أطوار الدعوة العباسية

اقرأ في هذا المقال


أطوار الدعوة العباسية:

مرّت الدعوة العباسية بطورين هامين وهما:

الطور الأول:

يبدأ هذا الطور في مستهل القرن الثاني للهجرة، وينتهي بانضمام أبي مسلم الخراساني إلى الدعوة، ويغطي الفترة الزمنية بين عامي (100-128هجري/(718-746) ميلادي وقد تميزت الدعوة، فى هذا الطور وخلوها من أساليب العنف في الوقت الذي كانت فيه دولة الخلافة الأموية متماسكة.

أبيه بدأ تهجير أعداد كبيرة من الناس من الكوفة والبصرة إلى منطقة بلخ في خراسان استمرت أيام الحجاج بن يوسف الثقفي. ومما لا شك فيه أن هؤلاء المبعدين وجدوا في الأقاليم الفارسية أرضاً صالحة لنشر أفكارهم بفعل أنَّ الموالي من الفرس كانوا لا يزالون يشعرون بالحاجة إلى حاكم مُطلق يمتلك من الصفات ما هو فوق البشر وفقاً لما تعودوه زمن الأكاسرة، وبفعل ما كان سائداً في المجتمع الساساني من نظرية الحق الإلهي للملوك، حيث كان يتوارث الملك أهل بيته ولا يجوز نقله إلى غير بيت الملك.

كانت العلاقات الجيدة بين خراسان وكل من الكوفة والبصرة، وهما مركز الاستقطاب سبباً في اعتناق أهل فارس الآراء المعادية للأمويين، لذلك استجابوا للدعوة العباسية رغبة في التخلص من حكم الأمويين وأملاً في استعادة سلطانهم الغابر الذي قَوّضه المسلمون، وكان هذا اندفاع غالبيتهم لمناصرة أي ثائر ضد الدولة الأموية.

نظَّم الدعوة في العراق ثلاثة دعاة هم: ميسرة العبدي، وهو مولى لعلي بن عبد الله بن العباس، وبكير بن ماهان، ويُعتبر أهم دعاة العراق، وأبو سلمة الخلال الذي قاد الدعوة في الأعوام الخمسة الأخيرة قبل تسلُّم بني العباس السلطة. أما في خراسان، فقد قامت الدعوة على أكتاف جماعة من الدعاة؛ أشهرهم أبو عكرمة السراج، مولى ابن عباس، محمد بن خنيس،‏ حيان العطار، كثير الكوفي، خداش البلخي، ونقيب النقباء سليمان بن كثير الخزاعي.

السلطات الحاكمة علمت بأمر الدعوة، فطاردت الدعاة وقتلت بعضهم، كما أن بعضهم الآخر راح ضحية. وأحدث الإمام محمد بن علي العباسي تغييراً استراتيجياً هاماً في فحوى الدعوة
حين خصَّصها لنفسه. وكشف ذلك لدعاته على أن يبقى هذا الأمر وقفاً عليهم فقط دون العامة. وتوفي الإمام محمد في عام (125 هجري)/(743 ميلادي)، بعد أن قطع الدعوة شوطاً بعيداً وقد أوصى بالإمامة من بعده لابنه إبراهيم.

الطور الثاني:

يبدأ هذا الطور بانضمام أبي مسلم إلى الدعوة العباسية؛ واستمر حتى عام (132 هجري)/(‎750‏ ميلادي) وهو العام الذي سقطت فيه دولة الخلافة الآموية؛ وقامت دولة الخلافة العباسية. تعرضت الدعوة العباسية بعد وفاة الإمام محمد بن علي إلى الاهتزاز فخشي الإمام إبراهيم أن يفلت زمام الأمور من يده، وتكتسح هذه الحركات دعوته. لذلك قام ليعيد طاعة الخراسانيين العرب بشكل خاص، واستطاع بنفوذه الشخصي أن يستميل زعيمهم سليمان بن كثير الخزاعي الذي تمكن من إعادة التلاحم بين الجماعة الخراسانية؛ وبين الرئاسة في الحميمة.

تميزت الدعوة في هذا الطور، باستعمال القوة لتحقيق هدفها. فبعد اتساع نطاقها وتعمق جذورها في المجتمع الخراساني، أضحى لا بد لها من رئيس على درجة عالية من الكفاءة والمقدرة، يُشرف على شؤونها ويعد الخطط للتحركات المقبلة. عرض إبراهيم الإمام القيادة على نقيب النقباء سليمان بن كثير وكان شيخاً مسنّاً، فاعتذر عن قبولها، ثم عرضها على إبراهيم بن سلمة فاعتذر أيضاً. عندئذ اتخذ الخطوة الحاسمة، واختار أبا مسلم الخراساني؛ ممثلا له في خراسان، فقلّده الأمر وأرسله إلى هناك.

كان اختيار أبي مسلم خطوة موفقة وفاتحة مرحلة جديدة في استنهاض حياة الدعوة بفعل أن مولى يدير دفة الأمور في خراسان ذات النفوذ الفارسي الواضح والمضطربة قبلياً، أجدر بالثقة من عربى حر. وتدل الرسالة التي بعث بها الإمام إليه عندما ولآه الشروع للعمل في خراسان، أن استمالة العرب اليمانية هو حجر الأساس ومفتاح النصر. فاستقامت أمور العباسيين في خراسان نتيجة جهوده الأجتماعية والعسكرية، واستطاع هذا الرجل بما تمتع به من كفاءات أن يصبح الداعية العباسي المتحكم في الشرق كله بعد أن اكتسب ثقة سليمان بن كثير.


شارك المقالة: