المواقف الخارجية تجاه ضم الحجاز إلى الدولة السعودية

اقرأ في هذا المقال


موقف بريطانيا من ضم الحجاز:

كانت الحكومة البريطانية قبل الحرب العالمية الأولى تتبع سياسة عدم التدخل في شؤون الجزيرة العربية، في حين كانت سياسة الإمام عبد العزيز في ذلك الوقت تهدف إلى تأمين وضعه الداخلي ضد الأتراك العثمانيين وضد ولاءات القبائل المتقلبة، وذلك بمحاولة التناقش والتحاور مع القوى الوحيدة في المنطقة وهي بريطانيا.

سياسة بريطانيا تجاه الملك عبد العزيز:

إنّ سياسة بريطانيا تجاه الملك عبد العزيز في ذلك الوقت لم تكن تتسم بالوضوح لعدد من الأسباب منها: اقتناع بريطانيا في تلك الفترة بأنّ المحافظة على صداقة الدولة العثمانية أهم لها من الاتفاق مع الإمام عبد العزيز، حيث إنها كانت تهدف لمساعدة ومساندة دولة عثمانية قوية في آسيا، تعتبر فاصل بين المصالح الاستعمارية في الهند، وبين أهداف منافسيها من الدول الأوروبية في تلك المنطقة.

ولكن في عام 1331/1913 ميلادي قامت بريطانيا في تغيير سياستها تلك، وذلك عندما تمكن الإمام عبد العزيز من ضم الأحساء في تلك السنة، وأجبر الدولة العثمانية على الاعتراف به حاكماً على منطقة نجد بما فيها إقليم الأحساء، وبذلك نجح في الوصول إلى شاطئ الخليج العربي، مما لفت إليه أنظار حكومة الهند البريطانية، ومن ثم رأت بريطانيا ضرورة التواصل بالإمام عبد العزيز، كجزء من السياسة البريطانية لبسط نفوذها على مناطق الخليج العربي، من أجل تأمين طرق مواصلاتها إلى الهند والشرق الأقصى.

فقد كانت بريطانيا على معرفة تامة بالأماكن العربية ومدى مهارة وشجاعة الإمام عبد العزيز من الناحية السياسية، وليس من صالحها اتخاذ موقف العداء معه، ولكنها عملت في ذلك الوقت على مصادقة الدولة السعودية، فهي إذا انتهجت موقفاً غير ذلك، فقد تتيح الفرصة لغيرها لكسب ود وصداقة حاکم شبه الجزيرة العربية، والذي أصبح موقفه يتسم بالقوة والنصر.

وهكذا رأت بريطانيا من قيامها بتتبع سياسة التقرب إلى الإمام عبد العزيز، والسعي إلى إقامة علاقات صداقة معه. فقامت بإرسال مندوبها وليم شكسبير المعتمد السياسي البريطاني في الكويت، وكان مرسلاً من جانب المعتمد البريطاني في الخليج السير بري کو کس بقصد التعرف على الإمام عن قرب، وعلى توجهه السياسي، فقد عرض شكسبير على الإمام عبد العزيز وعوداً بريطانية إذا اشترك معهم ضد العثمانيين أثناء الحرب العالمية الأولى.

ولكن فيما بعد اتضح لشكسبير أنه لا نية للإمام عبد العزيز بترك موقفه الحيادي بين بريطانيا والدولة العثمانية حتى يتوصل إلى اتفاقية موقعة من بريطانيا، فقد أدركت بريطانيا قوة الإمام عبد العزيز بعد قيامه بضم منطقة الأحساء، وبأنه أصبح خطر يهدد مصالحها، فعقدت معه معاهدة العقير في عام 1334/ 1915 ميلادي، والتي جاء بموجبها اعتراف بريطانيا باستقلاله، وتعهده بعدم الاعتداء على مناطق نفوذها في الخليج.

وقد أورد کوکس في بياناً له إلى الدائرة الخارجية في حكومة الهند البريطانية مطالب الإمام عبد العزيز التي قدمها لتكون الأساس الذي يجب أن تقوم عليه المعاهدة بينه وبين الحكومة البريطانية، ومن أهمها اعتراف بريطانيا باستقلال بلاده، وتطبيق الشريعة الإسلامية فيها، وغير ذلك من الشروط.

كانت بريطانيا تخشی معاداة الإمام عبد العزيز، تخوفاً من قيامه بتحول اهتمامه مرة أخرى إلى الحجاز، والذي كانت ترغب في  بسط نفوذها إلية، وقد اتضح هذا الأمر على أثر وقوف بريطانيا إلى جانب الشريف حسين بعد هزيمته في معركة تربة عام 1337/ 1918 ميلادي، حيث أرسلت إلى ابن سعود تحذره من التوغل في الحجاز.

بالإضافة إلى الرحلة السياسية التي قام بها الأمير فيصل إلى أوروبا، حيث زار خلالها لندن، كانت قد كشفت أيضاً عن وجهة النظر البريطانية مقابل الصراع القائم بين الإمام عبد العزيز آل سعود والشريف حسين، وهو الأمر الذي كان يهم بالدرجة الأولى ابن سعود؛ لأن بريطانيا هي صاحبة النفوذ الأقوى في ذلك الوقت في المنطقة المحيطة به، وهو يحاول جاهداً بعدم التصادم معها.

حيث كانت سياسة بريطانيا بالنسبة للإمام عبد العزيز آل سعود وقت قیام الأمير فيصل بتلك الزيارة غير واضحة، بدأت بريطانيا في تعاطفها مع الشريف حسين رجل الجزيرة العربية القوي في نظرها، وفي نفس الوقت كانت ترغب بعدم خسارتها صداقة ابن سعود؛ لأنه يمثل القوة الأقوى، خاصة بعد سوء وتدهور العلاقات بينها وبين الشريف حسين؛ بسبب رفضه التوقيع على معاهدة فرساي عام 1919 ميلادي.

مؤتمر الرياض عام 1920:

وفي عام 1920 ميلادي تم عقد مؤتمر الرياض، والذي جاء بموجبه منح لقب الإمام عبد العزيز بسلطان نجد وملحقاتها. أخذ السلطان عبد العزيز يترقب ردة الفعل البريطانية، فإذا ببريطانيا تعلن اعترافها به سلطاناً على نجد، وكتب إليه وزير الخارجية البريطاني ونستون تشرشل رسالة تهنئة أعلن فيها اعتراف بريطانيا بعبد العزيز سلطاناً على نجد وتابعاتها وكان من نتائج الحرب العالمية الأولى زيادة نفوذ بريطانيا في شبه الجزيرة العربية والخليج.

فقد دخلت تحت نفوذها كل من العراق وشرق الأردن، إضافة إلى جهات أخرى، وأصبحت بذلك صاحبة الكلمة العليا في تحديد علاقات حاكم تلك الأقطار بالسلطان عبد العزيز، حيث عقد مؤتمر في بلدة المحمرة، قام بحضوره مندوبون من حكومة السلطان عبد العزيز ومندوبون عن حكومة العراق ومندوبون بريطانيون، ليتباحثوا النظر في قضايا الحدود والعشائر بين نجد والعراق، ومؤتمر العقير سنة 1341/ 1922 ميلادي الذي حددت فيه الحدود بين بلاده و كل من الكويت والعراق، وأقرت فيه تبعية العديد من المناطق في تلك المنطقة.

وعندما رأى البريطانيون أنّ هذه المعاهدة لم تحقق ما كان مرجو منها عملوا على محاولة أخرى للتوفيق بين ابن سعود والأشراف، وإزالة أسباب سوء التفاهم بينهما، فعقدوا لهذا الغرض مؤتمر الكويت، والذي فشل في تحقيق ما جاء من أجله

لقد كشف مؤتمر الكويت عن العديد من الحقائق الجديدة المتمثلة بأنّ الحسين أصبح معادِ لحكومة بريطانيا، وهو الذي دمر وحطم بعناده المؤتمر الذي علقت عليه كل آمالها في المنطقة العربية، كما أظهر المؤتمر استحالة التعايش بين نجد والحجاز، وأنه لم يبق إلا السيف أمامهم، ومن ثم انطلقت قوات نجد إلى الحجاز في سنة 1924 ميلادي.

وفي أثناء تقدم القوات السعودية باتجاه الحجاز، قامت بريطانيا باتخاذ موقف الحياد، على أساس أنّ هذا الصراع بين حاكمين مسلمين، وليس من الحكمة قيام دولة مسيحية بالتدخل بينهما، ولو قامت بريطانيا بالتدخل والوقوف إلى جانب الحسين، فإن ذلك سيغضب مسلمي الهند، الذين كانوا يعتبرون تحالفه مع بريطانيا، أثناء وقوع الحرب العالمية الأولى ضد الدولة العثمانية صاحبة الخلافة الإسلامية.


شارك المقالة: