الأوضاع الداخلية في عهد الرشيد:
العلاقة مع الطالبيين:
طلب الرشيد في عهد حكمه، أن يخفف عن الطالبيين عن طريق الرأفة بهم بعد سياسة خليفة الهادي المتضررة تجاههم، فمال وخفف إلى التساهل والتعاطف معهم، وبذل لهم الأمان ورفع الحجر عمن كان منهم في بغداد وأعادهم إلى المدينة، باستثناء العباس بن الحسن بن عبد الله وعزل والي المدينة الذي اضطهده.
لكن الطالبيين لم يتقيموا في اعتقادهم الثابت في بحقهم بالخلافة ولم يتوقفوا لكن كافحوا في سبيل الوصول إليها. وبسب ذلك، لم يدُم السلام بين الجانبين العباسيين والطالبيين وثم عاد بعد ذلك صراعاً عنيفاً بينهما. كانت موقعة فخ بعيدة الأثر، فقد نجا منها اثنان من زعماء الطالبيين هما إدريس بن عبد الله بن الحسن وقد ذهب إلى إفريقية، وأخوه يحيى الذي يمّم وجهه شطر بلاد الديلم في المشرق.
أما إدريس فقد لبِثَ في منطقة طنجة وهو بالمغرب الأقصى، وحظي باستقبال البربر حوله وأقام لنفسه دولة مستقلة هي دولة الأدارسة وهي أول دولة طالبية تنفصل عن جسم الخلافة العباسية. هدّدت هذه الدولة النفوذ العباسي في شمالي إفريقية، لذلك قرّر الرشيد القضاء عليها. إنما تردّد في إرسال جيش بفعل بُعد المسافة وخشيته من امتداد نفوذ إدريس إلى مصر وبلاد الشام إن هو تغّلب على الجيش العباسي وبالتالي القضاء على دولة الخلافة العباسية.
فلجأ عندئذ إلى الحيلة ليتخلص من إدريس، ووقع اختياره على رجل مشهور بالدهاء هو سليمان بن جرير المعروف بالشماخ، فاستخدمه لاغتياله وفعلاً تمكن هذا الرجل، من قتل إدريس بالسم في عام (177 هجري)/(793 ميلادي). ويبدو أن موته لم يقضِ على دولة الأدارسة، فقد كان متزوجاً من أمة بربرية حملت منه، فانتظر أتباعه حتى وضعت وكان مولوداً ذكراً، فأسموه إدريس.
ولما بلغ الحادية عشرة من عمره ولاّه البربر أمورهم وبايعوه بالخلافة. وأضحى المؤسس الحقيقي لدولة الأدارسة فى المغرب. ولما ازداد خطر هذه الدولة، أقطع الرشيد إبراهيم بن الأغلب ولاية إفريقية ليقف في وجهها. وأما يحيى، فقد اشتدت شوكته في بلاد الديلم، وقوي أمره، بما التفَّ حوله من الأتباع ثم أعلن خروجه في عام (176 هجري)/(792 ميلادي) فهدّد سلامة الدولة، وأقلق بال الرشيد ومما أعطى حركته قوة، بُعد المنطقة التي خرج فيها عن بغداد ومناعتها الطبيعية.
وقد ثبت رأي الخليفة على القضاء على حركة يحيى، فندب الفضل بن يحيى البرمكي لهذه الغاية، الذي نجح في استمالته بعد أن حشره إثر انفضاض أتباعه من حوله فمال إلى الصلح، وكتب له الرشيد أماناً واستقبله في بغداد. ويبدو أن الخليفة لم يطمئن إلى نوايا يحيى وأدَّت الحاشية دوراً في إفساد العلاقة بينهما، فوضعه تحت رقابة الفضل بن يحيى. وقد أَثَّر يحيى عليه حتى أطلقه بدون علم الخليفة وذهب إلى الحجاز. ثم نُمِيَ إلى الرشيد أن يحيى يدعو إلى نفسه في الحجاز، فوافق ذلك ما كان في نفسه، فقبض عليه وسجنه ثم قتله.
أما الشخصية الأخرى التي قضت في عهد الرشيد، فهو الإمام موسى الكاظم بن جعفر. والواقع أن الرشيد كان يراقب تحركات الطالبيين في الحجاز، وقد علم بالتفاف الناس حوله وأنهم يحملون إليه خُمّس أموالهم وهذا يعني أنهم يعتقدون بإمامته، فقبض عليه وسجنه وتوفي في عام (183 هجري)/(799 ميلادي)، والراجح أنه قُتل.