الإطار النظري والمنهجي في دراسة الأسواق التقليدية في الأنثروبولوجيا الاقتصادية

اقرأ في هذا المقال


في هذا المقال سنتناول الإطار النظري والمنهجي في دراسة الأسواق التقليدية في الأنثروبولوجيا الاقتصادية وإطار الاستفادة من المنهج الأنثروبولوجي والتاريخي في دراسة الأسواق التقليدية وغيرها من المواضيع.

 الإطار النظري في دراسة الأسواق التقليدية في الأنثروبولوجيا الاقتصادية:

انطلقت الدراسة بداية من إطار وظيفي باعتباره من أكثر الأطر النظرية ملائمة لتناول الأسواق التقليدية كنسق كلي في الأنثروبولوجيا الاقتصادية، في محاولة للوقوف على بنائه ووظائفه والعلاقات القائمة بين الوحدات المكونة لهذا البناء. وقد أسفرت محاولة استقراء الواقع عن بعض النتائج التي لفتت الانتباه إلى أهمية الاستعانة ببعض مفاهيم وقضايا النظرية الماركسية إلى جانب بعض قضايا النظرية الوظيفية.

وقد ظهرت هذه الأهمية بصفة أساسية عند تحليل نظم الإنتاج التي تمثل أحد النظم الأساسية للسوق. من هذا المنطلق جاءت الاستعانة بالتحليل الماركسي، خاصة وأن هناك اتجاهاً لاستخدام هذا النموذج في بعض الدراسات، بعد أن ظل الاتجاه الوظيفي في الأنثروبولوجية الحديثة التي تهتم بمعالجة قضايا مشابهة هو الاتجاه المسيطر على الدراسات الأنثروبولوجية الكلاسيكية خلال فترة طويلة من الزمن. وهكذا تحدد الإطار النظري للبحث في إطار تكاملي يجمع ما بين التحليل الوظيفي والتحليل الماركسي.

منهج البحث في دراسة الأسواق التقليدية في الأنثروبولوجيا الاقتصادية:

نظراً لما تتميز به الأسواق موضوع الدراسة من واقع قابل للمعايشة والملاحظة، علاوة على أصولها التاريخية، فقد فرضت طبيعة الموضوع ضرورة المزاوجة بين المنهج الأنثروبولوجي الذي يسمح بملاحظة ومعايشة هذا الواقع بما يمكن من وصفه وتحليله إلى جانب المنهج التاريخي الذي يساعد على رصد البعد التاريخي للظاهرة.

انطلاقاً من أن الدراسات التي تخلو من المضمون التاريخي تميل إلى أن تكون دراسات استاتيكية أو محدودة النطاق تجري في وسط اجتماعي محدود، ولا تتاح فيها الفرصة لفهم التفاعل بين البناءات الاجتماعية الصغرى والأسباب العامة للظاهرة. وفي تلك الحالة يصبح من العسير فهم الظاهرة في وضعها الاستاتيكي دون الرجوع باستمرار إلى المادة التاريخية.

إطار الاستفادة من المنهج الأنثروبولوجي في دراسة الأسواق التقليدية:

في إطار الاستفادة من المنهج الأنثروبولوجي استخدمت الملاحظة كأداة أساسية في دراسة عدة جوانب أهمها: الخصائص الإيكولوجية للسوق، وما يحيوه من أسواق فرعية، والتوزيع الإيكولوجي لما يضمه من منشآت كالورش والمتاجر والمساكن التي تعلو الورش، وغير ذلك من المنشآت التي تقوم على خدمة هذه الأسواق، وتحقق لها قدراً من الاكتفاء الذاتي، وتطبعها بطابع المجتمع المحلي بما له من خصائص الإيكولوجية والاجتماعية.

كذلك شكلت الملاحظة أداة أساسية في دراسة أنماط التفاعل والعلاقات الاجتماعية داخل السوق. أفادت الملاحظة أيضاً في التعرف على التنوع الثقافي والطبقي لرواد السوق. كما مكنت من دراسة صور التكامل بين الورش والمتاجر وأساليب التبادل والمناداة والمساومة وأساليب جذب المستهلك، ونوعية السلع والبضائع ومستوياتها وطرق إنتاجها وعرضها.

كما استخدمت المقابلات المتعمقة بأنواعها الفردية والجماعية في دراسة أنماط العلاقات والروابط الاجتماعية، والقانون الذي يحكم العلاقات داخل السوق، وما طرأ على تلك الجوانب من تغيرات. وقد أجريت المقابلات مع الإخباريين الرئيسيين من العاملين بورش ومتاجر السوق.

كما أجري بعضها مع بعض رواد السوق من مستهلكين وتجار ووسطاء التجارة، الذين يحصلون على البضائع جملة من هذه الأسواق. كما اقتضت بعض البيانات إجراء مقابلات مع بعض موظفي الأجهزة المحلية والعاملين بإدارة التخطيط والمتابعة بالحي الذي تقع في نطاقه هذه الأسواق.

وقد رُكز في اختيار الإخباريين الأساسيين من العاملين بالسوق وجود بعض الشروط أهمها:

1- الانتماء للمدينة التي يوجد فيها السوق.

2- العمل بالسوق لفترة طويلة.

3- كما تمت مراعاة تنوعهم عمرياً بين كبار السن والشباب والصبية، حتى يمكن التعرف على الجوانب التاريخية والمعاصرة للظاهرة، ورصد ملامح التغير فيها.

4- كذلك تمت مراعاة تنوعهم وفقاً لتنوع الأسواق موضوع الدراسة، حيث شمل الاختيار إخباريين من كافة الأسواق الفرعية التي غطتها الدراسة الميدانية.

ومن خلال إجراء المقابلات مع الإخباريين الرئيسيين من العاملين بالسوق أثناء ساعات الراحة من العمل، وفي وسط النهار، حيث تنخفض كثافة رواد السوق. وفي أيام العطلات إذ تبين حرص أغلب أصحاب الورش والمتاجر على التواجد بالسوق خلال أيام العطلات، وبينما يضطلع الصبية والشباب بترتيب الورش والمتاجر وإعدادها لأسبوع جديد يقبع الكبار من التجار والحرفيين أمام الأسواق.

وقد استغلت هذه الأوقات لإجراء المقابلات المتعمقة ومداخل الورش والمتاجر كانت تتم بناءً على مواعيد تحدد معهم مسبقاً. كذلك هيأت فترات الركود ببعض هذه الأسواق الفرصة لامتداد المقابلات لساعات متصلة.

إطار الاستفادة من المنهج التاريخي في دراسة الأسواق التقليدية في الأنثروبولوجيا الاقتصادية:

أما المنهج التاريخي فقد أمكن من خلاله تتبع نشأة وتطور الأسواق موضوع الدراسة، والوقوف على أهم محددات وملامح التغير التي طرأت عليها عبر مراحل تاريخية مختلفة. وقد تمت الاستعانة في هذا الموضوع بالمراجع التاريخية والخرائط القديمة التي ألقت الضوء على مدى التغير الذي لحق بهذه الأسواق، خاصة فيما يتعلق باندثار بعضها أو انحساره أو اتساع بعضها على حساب الأخرى. كذلك شكل الإخباريون مـن كبار السن مصدراً أساسياً في الحصول على البيانات التاريخية التي لا تتوافر بشأنها مصادر مدونة.

وجاء استخدام طريقة دراسة الحالة مكملاً للمنهج التاريخي، باعتبارها من أكثر الأساليب المنهجية قدرة على دراسة ديناميات التغير، وقد أجريت دراسة الحالة على مستويين:

الأول، اعتبرت فيه مجموعة الأسواق مجتمعة وحدة كلية متكاملة للدراسة والتحليل، وذلك من حيث خصائصها الإيكولوجية والاقتصادية والاجتماعية.

الثاني، شكل فيه كل سوق على حدة وحدة أساسية لدراسة الحالة من حيث خصائصه وما طرأ عليه من تغير.

وفي إطار تناول السوق كمجتمع محلي تمت الاستعانة بطريقة دراسة المجتمع المحلي، وقد تم التناول وفقاً لثلاث من الطرق المنهجية التي تتضمنها هذه الطريقة وهي:

1- مفهوم الحيز.

2- التفاعل الفردي والاجتماعي.

3- تناول السوق من منظور الأنساق الاجتماعية.

وانطلاقاً من مفهوم الحيز تمت الدراسة الإيكولوجية للسوق التي شكلت الملاحظة والخرائط أساليب أساسية فيها. ومن مفهوم التفاعل الفردي والاجتماعي تمت دراسة أنماط التفاعل والعلاقات الاجتماعية داخل السوق، أما مفهوم الأنساق الاجتماعية فقد تم في ضوئه تناول السوق كنسق كلي مكون من عدة وحدات مترابطة بينها علاقات اعتماد وتساند وظيفي. وقد جاء استخدام هذه المفاهيم في مجموعها ترجمة لمفاهيم وقضايا الاتجاه الوظيفي.

أما عن الأداة المستخدمة في جمع البيانات فكانت عبارة عن دليل مفتوح، استخدمة كمرشد وموجه لعملية جمع البيانات. وقد اشتمل الدليل على خمسة محاور أساسية:

أولاً: احتوت محوراً خاصاً بالدراسة الإيكولوجية للسوق.

ثانياً: محوراَ خاصاً بالدراسة التاريخية، من حيث النشأة والتطور وأصل التسمية.

ثالثاً: كدراسة السوق كنسق اقتصادي.

رابعاً: السوق كنسق للروابط الاجتماعية وأشكال التفاعل الاجتماعي.

خامساً: محوراً اختص بدراسة محددات وملامح التغير.


شارك المقالة: