حتى يتسنى لهم الملاحظة غير المتحيزة، فالنسبية الثقافية هي جوهر تخصص الأنثروبولوجيا.


شارك المقالة: