الأنثروبولوجيا البصرية أو (المرئية) علم حديث نسبياً من علوم التخصص الأنثروبولوجي. وموضوعها واسع ومتنوع كل التنوع، حتى وإن عبرنا عنه تعبيراً بسيطاً، وقلنا إنها تتناول بالدراسة البعد البصري للفعل البشري، كما تتضمن تطوير الأدوات البصرية التي تزداد كل يوم دقة وتعقيد، وذلك بهدف توظيفها في البحث الأنثروبولوجي، وفي تعليم الأنثروبولوجيا للطلاب، وكذلك استعمال منتجات الأنثروبولوجيا البصرية من صور وأفلام وغيرها في التبادل الثقافي.
الأنثروبولوجيا البصرية ميدان بحثي جديد:
هذه الاعتبارات جميعاً استطاعت بحوث الأنثروبولوجيا البصرية أن تبلغ مستوى ناضجاً من النمو والاستقلال داخل ميدان الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية. حيث أخذ هذا النضوج مجموعة من الرموز ذات المعنى مثل تخصيص قسم خاص بها في إطار الجمعية الأنثروبولوجية الأمريكية، وظهور مجلات علمية متخصصة في الأنثروبولوجيا البصرية فقط، وأصبحت تعقد لها مؤتمرات خاصة بها، وفي مواعيد منتظمة.
كما تزايدت أعداد الطلاب الذين يتخصصون في دراستها وفي إجراء بحوثهم عنها. لكن المشكلة أن الأنثروبولوجيا البصرية تعاني، مثلها مثل سائر فروع الأنثروبولوجيا الأخرى، من ظاهرة يمكن أن تكون ميزة لأى علم آخر، وأعني بها اتساع ميدانها، وكثرة الموضوعات التي أنيطت بها اليوم، والسعي الدائب نحو الاهتمام بكل ما يدخل في نطاق اهتمامها ويكفي أن نذكر هنا أن الأنثروبولوجيا البصرية أصبحت تربط عدة ميادين ببعضها البعض مثل أنثروبولوجيا الفن.
واستخدام التصوير الفوتوغرافي، والفيلم الإثنوجرافي (التسجيلي) في الأنثروبولوجيا، وكذلك ميدان أنثروبولوجيا الفراغ، أي دراسة الاستخدام الثقافي الاجتماعي للفراغ، ودراسة الإدراك البصري والرمزية البصرية من منظور مقارن.
الأنثروبولوجيا نفسها هي عملية تصوير:
ويذهب كل من بانكس ومورفي في كتابهما عن الأنثروبولوجيا البصرية إلى أن الأنثروبولوجيا نفسها هي عملية تصوير، تقوم بعملية الترجمة الثقافية وعرضها سينمائيا. إذ تصور ثقافة معينة أو قطاعاً معيناً من المجتمع لجمهور أنثروبولوجي، يضم هو نفسه أفراداً ذوي خلفيات ثقافية مختلفة، أو لوجية ينطلقون في حياتهم من أسس ومبادئ ورؤى مختلفة.
من هنا فإن فهم طبيعة عملية التصوير الثقافي المقارن (أو عبر الثقافات) يمثل عنصراً متكاملاً كل التكامل مع الأهداف العامة للعلم الأنثروبولوجي. من هنا بدأ الأنثروبولوجيون مؤخراً فقط في تمحيص المفاهيم البصرية والتصور البصري بكل دقة سواء داخل الثقافات التي يقومون بدراستها، أو على مستوى نقد وتدقيق أدوات البحث.
من هذا قيام بعض العلماء بفحص استخدام الصور الفوتوغرافية والفيلم الإثنوجرافي كأدوات بحثية من ناحية، وكأدوات تعليمية من ناحية أخرى. واتجه مزيد من الاهتمام إلى اختبار ما إذا كانت تلك الوسائل تنقل رسائل ضمنية بشأن الموضوع الذى تصوره. كما تساءل العلماء عما إذا كنا دون أن نعي ومن خلال فرض أسلوبنا في الترتيب البصري والتتابعي نعمل في النهاية على تشويه مفاهيم الثقافة التي نحاول أن نقدمها للآخرين.
ومن التطورات المهمة في هذا الصدد ورغبة في تجنب تلك العيوب تدريب الإخباريين على استخدام معدات التصوير السينمائي والفوتوغرافي لإتاحة الفرصة لهم للتعبير من خلال هذه الوسائل عن تصورهم لترتيب واقعهم الخاص، وهو ما تجلى في وسائل العرض البصري للمادة الأنثروبولوجية.