الآثار العملية والسياسية لعلاقة العمر بالجريمة

اقرأ في هذا المقال


سلط الجدل الدائر حول العلاقة بين العمر والجريمة الضوء على بعض الآثار العملية والسياسية، وغالبًا ما يتم تقييم سياسات العدالة الجنائية القائمة فيما يتعلق بآثار منحنى السن والجريمة، فعلى سبيل المثال تم انتقاد استراتيجيات مثل قانون الإضرابات الثلاثة (والذي بموجبه يُطلب من المحاكم إصدار حكم بالسجن الإلزامي على الجناة الذين أدينوا بارتكاب جنايات ثلاث مرات أو أكثر) في ذلك، وفي الوقت الذي تكون فيه عقوبة يتم تنفيذ الإضراب الثالث، ومن المرجح أن يكون الجاني في نهاية حياته المهنية الإجرامية وسيخرج من المشاركة الإجرامية بغض النظر عن شدة العقوبة، وتنشأ قضايا أخرى فيما يتعلق باستراتيجيات الحد من الجريمة المناسبة التي ينطوي عليها منحنى السن والجريمة والتنبؤ بالاتجاهات المستقبلية لمعدلات الجريمة.

استهداف المشاركة مقابل التكرار في الجريمة

إن مشاكل الجرائم الشائعة تحدد كل اختصاص قضائي فيما يُصنف على أنّه جريمة، وستغطي معظم قوانين القانون الجنائي عدة آلاف من الجرائم التي تتراوح من القصر (مثل عدم الدفع مقابل الركوب في وسائل النقل العام أو تناول الكحول في مكان عام) إلى الجرائم الكبرى (مثل القتل والاعتداء الجنسي والاتجار بالمخدرات)، وهذا يعني أنّه غالبًا ما يتعين اتخاذ قرارات بشأن الجرائم التي قد نسعى إلى منعها، وقد يؤدي هذا إلى تخصيص الاهتمام والموارد لأنواع معينة من الجرائم بدلاً من الأنواع الأخرى، وقد تكون هناك مواقف يكون فيها هذا الأمر إشكاليًا.

قد تختلف أسباب الجريمة حسب الجرم والجاني والسياق، وقد تكون بعض الجرائم بدافع الحاجة مثل سرقة الطعام، وقد يكون الجشع دافعًا للآخرين مثل الاحتيال للحصول على ثروة وأصول أكبر، والبعض الآخر قد يكون له دوافع سياسية مثل الكتابة على الجدران المناهضة للحكومة، ويبرهن التمييز بين المشاركة والتكرار في الجريمة الذي تم إبرازه في نقاش المهن الجنائية على أنّه أحد الاعتبارات المهمة لسياسة الجريمة، فقد جادل هيرشي وجوتفريدسون بأنّ البرامج التي تستهدف خفض معدلات المشاركة (أي تقليل نسبة السكان المنخرطين في السلوك الإجرامي) سيكون لها أكبر تأثير على معدلات الجريمة، ولقد دافعوا عن برامج التدخل المبكر على وجه الخصوص.

كما اقترح فارينجتون أيضًا أنّه نظرًا لأنّ منحنى السن والجريمة الإجمالي يمثل الاختلافات في المشاركة بالجريمة، فإنّ أفضل استراتيجية للحد من الجريمة هي منع ظهورها من خلال الاستثمار في برامج التدخل المبكر، واقترح بلومشتاين وزملاؤه أنّ هذه ليست سوى طريقة واحدة لتقليل الجريمة، ويتمثل النهج الثاني في تقليل تواتر الجرائم بين المجرمين النشطين، مما قد ينطوي على مزيد من استراتيجية العدالة الجنائية.

أيضًا جادل هؤلاء المؤلفون بأنّ هناك مجموعة صغيرة من المجرمين ذات معدل تكرار مرتفع للإجرام ومنحنى ثابت نسبيًا ومستقر للعمر والجريمة، ويمكن التوصية باستراتيجية مثل العجز الانتقائي، والتي تهدف إلى تقليل وتيرة الجرائم بين هؤلاء المجرمين المزمنين، ومع ذلك يعتمد العجز الانتقائي على افتراض أنّه يمكن التعرف على هؤلاء المجرمين المرتبطين بعمر محدد بشكل موثوق قبل أن يتورطوا في عدد كبير من الجرائم وهو أمر ثبت أنّه احتمال صعب، ولم يجادل بلومشتاين وزملاؤه في الصعوبات في تحديد هؤلاء المجرمين المهنيين ولكنهم اقترحوا أن يظلوا موضوعًا صالحًا للتحقيق الجنائي.

التنبؤ بمعدلات الجريمة

أصبح العمر أيضًا عاملاً رئيسيًا في تفسير التغيرات في معدلات الجريمة بمرور الوقت، وفي التنبؤ باتجاهات الجريمة في المستقبل، ولأي سبب نظري خلص العلماء إلى أنّ منحنى العمر والجريمة يعكس التغيرات في انتشار الجريمة بين فئات عمرية معينة، ومن المنطقي إذن أن يؤدي تغيير أعداد المراهقين والشباب في السكان إلى إحداث تغييرات مقابلة في معدلات الجريمة، ويوفر هذا فرصة محتملة للتنبؤ بالتغيرات في اتجاهات الجريمة بناءً على التوزيع العمري للسكان.

سياسة التغييرات الديموغرافية وعلاقتها بالجريمة

أشارت بعض الأبحاث إلى أنّ معدلات الجريمة المتزايدة بشكل كبير خلال الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي تُعزى جزئيًا على الأقل إلى التغيرات الديموغرافية في الهيكل العمري للسكان، وأشار ستيفنماير وهرير أيضًا إلى أنّ الانخفاض في الجريمة خلال النصف الأول من الثمانينيات يرجع جزئيًا إلى انخفاض عدد المراهقين، وخلال هذا الوقت كان عدد كبير من الأطفال من مواليد الأطفال يخرجون من أكثر السنوات عرضة للجريمة (أي الشيخوخة خارج الجريمة).

ومع ذلك لاحظ مارفيل ومودي أنّه على الرغم من أنّ التوقعات تشير إلى حدوث انخفاض هائل خلال الثمانينيات مع تقدم عمر المواليد، إلّا أنّ الانخفاض حدث فقط في النصف الأول من العقد، ثم ارتفعت معدلات الجريمة مرة أخرى إلى مستويات قياسية في أوائل التسعينيات حتى مع انخفاض حجم السكان المراهقين، وعلى الرغم من هذا الالتباس والتعقيد الواضح في استخدام العمر للتنبؤ بمعدلات الجريمة فإنّ معدلات الجريمة المتدنية خلال التسعينيات تُعزى إلى حد كبير إلى انخفاض عدد الشباب.

التغييرات الاجتماعية المرتبطة بالجريمة

في عام وجد ستيفنماير وهرير أنّ التغييرات في التكوين العمري للسكان لا يبدو أنّها تفسر التغيرات في معدلات الجريمة، كما تم قياسها بواسطة كل من تقارير الجريمة الموحدة والمسح الوطني لضحايا الجريمة، ولم يجد بحوث فيليبس الوطنية (Phillips’s cross-national research) أي علاقة حقيقية بين حجم السكان الشباب ومعدلات الجريمة، والأهم من ذلك وجدت أنّ العلاقة بين النسبة المئوية للشباب في السكان والقتل تتضاءل عند وجود ظروف اجتماعية أخرى مسببة للجريمة (مثل ضعف السيطرة الاجتماعية والحرمان الاقتصادي المرتفع).

كما جادل العلماء أنه لا ينبغي استخدام التغييرات الديموغرافية للتنبؤ باتجاهات الجريمة؛ لأنّ العلاقة بين العمر والجريمة قد لا تكون قوية بما يكفي لتبني التنبؤات عليها وقد تكون القوى الإجرامية الأخرى أكثر أهمية، وعلى الرغم من التعقيد الواضح لهذه العلاقة يواصل العلماء ووسائل الإعلام الشعبية التنبؤ باتجاهات معدلات الجريمة بناءً على الهيكل العمري للسكان، ففي عام 1996 على سبيل المثال أشار فوكس إلى القنبلة الديموغرافية الموقوتة للجريمة والعنف المرتبط بتزايد عدد المراهقين والشباب المتوقع حتى عام 2010.

وقد ورد عن هذه الاقتراحات السابقة بأنّ موجة جديدة من الجرائم سوف تغذيها موجة جديدة كبيرة وجيل من المفترسات الخارقة، وبحلول عام 2005 كان من المتوقع أن يصل عدد المراهقين إلى أكبر حجم له منذ ثلاثة عقود، ومع ذلك انخفضت معدلات الجريمة بشكل كبير خلال عقد التسعينيات وظلت منخفضة في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، ولخص مارفيل ومودي هذه الصعوبة من خلال استنتاجهما من استعراضهما لـ 90 دراسة أنّ: “علاقة العمر بالجريمة بعيدة كل البعد عن التثبت -أي الثبات والاستقرار والقدرة على التنبؤ بها-“، مما حد من فائدتها في التنبؤ باتجاهات الجريمة في المستقبل بناءً على التوزيع العمري للسكان.


شارك المقالة: