إسهامات طرق التقييم السريع لتيسير عمل الباحثين في الأنثروبولوجيا

اقرأ في هذا المقال


يتناول هذا المقال إسهامات طرق التقييم السريع لتيسير عمل الباحثين في الأنثروبولوجيا بدايةً من تعريف المدخل إلى ملخص إسهاماته.

تعريف طرق التقييم السريع في الأنثروبولوجيا:

يحمل هذا المدخل ثلاثة أحرف كاسم له هي .P. A. R وهي اختصار لعبارة “طرق التقييم السريع Procedures Assessment Rapid” وقد استخدمه أصحابه أو المتحمسون لتطبيقه في مجالات التغذية والرعاية الصحية الأولية حيث استخدموا بعض أدوات البحث الأنثروبولوجي في تقييم برامج الرعاية الصحية من أجل تحسين فعاليتها وتأثيرها في العديد من المجتمعات.

وقد تعاونت جهود عدد من الباحثين الأنثروبولوجيين لتقديم الصورة الحالية لهذا المدخل الجديد بدأتها في سنة ١٩٨١ عالمة الأنثروبولوجيا سوزان سكريمشو Scrimshaw Susan التي قدمت تطويراً ومجموعة أساسيات منهجية خاصة بالمقابلة، وذلك لاستخدامها في بحث عن أنماط تغذية الأطفال الرضع تابعة لوكالة الولايات المتحدة الأمريكية للتنمية الدولية.

وتم تطبيق هذا المنهج في جواتيمالا في ١٩٨٣ على يد مؤسسته وتخلله ورشة عمل في ديسمبر ١٩٨٣ بجنيف بسويسرا تولته جامعة الأمم المتحدة .U. N . U واليونسيف في سبيل تنمية مناهج لدراسة تأثير برامج الرعاية الصحية الأولية، والعلاقة بين المستخدمين والممولين. وتم نشر المدخل بعد التنقيحات الجديدة في ١٩٨٤ وتم اختباره في صورته الجديدة في أبحاث عن مرض الإسهال، والأمراض المعدية، وعن تقييم بعض برامج التنمية والرعاية الصحية.

كما أقيمت ورشة عمل حول فعالية استخدام هذا المدخل في أبحاث عن “بقاء الطفل”، وذلك في معهد التغذية في أميركا في الفترة من ١-٦ يوليو سنة ١٩٨٩ وقد شارك علماء الأنثروبولوجيا في جميع جلساتها.

وعلى الرغم من كل التنقيحات، والتوصيات إلا أن المدخل الذي أعرض له مازال في مرحلة التنقيح، ومن هنا يستطيع كل باحث مدقق أن يضيف إليه حتى يكون أكثر ملاءمة وفقاً لموضوع البحث، وظروف المجتمع محل الدراسة.

ملحص إسهامات طرق التقييم السريع لتيسير عمل الباحثين في الأنثروبولوجيا:

وتتلخص إسهامات المدخل في أنه يقدم خطوات للعمل لتيسير عمل الباحثين في الأنثروبولوجيا، تستخدم فيها أدوات البحث الأنثروبولوجي، ويتم إنجازها في وقت قصيرمن ٤-٨ أسابيع يمكن أن تمتد أحياناً لفترة أطول. فهو مدخل لدراسة موضوع واحد، في مجتمع واحد، أو مجتمعات محلية قليلة، أو هو لتقييم جدوى برامج الرعاية الصحية.

فلا تقتصر الاستفادة منه على ميدان الأنثروبولوجيا، وإنما تمتد لتشمل المشتغلين في مجالات الرعاية، والخدمات الصحية، وبالتالي فإن تطبيقه غير قاصر على الحاصلين على درجات علمية في الأنثروبولوجيا، وإنما يستطيع استخدامه من يملكون بعض المهارات التنظيمية، والقدرة على تنمية الإحساس بالألفة من الإخباريين، والقدرة على تسجيل أقوالهم بمهارة، ونقل وجهات نظرهم، معتقداتهم وسلوكهم.

ورغم التسليم بأهمية تلك القدرات التي يجب أن يتصف بها الباحث، إلا أنها غير كافية على الإطلاق، فإنجاز بحث متعمق في فترة قصيرة كهذه، يقتضي أن يتلقى الباحث قدراً كافياً من التدريب، بحيث تكون له خبرات ميدانية وخلفية علمية تكفل له إنجاز العمل بدقة، وسرعة في آن واحد.

وعلى سبيل المثال فإن بحث أنماط عمالة المرأة الذي سبقت الإشارة إليه قد استغرق الإعداد له على مستوى عالمي عامين كاملين، كما استغرق جمع المادة الميدانية في مجتمعات نحو سنة ونصف إلى جانب ستة أشهر أخرى لكتابة التقرير، وهي فترة طويلة نسبياً.

وقد أقر القائمون على بحث جهاز تنظيم الأسرة والسكان بالاشتراك مع جامعة كورنيل بالولايات المتحدة أن البحث رغم قصر المدة التي استغرقها إلا أنه بفضل الحبكة المنهجية، وخبرات العاملين فيه، وفي إطار تقييم المشاريع التي تمت يعد بحق دراسة متعمقة.

إن هذا البحث هو خير مثال يوضح إمكانية التطوير المنهجي، وإنجاز مثل هذه الدراسات المتعمقة في أوقات قصيرة نسبياً، وإن كان يشير فى نفس الوقت إلى أهمية التدريب والخبرة الميدانية التي يجب أن يلقاها الباحث سواء في مجال الأنثروبولوجيا، أو أي من العلوم الأخرى كل حسب خبراته.

وتدعيماً لهذا الرأي، فقد التقى علماء الأنثروبولوجيا في اللقاء السنوي للأنثروبولوجيين الأمريكيين الذي عقد في مدينة واشنطن في نوفمبر ١٩٨٩ بباحثة تعمل في أحد المجالات الطبية، استخدمت هذا المدخل، واستعانت بباحثين ميدانيين ينقصهم التدريب الكافي، والخبرة الميدانية، وقد أثر ذلك على ما تم جمعه من بيانات وبالتالي عما توصل إليه البحث من نتائج.

والجدير بالذكر أن هذا المدخل قد جمع بين بعض الطرق الكيفية والكمية في جمع البيانات حيث يتم ذلك وفقاً لنمط البيانات المطلوبة، ووفقاً لموضوع البحث. فإذا كان بحث ما يركز على دراسة انتشار ظاهرة معينة فإن ذلك يتطلب إجراء المسح الاجتماعي، بينما بحث آخر عن كيفية أداء ممارسة معينة أو نشاط معين لا يتم إلا من خلال الملاحظة.

واستكمالاً للحديث حول إسهامات المدخل، فإن العديد من الأبحاث وبرامج الخدمات الاجتماعية والصحية قد قدمت وطبقت دون اختبارات نقدية كافية للظروف المحلية، وللأفراد المستفيدين من تلك البرامج. ومن هنا يمكن لهذا المدخل أن يساعد في تقييم تلك الأبحاث والبرامج وتحسين جدواها.

وقد قامت سكريمشو بالفعل سنة ١٩٨٤ باستخدام المنهج في ١٦ دولة هي “كينيا، ونيجيريا، وبيرو، وهايتي، وشيلي، ونيبال، وبنجلاديش، وآوريا، وباكستان، والفلبين، وتايلاند”، حيث تمت دراسة ٤٦ مجتمعاً محلياً. فاتضح على سبيل المثال أن ضعف مستوى الخدمات الصحية الحكومية يعد معوقاً للاستفادة من تلك الخدمات في غالبية المجتمعات المدروسة.

كما اتضحت الحاجة إلى تحسين العلاقات بين المرضى والأطباء في تلك الدول. وعلى مستوى أكثر عمومية يمكن لهذا المدخل أن يسهم في الوصول إلى تعميمات فبلد مثل نيجيريا تضم جماعات قبلية مختلفة، وفي هذه الحالة يمكن القيام بتطبيق هذا المدخل في مجتمع محلي واحد على الأقل من كل جماعة.

الجدير بالذكر أن اليونيسيف قد اهتمت بتدعيم وتمويل تنمية استخدام RAP كمدخل لتحسين فعالية البرامج الصحية وقد تم تطبيقه في مصر حيث بدأ العمل في أكتوبر ١٩٨٨ وتم الانتهاء من جميع البيانات في الأسبوع الثالث من ديسمبر نفس العام. وقدمت خريطة ثقافية تضم بعض المعتقدات والسلوكيات الخاصة ببعض المجتمعات المحلية، وبعض مقدمي الرعاية الصحية، وذلك للمساعدة في تحسين جدوى تلك البرامج.

وإذا اعتبرنا RAP مدخلاً جديداً لتقييم الأبحاث وبرامج الرعاية الصحية، فإنه يهدف بالتالي إلى التعرف على المشكلات الصحية وضبطها أو منعها، وتحسين خدمات التغذية وصحة الطفل، وتنظيم الأسرة، وتجنب الأمراض المعدية، وتقديم العلاج المناسب للأمراض، وتنمية الصحة العقلية، وتقديم الدواء المناسب.

ومن هنا كان هناك اهتمام واضح بتصميم أدلة لجمع المادة على ثلاث مستويات هي المجتمع المحلي، ووحدة المعيشة ومقدمو الرعاية الصحية الأولية. وهي أدلة تخدم البحث وتنظم عملية جمع البيانات فهي تضم خطوطاً عامة لموضوعات البحث، وأسئلة لا يتم استخدامها حرفياً.

ويتم تسجيل البيانات ليس في الدليل نفسه في صفحات منفصلة وفي ملاحظات ميدانية. ويجب أن يضم الدليل أجزاء خاصة بالخلفية الاجتماعية للأفراد في مجتمع البحث، وهكذا فإن الدليل على هذا النحو يحمل نفس خصائص أدلة العمل الميداني التي نستخدمها في أبحاثنا، ولا يحمل أي إضافة.


شارك المقالة: