إسناد منصب الوزارة إلى أكثر من وزير في العهد البويهي

اقرأ في هذا المقال


إسناد منصب الوزارة إلى أكثر من وزير:

يذكر الماوردي (أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب البصري الماوردي أكبر قضاة آخر الدولة العباسية) أنه يُسمح للخليفة أن يختار وزارته لوزيرين في آن واحد، شريطة أن يكونا وزيرين مخصصين للتنفيذ،‏ ولا يُسمح له أن يُقلد وزيري مخصصين للتفويض لأنها ربما يتعارضان في العقد والحل والتقليد والعزل. أما إذا قلّد الخليفة فعلاً وزيري تفويض، فيجب أن يحدد لكل واحد منهم عملاً خاصاً به،‏ فيولي أحدههما وزارة المشرق، ويسند إلى الآخر وزارة المغرب أو أن يجعل لأحدهما، شؤون الحرب، ويجعل الثاني مُختصاً بشؤون الخراج.

وهكذا يظهر لنا جواز إسناد الخليفة أو الحاكم وزارته إلى شخصين في آن واحد، إلا أنه لم تجر عادة أحد من خلفاء بني العباس باتخاذ وزيرين، وكان الأمير عضد الدولة هو أول من استوزر وزيرين على اجتماع، وهذا يعد تطوراً هاماً في نظام الوزارة الإسلامية لم يكن معروفاً من قبل.

اقتدى بعض أمراء بني بويه بعضد الدولة واتخذوا وزيرين في آن واحد غير أن هذا التطور لم يصبح نظاماً وزارياً ثابتاً عند أمراء البويهيين بل أخذ به أربعة أمراء منهم فقط، وهم عضد الدولة وصمصام الدولة وبهاء الدولة وفخر الدولة. ويلاحظ كذلك أنه حتى في عهد هؤلاء الأمراء لم تكن القاعدة هي اتخاذ وزيرين بدليل أن كل واحد منهم اكتفى بوزير واحد في معظم سنوات حكمه.

أهم أحداث الوزراء في عهد الأمير عضد الدولة:

لم يكن هذا التطور الوزاري في صالح الدولة،‏ ولا في صالح الوزراء أنفسهم الذين اشتركوا في تولي مهام منصب الوزارة، وسنرى هذا بكل وضوح من خلال تتبعنا هذه الظاهرة؛ ففي سنة (369 هجري)، استقر الأمير عضد الدولة في بغداد بعد أن نجح في توطيد حكمه، وكان قد أشرك مع وزيره نصر بن هارون، وزيراً آخر هو المطهر بن عبد الله.

ويبدو أن الأمير عضد الدولة أدرك أن اتساع رقعة البلاد التي تحت نفوذه تحتاج إلى اشراف مباشر لضبط أمورها، وبالتالي أبقى وزيره الأول نصر ابن هارون في بلاد فارس لإدارة أعمالها واستوزر المطهر بن عبد الله، وأخذه برفقته إلى بغداد. وفي نفس العام سير عضد الدولة المطهر بن عبد الله لمحاربة الحسن بن عمران بن شاهين، حاكم البطيحة، فلم يوفق المطهر في تلك الحرب.

وبلغ من شدة حرصه على منصبه أن توهم أن فشله في القتال سيؤدي إلى عزله من الوزارة، ففضل أن يقتل نفسه حتى لا يترك فرصة لأعدائه للشماته به، وبالفعل انفرد بنفسه في خيمة، وقطع شرايين ذراعيه جميعاً، فمات نتيجة لذلك، وصفت الوزارة لنصر بن هارون حتى توفى عضد الدولة.

أهم أحداث الوزراء في عهد الأمير صمصام الدولة:

في سنة (375 هجري)، اشترك أبو القاسم العلاء بن الحسن وأبو الحسن أحمد ابن محمد بن برمويه في تولي الوزارة للأمير صمصام الدولة بن عضد الدولة وكانت الوزارة أولاً لأبي القاسم العلاء بن الحسن، وكان بينه وبين أبي الحسن بن برمويه صداقة متينة، فأمل أبو الحسن أن يوليه أبو القاسم الكتابة للأمير صمصام الدولة، ولكن لم يتحقق له ذلك، فحقد على أبي القاسم ‏ وأخذ يعمل على منافسته في الوزارة.

ولمّا كان أبو الحسن بن برمويه يتولى كتابة والدة صمصام الدولة، فقد توسطت له عند ابنها حتى أشركه في الوزارة مع أبي القاسم العلاء بن الحسن، وخلع عليهما، وسوى بينهما في الرتبة والمخاطبة، وتقرر أن يكون اسم أبي القاسم متقدماً في المراسلات لأقدميته في الوزارة، ولكن لم يتم له ذلك، واستطاع أبو الحسن بن برمويه بما له من مكانة لدى والدة صمصام الدولة أن يقدم اسمه على اسم منافسه أبي القاسه، ويبدو أن تنافس هذين الوزيرين أدى الى حدوث ارتباك في أعمال الدولة، ويقول أبوشجاع في هذا: (وصار الأمر سخيفاً بهذا الرأي الضعيف).

كما أن الوزير أبا القاسم عندما شاهد قوة مركز منافسه أبي الحسن وشدة عداوته له، ووقوف والدة صمصام الدولة إلى جانبه، صمم على الانتقام من الاثنين، ورأى أن ذلك لن يتم إلا بإسقاط صمصام الدولة من الإمارة وبالتالي اتصل بأحد كبار قواد الديلم، ويُدعى أسفار بن كردويه، وأخذ يغريه على الخروج عن طاعة صمصام الدولة.

فاستجاب القائد لاغرائه، وخاصة أنه كان بينه وبين قائد ديلمي آخر هو زيار بن شهراكويه عداء كما يتضح لنا من قول أبي شجاع: (كان قد تردد بن صمصام الدولة وبين زيار بن شهر اكويه أسرار اطلع عليها أبو القاسم بحكم امتزاجه بالخدمة، وخرج بها إلى أسفار وخاض فيها الغمرات، وأشعر قلبه وحشة أخرجته عن أنس الطاعة).

أخذ الوزير أبوالقاسم وشريكه القائد أسفار يتحينان الفرصة للقضاء على حكم صمصام الدولة، وتصادف أن مرض صمصام الدولة، فاتصل أسفار بكبار قواد الجيش، وأقنعهم بخلع صمصام الدولة، وأقامة أخية أبي نصر (بهاء الدولة) مكانه على أن يكون نائباً لأخيه شرف الدولة، ووعدهم بالأموال وأخذ عليهم العهود والمواثيق.

ولمّا شفي صمصام الدولة من مرضه، وعلم بما دبره أبو القاسم وأسفار، اتصل بأحد كبار قواد الجيش، وأستماله إلى جانبه. وهكذا انقسم الجيش إلى فريقين أحدهما يؤيد بهاء الدولة وعلى رأسه الوزير أبو القاسم العلاء بن الحسن، والآخر يؤيد صمصام الدولة، وعلى رأسه الوزير الآخر أبو الحسن أحمد بن برمويه، شريك أبي القاسم في الوزارة، وقامت الحرب بين الفريقين، وكانت النتيجة لصالح صمصام الدولة وأنصاره.

أهم أحداث الوزراء في عهد الأمير بهاء الدولة وفخر الدولة:

وفي سنة (382 هجري)، استوزر الأمير بهاء الدولة أبا نصر سابور بن أردشير، وأبا منصور محمد بن الحسن بن صالحان، وكانا يتناوبان القيام بأعمال الوزارة. كما كانا يتناوبان تقديم أسم أحدهم على الآخر في المكاتبات.

لم تصف الوزارة لأبي نصر سابور، ولأبي منصور بن صالحان، ففي السنة التالية لتوليها الوزارة (383 هجري)، شغب الديلم لتأخر مرتباتهم فأختفى منهم الوزير أبونصر، بينما أستعفى الوزير الآخر أبومنصور بن صالحان، بحجة عدم قدرته على تحمل مهام الوزارة في تلك الظروف.

كانت آخر نوبة أسند فيها البويهيون الوزارة إلى وزيرين في سنة (385 هجري)، عُقب وفاة الصاحب بن عباد، وزير الأمير فخر الدولة حيث تولى الوزارة لهذا الأمير وزيران هما أبو العباس أحمد بن ابراهيم الضبي، وأبو علي الحسن بن أحمد بن حمولة، وقد أشرك الأمير فخر الدولة بينهما في الوزارة، وقرر أن يجلسا في دست واحد، ويكون التوقيع والختم مُناوبة بينهما، لكل منهما يوم.

وبالإضافة أن هذين الوزيرين كان يحقد كل منهم على الآخر ويعمل على إبادته بكل وسيلة، ويحدثنا أبوشجاع عن هذا الوضع بقوله: (والوزيران يومئذ أبو العباس الضبي المتلقب بالكافي الأوحد وأبوعلي بن حمولة المتلقب بأوحد الكفاءة،‏ وبينهما أشد عداوة، فبسط أبوعلي بن حموله يده في اطلاق الأموال واستمالة الرجال، فمالت قلوب الجند إليه، ووقعت أهواؤهم عليه، المتقدمة.

الأحداث التي جرت مع الوزير أبو العباس الضبي وأبو علي بن حمولة:

استمر أبو العباس الضبي وأبو علي بن حمولة في تولى مهام الوزارة بعد وفاة الأمير فخر الدولة في سنة (387 هجري)، لابنه مجد الدولة. ثم تطلب الأمر خروج أحدهم على رأس جيش لمُحاربة أحد الخارجين على الدولة، ولمّا كان كل واحد منهما لا يرغب في الخروج للقتال، حتى لا يستقل الآخر بالوزارة، فقد أُجريت القرعة بينهما، وخرج ابن حمولة بناءً على ذلك إلى الحرب.

احتاج الجيش البويهي فيما بعد إلى مدد عسكري من الريّ، فبعث ابن حمولة إلى أبي العباس الضبي من أجل ذلك، ولكن أبا العباس تهاون في أرسال الامدادات حتى يظهر عجز منافسه، مما ترتب علىيه هزيمة الجيش البويهي. ولمّا عاد ابن حمولة إلى الريّ، قبض عليه أبو العباس الضبي، وسجنه في إحدى القلاع، ثم أنفذ إليه من قتله، وانفرد بالوزارة.

يتضح مما تقدم أن تجربة اسناد الوزارة إلى وزيرين لم تكن ناجحة بل على العكس كان لها آثار سيئة، نذكر من بينها تلك الحروب التي نشبت بين الأخوة الثلاثة صمصام الدولة وشرف الدولة وبهاء الدولة نتيجة لتنافس وزيريّ صمصام الدولة أبي القاسم العلاء بن الحسن وأبي الحسن أحمد بن برمويه، ورغبة كل واحد منهما في التخلص من الآخر بأي ثمن. ليس هذا فحسب بل أن الأمير صمصام الدولة نفسه فقد بصره في أثناء تلك الحروب، وكان يقول: (وما أعماني إلا العلاء لأنه أمضى في حكم سلطان قد مات).

ويلاحظ أن الأمراء عضد الدولة وصمصام الدولة وبهاء الدولة وفخر الدولة أسند كل واحد منهم الوزارة إلى شخصين مرة واحدة فقط خلال سنوات حكمه، ولم يحدث أن كرر واحد منهم هذه التجربة، وهذا دليل على عدم نجاحها. هذا فضلاً عن أن الأمراء البويهيين الذين تعاقبوا على السلطة بعد وفاة الأمير فخر الدولة لم يستوزروا إلا وزيراً واحداً، ويبدو أن هذا كان لاقتناعهم بعدم جدوى تكرار تجربة ثبت فشلها.


شارك المقالة: