اقرأ في هذا المقال
الإقطاع السلجوقي وانعكاسه على الأحوال الاقتصادية:
لقد كان للإقطاع السلجوقي أثاراً مدمرة في الواقع الاقتتصادي للدولة العربية الإسلامية؛ لأنَّ هذا النظام أدى إلى تدهور الزراعة التي تُعتبر العمود الفقري لاقتصاد الدولة العربية الإسلامية آنذاك بسبب جهل المقطعين بأمور الزراعة وحرصهم على العائد المالي.
إنَّ تدهور الوضع الاقتصادي لدولة الخلافة الإسلامية كان إحدى النتائج الملموسة للنظام الأقطاعي السلجوقي الذي وصفه أحد الباحثين بأنه شؤم على الاقتصاد العربي الإسلامي. إنَّ هذا التدهور في الجانب الاقتصادي سببه الرئيس تحول الأمراء السلاجقة إلى المراكز الاقتصادية بعد أن كانوا زعماء القبائل في بلادهم وهم ممن لا خبره لهم بأمور الدولة خاصة بجوانب الاقتصادية فيها.
تضاؤل الإيرادات في الإقطاع السلجوقي:
لقد كان للأحتلال السلجوقي أثاراً على الاقتصاد العربي الإسلامي والذي أدى إلى فقدان مرتكزاته الأساسية، وقد تعددت تلك الآثار وظهرت في جوانب مختلفة يمكن تحديدها على الوجه الآتي:
تُعد الإيرادات الركن الاساسي في ميزانية الدولة العربية الإسلامية لأنها تمثل عنصر القوة لهيكل الدولة الاقتصادي التي يتساهم بشكل فعال في دعم ميزانيتها وقوة سياستها واستقرار أوضاعها من خلال المحافظة على توازن السوق المحلية، لقد أدى الإقطاع السلجوقي إلى حرمان الخلافة العباسية من إيرادات أقاليمها التابعة لها بسبب إقطاعها للعسكرين السلاجقة الذين استبدلوها وعدم إيفاءهم بالتزاماتهم المالية تجاه الحكومة.
إنَّ استيلاء السلاطين السلاجقة على مالية هذه الأقاليم أدى إلى زيادة المتاعب المالية للخلافة العباسية خصوصاً إنَّ هذه الأموال كانت تذهب إلى خزائن السلاطين السلاجقة والتي تنفق على حروبهم المستمرة وخاصة السلاطين الأوائل (طغرل بك، ألب ارسلان، ملكشاه)، التي كانت حملاتهم واسعة، وكانت تتطلب أموالاً طائلة للصرف عليها وما تحتاجه من المؤن اللازمة لها، فمثلاً عندما.
عاد السلطان طغرل بك السلجوقي من قتال البساسيري طالب الخليفة القائم بأمر الله (122 – 467 هجري)، بالأموال للإنفاق على الجند معللاً سبب ذلك (أنَّ معي جند كثير وجيش جرار متفرق في نواحيها فأرجو أن تبعث لي الأرزاق حتى استعين بها على النفقات التي ننفقها).
كانت نفقات الجيش السلجوقي عظيمة وكبيرة فقد ذكر صاحب أخبار الدولة السلجوقية أنَّ مقدار ما كان ينفق على الجيش السلجوقي عصر السلطان ملكشاه يزيد على ستمائة ألف دينار. إنَّ المتبع لتاريخ علاقة السلطة السلجوقية بالخلافة يجدها تتسم بالمطالبات المستمرة من الأموال.
إنَّ الإقطاعات العسكرية لم توزع على كل أفراد الجيش السلجوقي بل اختص بها كبار القادة والأمراء الذين حازوا على الإقطاعات الواسعة للإنفاق على القوات التي تحت إمرتهم، فقد كان السلاطين السلاجقة يحتفظون بقوات عسكرية مُلازمة لهم وكانوا يحصلون على رواتبهم نقداً وبانتظام. وكانت هناك مجموعة من القبائل التركمانية التي انظمت تحث لواء السلطان السلجوقي، وكان لزاماً على السلطان أن يؤمن أرزاق رؤوساء هذه القبائل وأفرادها من خلال تأمين رواتب لهم أسوة بالجنود الآخرين لأنها تمثل مصدر قلق واضطراب في حالة حرمانهم من تلك المرتبات.
يتبين من ذلك أنَّ السلطان السلجوقي مُلزم بتأمين المبالغ المالية للصرف في تلك الأوجه المختلفة، خصوصاً أنَّ إيرادات الإقطاعات قد اتجهت نحو الإنخفاض ولم تعد إيراداتها تفي بحاجة السلاطين السلاجقة الذين لجأوا إلى وسائل عديدة جلبت الدمار والخراب للاقتصاد الإسلامي.
ومن الملاحظ أنَّ السلاطين السلاجقة حرصوا على أنّ تكون لهم خزائن خاصة تودع فيها هذه الأموال وكانت مملوءة لا تفرغ رغم إسرافهم وتبذيرهم، فقد كانت خزانة السلطان ملكشاه تزيد على عشرين مليون دينار، وخزانة السلطان محمد بن ملشكاه بالرغم من كثرة حروبه كان يملك أكثر من ثمانية عشر مليون دينار نقد.
هذه الأموال كانت تُجبى بعدة وسائل لجأ إليها السلاطين السلاجقة وهي كالآتي:
1- الضمان: الضمان يعني الكفالة، ويتعهد الضامن للدولة بضمان إحدى المدن أو الأراضي التابعة لها بمبلغ معين متفق عليه، ويقوم بجباية خراجها ويكون الدفع سنوياً ويستفيد الضامن لها بالفارق المالي بعد تحديد حصة الدولة.
إنَّ نظام الضمان ليس وليد هذه الفترة بل كان موجود قبل احتلال السلاجقة ببغداد سنة (474 هجري)، واستمر بعد احتلالهم لها باعتباره مورداً مهماً يمُد خزينة السلطان السلجوقي بالأموال، وكان معظم الضامنين في هذه الفترة هم من طبقة التجار وأهل الغنى فقد ذكر ابن الجوزي أنَّ الوزير نظام الملك ضمن أصفهان بزيادة سبعين ألف دينار وسلمت إليه. وضمن التاجر أبو إسحاق إبراهيم بن علان جميع الضياع الواقعة بين واسط وصرصر، مدة سنة بمبلغ ستة وثمانون ألف دينار.
إنَّ معظم الضمانات التي حصلت كانت تقع ضمن الإقطاعات التي منحها السلطان السلجوقي، فيحصل استفادة لكل مقطع والضامن فيما يحصلان عليه من أموال. فقد أقطع السلطان بركياروق مدينة واسط لصدقة بن دبيس الذي قام بتنظيمها إلى مهذب الدولة بن أبي الخير صاحب البطيحة بخمسين ألف دينار لمدة سنة.
لقد استخدم الضامنون وسائل غير شرعية في جباية الأموال ومارسوا وسائل التعسف والقوة على الفلاحين، وكانوا يفرضون الضرائب والرسوم من أجل إبقاء مبلغ الضمان وبذلك خالفوا شرعية الضمان التي أقرها الفقه الإسلامي الذي اعتبر أنَّ أي زيادة في مبلغ الضمان فهو ربا، فقد أعاد أبو سعيد الفايني الضرائب عند عقد ضمان بغداد سنة (455 هجري).
وبذلك اشترك المقطع والضامن في أعمال نهب المزارعين وأثقالهم بالضرائب والتي انعكست على الواقع الاقتصادي للدولة العربية الإسلامية، لقد أصبح الضمان واحد من الأساليب التي هيأت للسلاطين السلاجقة الحصول على الأموال منذ دخولهم بغداد وأعطيت معظم مدن العراق والشام ضماناً.
ففي سنة (448 هجري)، أعطي السلطان طغرل بك البصرة والأحواز ضماناً إلى هزارسب بن بنكير بن عياض بمبلغ سنوي مقداره ثلاثمائة وستون ألف دينار. وأطلقت يده في جميع الإقطاعات والمعاملات بالبصرة خوزستان وأذن له في ذكر اسمه بالخطبة بهذه الأعمال.
ففي سنة (451 هجري)، أعطى السلطان طغرل بك واسط ضماناً إلى أبو علي بن فضلان بمائتي ألف دينار، وفي نفس السنة ضمنت البصرة إلى أبو سعد سابور بن المظفر لكن المصادر لم تذكر مقدار مبلغ ضمانة.
إنَّ ضمان المدن كان يدر على خزائن السلاجقة مبالغ نقدية كبيرة كانت تحفز السلاطين السلاجقة على ضمان كل مدينة بمبالغ معينة حتى أنَّ عاصمة الخلافة بغداد أعطيت بالضمان ففي سنة (452 هجري)، ضمنت من قبل أبو الفتح المظفر بن الحسين بمبلغ أربعمائة ألف دينار ولمدة ثلاث سنين.
وفي سنة (455 هجري)، أعيد ضمان بغداد لكل مبلغ أكبر من السابق فقد ضمن بغداد أبي سعيد القايني بمائة وخمسين ألف دينار، وذكر سبط ابن الجوزي أنَّ مدة ضمان بغداد كانت ثلاث سنين بمبلغ مقداره خمسمائة ألف دينار، وكذلك أعطيت واسط ضماناً إلى أبي جعفر بن صقالب بمائتي ألف دينار.
وأحياناً كانت تعطي أكثر من مدينة ضماناً إلى شخص واحد يتعهد بدفع المبلغ المرتب عليه، ففي سنة (459 هجري)، توفي ضامن البصرة أبو سعد سابور فتقدم هزارسب بضمان البصرة وواسط بمبلغ ثلاثمائة ألف دينار.
وكثيراً ما كانت الديون تتراكم على الضامن بسبب عدم دفعه الأموال المترتبة عليه للسلطان السلجوقي مثلما حدث لهزارسب الذي طولب سنة (458 هجري)، بدفع مبلغ ضمان البصرة خوزستان وأرجان منذ وفاة طغرل بك سنة (455 هجري)، ومقداره مليون دينار، وأخذت منه البصرة وأعطيت ضماناً إلى ابن علان اليهودي الذي كان صاحب أموال جمة وبقي فيها سنة (472 هجري)، وأعطيت البصرة ضماناً إلى خمارتكين الشرابي بمبلغ مائة ألف دينار ومائة فرس كل سنة.
وأعطى السلطان ملكشاه مدينة حلب ضماناً إلى مسلم بن قريش العقيلي بثلاثمائة ألف دينار. وضمن السلطان ديار بكر إلى عميد الملك أبو علي بمليون دينار لمدة ثلاث سنين. وابتزاز أموالهم والحصول عليها مثلما حدث لعماد الدين زنكي الذي ضمن للسلطان محمود أن يوصل له مائة ألف دينار حتى لا يعزل عن الموصل. وأعطيت مدينة الحلة ضماناً بمبلغ تسعين ألف دينار. لكن قيمة الضمانات في الحلة لم تكن ثابتة بسبب اضطراب الأوضاع السياسية فيها.
2- الضرائب: الضرائب في العهد السلجوقي قد زادت عن المعهود وخرجت عن المقرر وأصبحت غير قانونية. لقد لجأت السلطة السلجوقية من أجل تامين تلك المبالغ إلى الإقطاعيين السلاجقة الذين تولوا عملية جباية الضرائب مع الإستفادة بجزء منها فهم إقطاعين وجباة ضرائب في الوقت نفسه.
لقد امتازت الضرائب في فترة التسلط السلجوقي إنها ليست ثابتة وجبايتها تعتمد على أهواء لسلاطين السلاجقة، كما أنها ليست محددة فهي تفرض حسب حاجة السلطان السلجوقي للأموال وكانت ثقيلة، وقد عملت هذه الضرائب على تقليل أرباح التجار والصناع على حد سواء ناهيك عن التبعات الثقيلة التي تحملها والذين كانوا ملزمين أنّ يؤدوا المبلغ المقرر للضريبة التي كانت غير ثابتة.