التنوير في إسبانيا
مع بداية القرن الثامن عشر ميلادي دخلت الأفكار التنويرية مع دخول آل بوربون إلى إسبانيا، وقد سميت تلك الفترة من تاريخ إسبانيا باسم إصلاحات البوريون، فبدأت عمليات الإصلاحات للبنية التحتية فيها، فقد تم السعي في تلك الفترة إلى جعلها أكثر ازدهاراً.
بداية عصر التنوير في إسبانيا
سعى ملوك إسبانيا في تلك الفترة إلى توسعة المشروعات الزراعية والحيوانية في الإمبراطورية فقاموا ببعث بعثات علمية إلى أمريكا الإسبانية؛ وذلك من أجل فهم أسباب انهيار الاقتصاد فيها، ولعل من بين الأسباب التي ساعدت في انهيار إسبانيا؛ هو الحروب النابليونية، بالإضافة إلى حرب الاستقلال الإسبانية الأمريكية.
بعد إنتهاء حرب الخلافة الإسبانية في عام 1700 ميلادي وانتصار فرنسا فيها، قام البوربون بالطلب من فرنسا بعرش إسبانيا، ففي تلك الفترة أسس البوربون ملكيتهم فيها، وبدأوا في عمليات الإصلاح فيها، وبدأوا في نشر أفكار التنوير والتي كان لها تأثير كبير في أمريكا الإسبانية، قام نابليون بغزو شبه الجزيرة الأيبيرية وسلم الحكم فيها إلى أخيه، الأمر الذي أدى إلى إشعال مشاكل الحكم في إسبانيا.
عندما تولى الملك “كارلوس الثاني” والذي يعتبر آخر ملوك سلالة “آل هابسبورغ” بدأت إسبانيا تعيش حالة من الصراع السياسي والاقتصادي، وبدأت مرحلة الضعف وتعرضها للكثير من الهزائم أمام فرنسا، على الرغم من ذلك كانت إسبانيا تعيش في حالة من التوسع في العالم الجديد، الأمر الذي ساعدها لتكون مركز قوة في أوروبا، وتم اتخاذ القرار بتولي أحد سلالة هابسبورغ النمساوية الحكم في إسبانيا، الأمر الذي أزعج فرنسا، فد كان عائلة هابسبورغ النمساوية يعتبرون أعداء لفرنسا.
تم الاتفاق على ضم إسبانيا إلى الإمبراطورية النمساوية أو الإمبراطورية الفرنسية، بدأت الصراعات بعد ذلك في إسبانيا على الحكم، فقام بعض الملوك بالتصارع على الحكم؛ ممّا أدى إلى قيام حرب الخلافة الإسبانية، قامت بعض دول أوروبا مثل هولندا وإنجلترا بدعم الملك “ليوبولد الأول” وتم اعتباره وريث الحكم في إسبانيا، لكن فرنسا كانت ترفض ذلك القرار وطالبت من النمسا الوقوف إلى جانبها للبدء في الحرب، وتم الاتفاق على تقسيم إسبانيا، لكن فرنسا كانت رافضة فكرة التقسيم، الأمر الذي أدى إلى بدء الحرب.
عادت الصراعات بين فرنسا والنمسا للسيطرة على إسبانيا، فقامت إنجلترا بإرسال قواتها العسكرية للوقوف إلى جانب النمسا، فشاركت إيطاليا وألمانيا وايبيريا بالمشاركة في الحرب، ليتم يذلك بد الحرب بين الدول العظمى، حاولت إسبانيا المحافظة على أراضيها، فتم الاتفاق معها على التنازل عن مستعمراتها في أوروبا، بدأت الجيوش الإنجليزية والهولندية ببدء الحرب وكانت مجريات تلك المعركة لصالح فرنسا، تنازلت إسبانيا عن مستعمراتها وتم تقسيمها بين النمسا وبريطانيا وإيطاليا.
كما قامت الدول الأوروبية بالسيطرة على مدينتي مدريد وبرشلونة، وكان لتلك الحرب دور كبير في حرب الريف الإسباني، وتم توقيع معاهدة على أنّ يقوم ملك فرنسا بحكم إسبانيا، بشرط أنّ لا يتم اتحاد التاج الإسباني والفرنسي، تمكنت إسبانيا فيما بعد من استعادة بعض أراضيها في إيطاليا، وعندما تولى الملك “فيليب الخامس” الحكم في إسبانيا تمكن من إقامة عدة إصلاحات وعَمل على توحيد القوانين ومنع الفساد فيها، فقام بتعيين عدة مسؤولين من بريطانيا وإيطاليا ليقوموا بعملية الإصلاح.
استمر الملك “فيليب الخامس” بعمليات الإصلاح وحاول استرجاع مملكة سردينيا التي سلبتها النمسا من إسبانيا، وتم اتهامه بإصابته بالأمراض العقلية وأنّه يدخل إسبانيا في حروب ودمار ويهدد السلام في أوروبا، ليتم تشكيل تحالف بين النمسا وبريطانيا وهولندا وفرنسا؛ من أجل التخلص من حكم الملك فيليب وتم هزيمته، ليقوم بعد الهزيمة بالتراجع عن خوض الحروب، وقام بالتحالف مع فرنسا وكانت في تلك قائمة حرب الخلافة البولندية وتمكن من خلال التحالف استعادة نابولي وصقلية.
ساعد التحالف بين الملك “فيليب الخامس” وفرنسا على مساعدة إسبانيا في استعادة قوتها وسيطرتها في أوروبا، بعد وفاة الملك فيليب تولى ابنه الملك “كارلوس الثالث” الحكم من بعده، وكان له دور كبير في عمليات الإصلاح وحاول الإصلاح في الأراضي الإيطالية، بدأت في ذلك التاريخ حرب السبع سنوات، رفضت إسبانيا المشاركة في الحرب، حيث كان تركيز إسبانيا حينها الإصلاح الداخلي وأرادت إعادة أراضيها إلى التقدم الاقتصادي وعدم التدخل في الأمور الخارجية.
في القرن السابع عشر ميلادي تم منح الكنيسة الكثير من قِبل إسبانيا وتم اعتبارها فيما بعد بأنّها ليست من حق الكنيسة، واعتبر رجال الدين بأنّ عصر التنوير أكبر عدو لهم، ولم يكن الوضع فقط في إسبانيا، بل أنّ جميع رجال الدين في أوروبا كانوا يعانون من عمليات الإصلاح وتم سلب الأراضي التي تم منحها لهم في العصور السابقة، وربما كانت إسبانيا من ألين الدول التي تعاملت مع رجال الدين فقد كان يتم تعيين الأساقفة من قِبل الملك وكان لهم مكانة مميزة لدى البلاط الملكي الإسباني.
بدأت إسبانيا في عملية الإصلاح الزراعي، الأمر الذي أغضب رجال الدين ورفضوا التعاون مع الملك كارلوس، الأمر الذي دفعه إلى التعاون مع التجار والمزارعين، فقام الملك كارلوس بإصدار قرارات جديدة ومنها رفع الضريبة على الحبوب؛ ممّا أدى إلى ارتفاع سعرها، وأدى ذلك الأمر إلى قيام التمردات الشعبية، فلم يكن بيد الملك كارلوس أية حيلة، فقد كانت أسعار الحبوب مرتفعة في جميع دول أوروبا؛ وذلك بسبب قلة وجوده في المنطقة، وعلى الرغم من ذلك استمر في عملية الإصلاح وحاول فتح مؤسسات تجارية.
مع استمرار عمليات الإصلاح تم في عام 1777 ميلادي افتتاح أول بنك وطني إسباني، وفي تلك الفترة بدأت حرب الاستقلال الأمريكية ضد الاحتلال البريطاني، فكانت تلك فرصة لإسبانيا للقضاء على بريطانيا، فقامت بالوقوف إلى جانب فرنسا وهولندا ضدها، كما أرادت إسبانيا استعادة حصونها التي تم سلبها من قبل بريطانيا، بعد وفاة الملك كارلوس الثالث تولى ابنه كارلس الرابع الحكم، ولم يكن يهتم بالسياسة كوالدة، فقد كان الوصول إلى الحكم إلى العرش الإسباني من أولى اهتماماته.
بدأت عمليات الإصلاح بالتراجع في إسبانيا، لتعود إلى مركز الانهيار الاقتصادي الذي كانت تعاني منه، بدأت بعد ذلك الثورة الفرنسية، فأراد الملك “كارلوس الرابع” استغلال ذلك الوضع والتحالف مع فرنسا و استرجاع اراضيه في إيطاليا وقام بإنهاء تحالفه مع بريطانيا والنمسا، وقفت البرتغال بشكل منتصف بين بريطانيا وفرنسا وكانت تقوم بمساعدة بريطانيا في البحر وتعمل على تمرير جنودها وأسلحتها، طلبت منها فرنسا وقف مساعدة بريطانيا، لكنها رفضت؛ ممّا أدى إلى إندلاع حرب حدودية بين إسبانيا والبرتغال.
تم الاتفاق فيما بعد بين فرنسا وإسبانيا العمل على تقسيم أراضي البرتغال بينهم؛ وذلك لرفضها وقف مساعدة بريطانيا، تم بعد ذلك سفر الملك كارلوس الرابع إلى فرنسا وتخليه عن لحكم، ليختار الشعب “جوزيف بونابرت” ملكاً لإسبانيا؛ وذلك بسبب موقفه القوي في حرب الاستقلال الإسبانية، لم يكن الشعب الإسباني راضياً عن اختياره، لتقوم ثورة في مدريد، وقام الجيش الفرنسي بقمع تلك الثورة بشكل قومي ووضع الأراضي الإسبانية والبرتغالية تحت الحكم الفرنسي.
قامت إسبانيا بطلب المساعدة من بريطانيا والتي بدورها كانت فرحة لتلك المساعدة، ومع بداية القرن الثامن عشر ميلادي أصبح عصر التنوير يشكل أكبر في إسبانيا وبدأت عمليات الإصلاح بشكل شديد، لتعود إسبانيا من جديد في قمة الازدهار والتطور.