اعتلاء بني العباس السلطة

اقرأ في هذا المقال


اعتلاء بني العباس السلطة:

كان أبو مسلم على اطلاع دائم بما كان يجري في العراق عن طريق مندوبه السياسي أبي الجهم بن عطية؛ الذي رافق جيش قحطبة وكانت له هيمنة على القوى المسلحة. وقد اعترف به أبو سلمة الخلال وأقرَّه في منصبه السياسي هذا. أما أبو سلمة فقد كان مسؤولاً عن الكوفة بوصفه (وزير آل محمد) وهو منصب ولقب استحدثا حديثاً.

ونستنتج من طبيعة المهام التي كان يمارسها والمسؤوليات الملقاة على عاتقه فى هذه الفترة، أنه كان صاحب الأمر والنهي. وقد اعترف بسلطته هذه جميع أنصار الثورة لكن سيطرته على الجيش لم تكن كاملة وقد بقيت في يد أبي الجهم. وبعد سيطرة أنصار الثورة على الوضع في العراق حان الوقت لاختيار الشخص من آل محمد الذي أعلنت الثورة باسمه وكان اسم إبراهيم الإمام هو الشائع. لكن هذا التداول كشف عنه الغطاء وسهّل لبني أمية اكتشاف الصلة بينه وبين الثورة.

لذلك قبض عليه مروان الثاني وسجنه في حرّان، ثم قتله في شهر محرم عام (‎132‏ هجري)/ شهر أيلول عام (749 ميلادي) وتؤكد الروايات أن الإمام إبراهيم نعى نفسه إلى أهل بيته أثناء القبض عليه وأوصى إلى أخيه أبي العباس عبد الله بن محمد وجعله الخليفة بعده وأمرهم بالمسير معه إلى الكوفة، وأخبر أصحابه قبل موته بهذا الاختيار.

وعندما وصل آل العباس إلى الكوفة؛ بعد دخول جيش الثورة إليها، أنزلهم أبو سلمة في دار الوليد بن سعد مولى بني هاشم وأمرهم بالاختفاء. وكتم أمرهم عن جميع القادة نحواً من أربعين ليلة ورفض أن يدفع لهم نفقات الانتقال وكتب في الوقت نفسه إلى زعماء آل البيت من بني علي بن أبي طالب يعرض عليهم إمارة المؤمنين بشروط محددة. والراجح أنه عزم على تحويل الأمر إلى آل علي عندما بلغه خبر موت الإمام إبراهيم بن محمد؛ لكن هؤلاء اعتذروا عن قبول الدعوة.

يبدو أن وزير آل محمد لم يأخذ وصية الإمام إبراهيم لأخيه أبي العباس مأخذ الجد، أو على الأقل فإنه لم ير أن أبا العباس هو أصلح الهاشميين لتولي إمارة المؤمنين. لكن مما لا شك فيه أن هذا الرجل كان واقعاً تحت ضغط الأحداث المتعددة الاتجاهات كان أشهرها والاتجاه الخراساني والاتجاه القومي الفارسي المقنع‎٠‏ فكان عليه أن يختار شخصاً مقبولاً من كافة الأطراف؛ خاصة وقد بدا الفرق واضحاً في وجهات النظر بين الاتجاهين الأولين بشأن صلاحياته.

ويفهم من تحولة إلى آل علي، أنه استنتج من خلال الظروف السياسية المحيطة به ومن توقعاته للمستقبل أنه قد لا يحقق تطلعاته السياسية في ظل الحكم العباسي. ويبدو أنه كان يمثل بعض الزعماء الخراسانيين الفرس ذات الاتجاه القومي المقنع، فأراد أن يُحوّل الأمر إلى الطالبيين، بحيث يكون له الفضل في نقل السلطة إليهم طمعاً في تحقيق أهدافه المتمثلة في إحياء الأماني القومية للفرس.

ونتيجة لهذا الاختلاف في النظرة؛ ظل أبو سلمة زهاء شهرين منهمكاً في البحث عن الرضا من آل محمد يكون مقبولاً من الجميع من جهة؛ ويرضى وجود الشخص الذي يقبل بهذا العرض من جهة أخرى؛ لذلك كان رفض زعماء آل البيت يصب في هذا الاتجاه. وأخيراً فرضت الخرسانية مرشحها العباسي، أبا العباس عبدلله بن محمد أميراً للمؤمنين فبويع له بالخلافة يوم الجمعة الثاني عشر من شهر بيع الآخر عام (132 هجري)/ شهر تشرين الأول عام (749ميلادي).

والجدير بالذكر‎ في هذا المقام أن تاريخ خلافته يبدأ بعد مقتل مروان الثاني آخر الخلفاء الأمويين لثلاث بقين من شهر ذي الحجة من العام الهجري المذكور، الموافق لشهر تموز عام (750ميلادي) وهو تاريخ قيام دولة الخلافة العباسية. ولم يكن أمام أبي سلمة الذي تمّ الأمر دون علمه إلا أن يقبل بالأمر الواقع مبرراً موقفه أمامهم “إني‏ إنما كنت أدبر استقامة الأمر وإلا فلا أعمل فيه شيئاً”. ويبدو أن أبا مسلم قد استُّشير في الأمر قبل حدوثه ووافق عليه بدليل أن مندوبه السياسي أبا الجهم قام بنشاط ملحوظ في اختيار أبي العباس.


شارك المقالة: