الاتصال والإعلام في علم الاجتماع:
يعد الاتصال عملية ملتصقه بالحياة البشرية، فطالما يوجد أفرد مجتمع فإن من اللازم وجوده أن يقترن بغيره من الأفراد، وهناك من يقول إن الاتصال حياة، فالإنسان يزاول حياته ككائن اجتماعي يقوم وظيفة في المجتمع، لذلك فلا بدّ أن يقوم بينه وبين غيره اتصال سواء كان غيره هذا فرداً أو جماعة أو نظاماً أو تنظيماً اجتماعياً.
لذلك عرفت المجتمعات البشرية الاتصال منذ تكوينها، وظل خاصية من خصائصها حتى يومنا هذا، ولا يخفي علينا ما يقدمه الاتصال من دور تراكم المعرفة البشرية، بكل فروعها، كذلك دوره في إنشاء وتطوير نظم المجتمعات البشرية، وأساليب التبادل الثقافي والاقتصادي وغيرها، وليس أدل على ذلك من قول الفيلسوف الأمريكي جون ديوي، إن الاتصال هو أوجب شؤون الحياة، ذلك أن المجتمع لا يوجد من خلال الاتصال فقط، ولكن يتأسس وينمو عن طريق هذه العملية، فدورها أساس في التوافق الاجتماعي داخل المجتمعات الإنسانية وخلق تفاعل وتكيف للظروف المعروفة في المجتمع.
وقد بات الاتصال في العصر الجديد سياج الحياة، فهو يحمل للإنسان كل يوم وكل ساعة ما هو جديد على عمله وخبرته، وأصبح مقياساً لتفوق هذا المجتمع أو ذاك ومعيار لنموه وتطوره.
ورغم أن الاتصال والإعلام بصورته الراهنة يعتبر ظاهرة من ظواهر القرن العشرين، إلا أنه يمكن القول إن هذه الظاهرة قديمة منذ العصور البدائية، ازدهرت عبر عصور فجر التاريخ مروراً بالعصور الوسطى، إلى أن وصلت إلى ما هي عليه في العصر الجديد، وعرفت المراحل التاريخية البدائية أشكالاً من وسائل الاتصال والإعلام من أهمها:
1- الاتصال أو الإعلام يقوم به المراقب الذي يُكلف باستطلاع الظروف الاقتصادية، والوقوف على مدى ملائمة للعمل، وغير ذلك من أوجه النشاط الاقتصادي.
2- الاتصال الذي يقوم به كبار السن والحكماء الذين يتم الرجوع إليهم في الأمور الهامة التي تتعلق بطبيعة الحياة، وهو يقدم لأفراد عشيرته حلولاً للمشكلات التي تقابلهم.
3- تختلف هذه الأعمال الاتصالية بطبيعة الحال عما يسود المجتمعات الجديدة، وفي مراحل أخرى عرف الإنسان الأسواق وأماكن التبادل، وشكلت في الوقت نفسه مكاناً للاتصال، والإعلام يتنوع بتنوع شؤون الحياة ذاتها، وتشير كثير من المراجع إلى أهمية سوق عكاظ على سبيل المثال، في تكوين أنماط من الاتصالات وتبادل الأفكار.
كذلك كان الفراعنة في مصر القديمة يضعون عند مداخل المعابد ألواحاً يكتبون عليها ما يريدون قوله ﻷفراد المجتمع، وبالتحول الذي حدث في الحياة البشرية، حيث بدأ الإنسان يصمم مؤسسات وآلات تستكشف الجو وترصد ما كان يرصده شخص يتميز بحدة البصيرة.
كما أن الإنسان قد عرف أثناء الحرب أشكالاً مختلفة من الاتصال والإعلام، وتم الجوء إلى وسائل جديدة ﻹبلاغ التعليمات والتوجيهات إلى الجنود بصورة تكفل النصر، وعرف الإنسان أسلوب الاجتماعات والندوات حيث يتم تبادل المعلومات والأفكار والأنباء.
وباختراع الطباعة اتخذ الاتصال والإعلام صوراً جديدة، وقد كان القرن الثامن عشر بأمثله عن تأثيرات الإعلام من كل المجالات سواء في الحرب أو الدبلوماسية، ومع الاستمرار في تطور وسائل الاتصال والإعلام في مطلع القرن العشرين، وعن طريق هذه التطورات ظهر اتجاهان وهما: الأول، يعمل على دعم وتنشيط الرأي العام الجماهيري في مقابلة الحكومة، والثاني: يعمل على دعم وتنشيط مواقف الحكومة في مقابلة الرأي العام الشعبي.
كذلك بدأ عصر جديد باختراع التلغراف، حيث تم اكتشاف الموجات الكهرومغناطيسية، وأصبح اللاسلكي حقيقة واقعة وله استخدامات تجارية، بعد ذلك تم اختراع آلان التصوير السينمائي، وأنتج فيلم سينمائي عام 1895، وكان الفيلم بدون صوت، ولم تعرض الأفلام السينمائية الصوت إلا في عام 1918، بعد تطورات كثيرة أضيفت في هذا المجال.
إلى جانب ذلك كان الإرسال المسموح من خلال الموجات الإذاعية عام 1906، ومثلت إلى جانب ما سبق تطورات مهمة، وقد عرف العالم الأقمار الصناعية بدءاً من عام 1957، وتم تطويرها بعد ذلك من أجل التصالات، فدخلت الأقمار الصناعية الخاصة بالاتصالات إلى الخدمة بعد إطلاق أول قمر صناعي بحوالي عشرين عاماً.
ومع كل مرحلة تطورية من هذه المراحل كان يستتب في الأذهان أن الإعلام يكتسب دوراً متعاظماً، وأن مسؤولية الحكومات تتمثل في عرض الأنباء والتحليلات الصحيحة على شعورها، حتى تحصل على تأييدها ومشاركتها في رسم السياسات واتخاذ القرارات، إلى جانب ذلك تعاظم الاهتمام بدور وسائل الاتصال والإعلام في تحقيق التنمية والتطور الاجتماعي المرغوب في ضوء ما تبثه هذه الوسائل من برامج ووسائل إعلامية موجهة نحو تفعيل المشاركة الشعبية، وتنشيط المبادرات الخلاقة، وخلق الوعي الذي يدعم الخطوات الإيجابية للحكومة، ويجعلها تدرك اتجاهات الرأي العام من ناحية وتتعامل معه بشكل ملائم من ناحية أخرى.