لم يتغير وضع الإمارات كثيراً في مغرب الدولة الإسلامية، وإنما كانت استمراراً لِمَا حدث في عهد أسلاف المأمون.
الدولة الرستمية:
كانت دولة الخوارج الأباضيين في منطقة تاهرت تحت سُلطة عبد الوهاب بن عبد الرحمن بن رستم وقد مات عام (208 هجري)، وخلفه ولده أفلح بن عبد الوهاب، وما زال على حُكم هذه الدولة حتى عام (258 هجري)، أي إلى آخر أيام هذه الدولة.
دولة بني مدرار:
كانت دولة بني مدرار، وهم من الخوارج الصفرية، تحت حكم أبي المنصور اليسع بن أبي القاسم. وقد توفي عام (208 هجري)، وخلفه ابنه مدرار بن أبي المنصور، وتزوج أبنة عبد الرحمن بن رُستم مؤسس الدولة الرستمية الأباضية السابقة الذكر، وأنجب منها ولداً أسماه ميموناً، وعرف باسم ميمون ابن الرستمية وذلك لأن مدراراً كان له ولد آخر يحمل الاسم نفسه
(ميمون)، ومن زوجة ثانية اسمها (بقية) لذا قيل له ميمون بن بقية. وقد حدث خلاف بين هذين الأخوين فيما بعد
الدولة الأموية في الأندلس:
كان حاكم الأندلس أيام المأمون الحكم بن هشام بن عبد الرحمن الداخل، وهو المعروف بالربضي، وتولّى الحكم عام (180 هجري)، وبقي في الحكم حتى عام (206 هجري)، وخرج عليه عمّاه واستوليا على طليطلة وبلنسية، فحاربهم الحكم، واسترد البلاد التي استوليا عليها. واستغل النصارى في الشمال هذا الخلاف وهاجموا أرغونة إلا أن الحكم استطاع أن يردّهم على أعقابهم خاسرين. وثار على الحكم والي برشلونة واستنجد بشارلمان ملك الفرنج غير أنه فشل في ثورته.
ولما مات الحكم عام (206 هجري)، تولّى ولده عبد الرحمن الذي لُقِبَ باسم عبد الرحمن الأوسط، وفي عهده نَعُمَ الأمن والإستقرار، وعمَّ النظام فانصرف إلى العلم والبناء والاهتمام بشؤون الدولة، كما اعتنق في أيامه الإسلام عدد كبير من النصارى الإسبان. ومع الحرية والأمن التي عاش بهما النصارى إلا أنه قد نشأت عندهم حركات الاستخفاف وهي شتم رسول الله والكلام السيء عن كتاب الله القرآن وذلك بتحريض بعض رجال الدين. وفي عهد عبد الرحمن الأوسط هاجم أمير ليون وبعض أُمراء نصارى في الشمال البلاد الإسلامية غير أنهم لم يظفروا بشيء.
دولة الأدارسة:
كان همّ إدريس الثاني حرب الصفرية من الخوارج، وقد توفي عام (213 هجري)، وهو في السادسة والثلاثين من العمر، وخلفه ولده محمد بن إدريس، وفي عهده اختلف الأدارسة إذ نازعه أخوه عيسى بن إدريس وكان والياً على أزمور، فأراد أن يستعين عليه بأخيه القاسم بن إدريس والي طنجة غير أن القاسم قد رفض ذلك، فاستنجد بأخيه عمر والي مكناس فساعده، وهزم أخويه اللذين في أزمور وطنجة.
دولة الأغالبة:
تولى حكم الأغالبة في القيروان عبد الله بن إبراهيم بن الأغلب عام (196 هجري)، وهو المعروف باسم عبد الله الأول، والمكنى أبي العباس، وكان سىء السيرة، وزاد في الضرائب، ومل الناس حكمه حتى أهله وعشيرته، وتوفي عام (201 هجري)، وخلفه أخوه زيادة الله بن إبراهيم أبو محمد الذي قضى ست سنوات آمناً هادئاً. وفي سنة (207 هجري)، ثار عليه زياد بن سهل المعروف بابن الصقلبية، وحاصر مدينة باجه فسيّر إليه زيادة الله العساكر، فأزالوه عنها وقتلوا من وافقه على المخالفة.
وفي عام (208 هجري)، ثار على زيادة اللّه بتونس منصور بن نصير، فأرسل له جيشاً بقيادة محمد بن حمزة فهزم، فبعث له جيشاً آخر بقيادة الأغلب بن عبد الله بن الأغلب، وهدّد الجيش بالقتل إن هُزم فهزموا فخافوا من العودة إلى العباسية فالتحقوا بالثائر منصور ، واستولوا على عدة مدن.
وسار منصور إلى القيروان وحاصرها ولكنه هُزم، وعاد منصور ثانيةً إلى حصار القيروان عام (209 هجري)، ولم يبقَ تحت يد زيادة الله سوق قابس، والساحل، وطرابلس، وقد ضرب منصور السكة باسمه، ولم تنته ثورة منصور إلا عام (211 هجري)، حيث اختلف منصور مع قائده عامر بن نافع الأمر الذي مكن لزيادة الله. وفي عهد زيادة الله فتحت جزيرة صقلية.
سبق أن غزا المسلمون جزيرة صقلية أيام معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما، يوم كان والي مصر وإفريقية معاوية بن حديج، وكان الغزو بقيادة عبد الله بن قيس الفزاري. ثم غزا المسلمون جزيرةً ثانيةً عام (103 هجري)، أيام يزيد بن عبد الملك إذ سار إليها محمد بن إدريس الأنصاري وقد غنم كثيراً.
وغزا المسلمون في إفريقية صقلية عام (122 هجري)، واستولى حبيب بن أبي عبيدة بن عقبة بن نافع الفهري على مدينة سرقوسة على ساحل الجزيرة الشرقي. وغزاها أيضاً عبد الرحمن بن حبيب عام(130 هجري)، ولكن أقدام المسلمين لم تثبت إلا أيام الأغالبة.
ففي سنة (211 هجري)، عيّن إمبراطور القسطنطينية ميخائيل الثاني على جزيرة صقلية قسطنطين البطريق، فاستعمل قسطنطين هذا على الأسطول رجلُاً رومياً اسمه فيمي، فأغار فيمي على سواحل إفريقية ونهبها، وبقي مُده فيها، ولما وصل نبأ هذه الغارة إلى امبراطور الروم كتب إلى عامله على صقلية قسطنطين يأمره بالقبض على فيمي، ولما بلغ الخبر فيمي أخبر أصحابه وأثارهم فاتجهوا إلى صقلية مُغاضبين ومُخالفين واستولوا على سرقوسة.
وذهب إليهم قسطنطين فهرب إلى مدينة قطانيا شمال سرقوسة، فلحِقَ به جيش أخذوه وقتلوه، ونودي بفيمي ملكاً على الجزيرة، ثم ثار عليه أحد عمّاله على بعض نواحي الجزيرة، ووالي (بلرم)، وساروا إليه، واستولوا على سرقوسة ففرَّ منهم، واتجه إلى إفريقية وأرسل إلى زيادة الله يستنجده بحكم الجزيرة.
جهز زيادة الله جيشاً كبيراً بإمرة قاضى القيروان أسد بن الفرات، فانتصر المسلمون، ثم جاءت نجدات من الروم إلى نصارى صقلية، كما انقلب عليهم فيمي، وحلَّ الوباء بالمسلمين، ومات أميرهم أسد بن الفرات، لذا لم يستطع المسلمون أن يتوغلوا داخل الجزيرة.
ولَّى المسلمون عليهم محمد بن أبي الجواري، وجاءتهم نجدة من القيروان، كما وصلت إلى الجزيرة سفن من الأندلس فساعدت المسلمين، فحاصر المسلمون مدينة (بلرم) عام (215 هجري)، ورغم عودة الأندلسيين فقد تمكن المسلمون من فتح مدينة (بلرم) عام (216 هجري)، وتوفي المأمون ولا يزال الفتح في جزيرة صقلية.