أشهر وزراء العهد السلجوقي ومهامهم في الدولة

اقرأ في هذا المقال


الوزارة في العهد السلجوقي

تولى مهام الوزارة في العهد السلجوقي عدد كبير من الوزراء، كان لبعضهم أثر فعّال في سياسة الدولة، سواء بالنسبة للسلطنة السلجوقية أو بالنسبة للخلافة العباسية. وكان حال وزارة الخلافة العباسية ‏ بوجه عام أفضل كثيراً من حال الوزارة السلجوقية، فقد انتعشت وزارة الخلافة واستعادت كثيراً من هيبتها واحترامها، بحيث أصبح الوزير العباسي في وضع يمنح له بممارسة أعباء الوزارة على الرغم من الضغوط التي كان يتعرض لها من حين لآخر من وزراء سلاطين السلاجقة.

ويرجع نهوض وزارة الخلفاء العباسيين وانتعاشها إلى أن معظم من تولى مهامها كانت تتوافر فيه المقومات الأساسية للوزير كقوة الشخصية، الخبرة الإدارية، النزاهة والإخلاص في العمل، وتجلت قوة وزارة الخلافة وعلا شأن الوزراء في فترة النزاع بين الخلافة والسلطنة السلجوقية، حيث لعب وزراء الخلافة دوراً هاماً في مُناهضة النفوذ السلجوقي في العراق، وقيادة جيش الخلافة.

وبلغ من قوة الوزير العباسي أنه عندما عزم السلطان سنجر على المسير إلى بغداد، كتب إليه الوزير جلال الدين بن صدقة، قائلاً: (والله لئن تحركت لأقطعن جميع ما وراءك عنك، وأقطعك عنه، ولئن سرت فرسخاً لأسيرن إليك فرسخين).

أما بالنسبة للوزارة السلجوقية فقد آل هذا المنصب بعد وفاة الوزير نظام الملك الطوسي إلى وزراء كان معظمهم غير مؤهلين للوزارة وذلك بحكم الظروف العصيبة التي مرت بها الدولة السلجوقية نتيجة لقيام الحروب بين أمراء السلاجقة، فكان وزراء سلاطين السلاجقة عرضة للمصادرة والسجن والتعذيب والقتل.

حتى أن عماد الدين الأصفهاني نوَّه بسلامة الوزير السلجوقي تاج الدين بن دارست الفارسي لنجاته من المكاره بعد عزله من الوزارة، فقال: (حفظ السلطان حرمة الوزير تاج الدين، فانصرف بجاهه وماله وحرمته وحشمته ونعمته، ولم يرَ وزير للسلجوقية صرف ولم يتكبب في نفسه أو في ماله سواه).

وصار السلطان السلجوقي يختار لوزارته من يعتقد أنه سيستفيد من ماله أو عصبيته لتحقيق أغراضه الشخصية، لا بدافع من تحقيق المصلحة العليا للدولة. وعلى سبيل المثال، استوزر السلطان بركياروق في سنة (486 هجري)، معز الملك الحسن بن نظام الملك إرضاء للنظامية الذين كان لهم الفضل في توليته السلطنة ‏ مع أن عز الملك لم يكن كفئاً للوزارة.

كما استوزر السلطان بركياروق في سنة (488 هجري)، فخر الملك بن نظام الملك لأنه قدم له مبلغاً كبيراً من المال. وكان فخر الملك (خالياً من الكفاية والفضل والأدب)، ونهج السلطان محمد بن ملكشاه على نهج أخيه بركياروق، فاستوزر في سنة (492 هجري)، مؤيد الملك ابن نظام الملك ليساعده في جمع العساكر الموالية للنظامية لانتزاع منصب السلطان من أخيه بركياروق.

ومما زاد في ضعف الوزارة السلجوقية وانحلالها وقوف كبار رجال الدولة في وجه الوزير المخلص الذي يقوم بمهام الوزارة بدقة وأمانة. ولقي الوزير سعد الملك سعد ابن محمد الآبي حتفه بتدبير من بعض كبار رجال الدولة السلجوقية الذين اتهموه بالإلحاد والكفر، مع أنه كان رجلاً خيراً، نزيهاً مُتمكناً من أعمال الوزارة. وواجه الوزير السلجوقي كمال الدين محمد بن علي الخنازن الرازي نفس المصير المؤلم.

من أشهر وزراء في العهد السلجوقي

الوزير عميد الملك الكندري

أول وزير في الدولة السلجوقية. وقيل في سبب توليه الوزارة أن السلطان طغرل بك لمّا قدم نيسابور أخذ يبحث عن رجل يتولى الكتابة له، على أن يكون مُتقناً للّغتين العربية والفارسية، فلما علم أن عميد الملك على دراية بهما استدعاه وولاه وزارته. وكان الوزير عميد الملك الكندري بفصاحته وسرعة بديهته، وأجادته نظم الشعر.‏ كما علت منزلته في الدولة السلجوقية، وصارت له هيبة في نفوس كبار موظفيها وعمالها.

ومن أهم الأعمال التي قامها هذا الوزير، أنه لمّا بلغه خبر وفاة السلطان طغرل بك بالريّ سنة (455 هجري)، عاد مُسرعاً إلى الريّ خشية حدوث فتنة بين أفراد الجيش، ثم أخرج جميع ما كان يملكه السلطان من أموال وغيرها، ووزعه على الجيش ضماناً لتأييده. ونفذ وصية السلطان طغرل بك بتولية ابن أخيه سليمان بن داود السلطنة، فاستقرت الأحوال. ولمّا رأى عميد الملك أن الناس يميلون إلى ألب ارسلان بن داود، حاكم خراسان، خطب له بالريّ وبعده لأخيه سليمان خشية أن يحدث انقسام في الدولة.

ومما يؤخذ على عميد الملك أنه كان شديد التعصب على الشافعية، حتى أنه أمر بلعنهم مع الرافضة على منابر خراسان، وروى أنه أمر بلعن جميع المذاهب يوم الجمعة على المنابر، فشق ذلك على المسلمين. وانتهت حياة هذا الوزير بالقبض عليه في السنة التالية لتولية ألب أرسلان السلطنة (456 هجري)، وأنفاذه إلى مرو الروذ، حيث زُج به في السجن ثم قُتِلَ بعد ذلك.

الوزير نظام الملك الطوسي

بدأ حياته العملية بالخدمة في الدواوين بخراسان ثم بغزنه، ثم انتقل إلى بلخ وتولى كتابة واليها أبي علي بن شاذان،‏ فظهرت كفايته وأمانته. وتذكر بعض المصادر أن والي بلخ، كان يُصادر أموال نظام الملك كل سنة، فهرب نظام الملك، ودخل في خدمة الملك داود بن ميكائيل والد السلطان ألب ارسلان. ويُقال أن الملك داود سلم نظام الملك إلى ولده ألب ارسلان، وقال له: (هذا حسن الطوسي، فتسلمه واتخذه والداً ولا تخالفه).

ولي نظام الملك الوزارة للسلطان ألب أرسلان، ثم لابنه ملكشاه من بعده وبلغت الدولة السلجوقية في وزارته أقصى اتساعها ومجدها وعظمتها، وكان نظام الملك يشرف بنفسه على سياسة الدولة. ويذكر البنداري أن جميع ما وصلت إليه الدولة السلجوقية من رخاء وتوسع وانتصارات كان بفضل نظام الملك وحسن تدبيره.

علت منزلة نظام الملك وزادت هيبته في عهد السلطان ملكشاه الذي فوضه تفويضاً تاماً في إدارة دولته، فأصبح لا يجري أي أمر في الدولة إلا عن طريقه. وكان يتمتع ببعد نظر وبصيرة ثاقبة، ويزن الأمور بمقياس العقل والتروي مما جعله موضع ثقة السلطان ملكشاه ومحل تقديره.

ويروى أنه لمّا آلت السلطنة إلى ملكشاه، ثار عليه عمه قاورد بك حاكم كرمان، فحاربه ملكشاه وأسره، فلما أحضر قاورد بك بين يدي ملكشاه أخبره بأن أمراءه هم الذين كاتبوه، وحرضوه على الثورة، وقدم لملكشاه الرسائل التي وصلت إليه منهم، فأخذها ملكشاه، وناولها لنظام الملك، فأخذها نظام الملك وأحرقها فوراً، فاطمأن الأمراء الذين حرضوا قاورد بك على الثورة ودانوا بالطاعة.

ويعطينا ابن الأثير مثالاً آخر على بعد نظر نظام الملك وحسن تدبيره، فيذكر أن السلطان ملكشاه استعرض جيشه في سنة (473 هجري)، وأسقط منه سبعة آلاف جندي، لم يعجبه حالهم،‏ فاعترض نظام الملك على ذلك الإجراء، وقال للسلطان: “إن هؤلاء ليس فيهم كاتب ولا تاجر ولا خياط، ولا من له صنعة غير الجندية،‏ فإذا أسقطوا لا نأمن من أن يقيموا منهم رجلاً، ويقولوا هذا السلطان، فيكون لنا منهم شغل، ويخرج عن أيدينا أضعاف ما لهم من الجاري إلى أن نظفر بهم”.

فلم يقبل السلطان ملكشاه قوله، فسار أولئك الجند إلى تكش أخي السلطان ببوشنج، فقوى بهم، واستولى على عدة مدن منها مرو الروذ ومرو الشاهجان وترمذ، ثم توجه تكش إلى نيسابور طامعاً في ملك خراسان، فسار إليه ملكشاه ‏ وحاربه، وأعاده إلى الطاعة. كان مجلس نظام الملك عامراً بالعلماء والفقهاء والقراء، وله صدقات ووقوف كثيرة للصرف عليهم، وبلغ من عنايته بهم أنه كان يقضي جزءاً كبيراً من وقته معهم، حتى كانوا يشغلونه في بعض الأحيان عن أمور الدولة.

توفي الوزير نظام الملك في سنة (485 هجري)، مقتولاً بيد رجل ديلمي تزيا بزي الصوفية. وقد اختلف المؤرخون في أسباب مقتله، فقال بعضهم أن ملكشاه سئم طول حياة نظام الملك، وطمع في ممتلكاته الواسعة.

وقال البعض الآخر أن عثمان بن نظام الملك، حاكم مرو اعتدى على شحنة مرو، وكان من المقربين إلى السلطان ملكشاه، فلا تخلص الشحنة من السجن، سار إلى السلطان ملكشاه مستغيثاً، فأدى ذلك إلى حدوث سوء تفاهم بين السلطان ملكشاه ونظام الملك، فأرسل السلطان إلى نظام الملك مُعاتباً، وقال في جملة عتابه: “إن كنت شريكي في الملك فعرفني، وإن كنت وزيري فاسلك ما يسلكه الوزراء، وإلا أطبقت دواتك وعزلتك”.

فقال نظام الملك لرسول السلطان: (قل للسلطان عني إن كنت ما تعلم أنني شريكك فاعلم، واذكر ما فعلت معك حين خرج عليك أعمامك واخوتك، ونازعوك في الملك، وكادوا يقهرونك فتوليت ردهم بنفسي، وقمت المقام الذي تعلمه، حتى صفى لك المُلك والسلطنة)، فلا عَلِمَ السلطان بما قاله نظام الملك، غضب ودس له من قتله.

ويذكر السبكي أن الحسن بن الصباح، زعيم الباطنية، هو الذي دس لنظام الملك أحد أتباعه، فقتله، لوقوف نظام الملك في وجه الباطنية في خراسان، ويبدو أن هذا السبب أقرب الى الصحة.


شارك المقالة: