اقرأ في هذا المقال
- التجارة في المجتمعات ذات اقتصاديات الإعاشة في الأنثروبولوجيا الاقتصادية
- الجانب الأكبر من التجارة بين المجتمعات في الأنثروبولوجيا الاقتصادية
- بعض مشكلات الاستهلاك في المجتمعات ذات اقتصاديات الإعاشة في الأنثروبولوجيا الاقتصادية
في هذا المقال سنطرح موضوع التجارة في المجتمعات ذات اقتصاديات الإعاشة في الأنثروبولوجيا الاقتصادية وأيضاً الجانب الأكبر من التجارة بين هذه المجتمعات وكذلك بعض مشكلات الاستهلاك.
التجارة في المجتمعات ذات اقتصاديات الإعاشة في الأنثروبولوجيا الاقتصادية:
يستخدم معظم الأنثروبولوجيين مصطلح التجارة للإشارة إلى المعاملات التي بموجبها يتبادل الناس صنف واحد من المواد في مقابل صنف آخر، فضلاً عن المواقف التي يتم تبادل السلع بالنقود. وهناك علماء آخرون تأثروا بكارل ماركس ضيقوا نطاق مصطلح التجارة بحيث يشير إلى المواقف التي فيها ينقل الفرد السلع التي يحتاج إليها فيتم التعبير عنها بمصطلح شامل هو التسويق والواقع أن هناك بعض الاختلافات فيما يتعلق بالاستراتيجيات التي تتضمنها هذه المعاملات.
ففي شعب الزابوتيك بالمكسيك على سبيل المثال نجد المنتج الذي يبيع السلع التي ينتجها قد يعرض للبيع فقط تلك الكمية من السلع التي يعتقد أنه يتعين عليه أن يبيعها لكي يشتري سلع الاستهلاك اللازمة لحاجاته المباشرة، في حين نجد التاجر الذي أشترى السلع قد يبيع مخزونة بأكمله إذا ما اعتقد أن السعر ملائم له.
ومن ناحية أخرى نجد عالم الاقتصاد يعرف السوق بأنها ذلك الموقف الذي يوجد فيه الطلب على سلعة معينة. وإذن فالسوق من وجهة نظر علماء الاقتصاد وعلماء الأنثروبولوجيا الاقتصادية يجب أن توجد قبل أن يتصرف المنتج أو التاجر في سلعة. وخلال مناقشاتنا هذه سوف يستخدم مصطلح التجارة للإشارة إلى أية معاملات تتضمن إشباعاً أو تحقيقاً للطلب.
ولمزيد من الوضوح في المفهومات يجب أن نضع في أذهاننا أن السوق ليست هي تماماً “مكان السوق”، فالأخير هو ببساطة المكان الذي يتجمع فيه الناس لتبادل السلع، ذلك الذي من أجله (أي الطلب) وجدت السوق.
وعلى الرغم من ندرة السلع الزائدة التي يمكن تبادلها، ورداءة تقسيم العمل داخل المجتمع، قد يضعف التجارة في المجتمعات ذوات اقتصاديات الإعاشة على نحو ما رأينا، إلا أنه لا يترتب على ذلك أن هذه المجتمعات ليس لها تجارة خارجية، أو تجارة مع المجتمعات الأخرى.
فعلى سبيل المثال نجد أفراد شعب الهوبي يدخلون في علاقات تجارية ضعيفة مع القبائل المختلفة المحيطة بهم، حيث يتبادلون معها المنتجات الزراعية، والأنسجة القطنية، في مقابل حبوب الصنوبر، والمسكل، وأكسيد الحديد الأحمر، والعقود الصدفية، وجلود الإبل المدبوغة. وكذلك نجد أفراد قبائل الأرونتا الأسترالي وهم الذين تقل إمكاناتهم الإنتاجية عن أفراد شعب الهوبي يحصلون على عدد من السلع بواسطة التجارة، وعلى الأخص البتوري، وهي مادة مخدرة يبدو أنها قد أتت من قبائل في كوينزلاند تبعد حوالى ٢٠٠ميل عن المنطقة التي يعيش فيها شعب الأرونتا.
الجانب الأكبر من التجارة بين المجتمعات في الأنثروبولوجيا الاقتصادية:
وينشأ الجانب الأكبر من التجارة بين المجتمعات على هذا المستوى عن الحقيقة التي مؤداها، أن بعض المواد الخام التي تستخدمها كل المجتمعات التي تعيش في إقليم معين ليست متاحة بنفس الدرجة لكل هذه المجتمعات وكنتيجة لذلك يتعين على بعض المجتمعات أن تحصل على هذه المواد بواسطة التجارة، ومن ثم قد تنشأ طرق منتظمة حيث تضم غالباً شبكة علاقات بين القبائل لتحقيق هذا الهدف. أما الإجراءات التي تحكم مثل هذه التجارة فهي ليست معقدة جداً خاصة إذا ما كانت تتم بين مجتمعات ضعيفة نسبياً في قدراتها الإنتاجية.
بعض مشكلات الاستهلاك في المجتمعات ذات اقتصاديات الإعاشة في الأنثروبولوجيا الاقتصادية:
هناك بعض مشكلات الاستهلاك في المجتمعات ذات اقتصاديات الإعاشة في الأنثروبولوجيا الاقتصادية وهي:
1- أن الاستهلاك حتى في مجتمعات الإعاشة يعني ما هو أكثر من الطعام.
2- أن هناك علاقات معقدة بين كل من الاستهلاك والإنتاج والتوزيع. بل إن المجتمعات الصغيرة والبسيطة لديها احتياجاتها من السلع والخدمات التي تتجاوز مواجهة أو إشباع الجوع.
وفي معظم المجتمعات نجد الأسرة هي وحدة الاستهلاك الأساسية، على الرغم من أن المجتمعات المركبة قد تكون لديها نظم استهلاكية أخرى. وقد يكون مفيداً أن نتناول العائلة كوحدة في ضوء الميزانيات أو الاعتمادات. وبالإمكان شرحها بطرق مختلفة، لكننا نستطيع من وجهة النظر التحليلية التسليم بما يلي:
ميزانية الطعام: وهي ذلك الجانب من الموارد الذي يستهلك من أجل الحفاظ على درجة طاقة الأسرة.
ميزانية رأس المال: وهي الموارد المستخدمة في الحصول على الأدوات والمساكن والحيوانات، أو أية أشياء أخرى شبه دائمة، وتكون ضرورية للحفاظ على القدرة الإنتاجية للوحدة الإنتاجية.
ميزانية الصيانة والاستمرار: وهي الموارد المستخدمة في إنتاج أو استبدال السلع الرأسمالية.
ميزانية الإيجار: وهي الموارد المستخدمة في استمرار حقوق المنتج داخل المجتمع.
ميزانية الهيبة: وهي الموارد المستخدمة في تحقيق أو دعم المكانة أو الوضع الاجتماعي داخل المجتمع.
ومن بين أشكال الميزانيات هذه نجد الشكلين الأخيرين بحاجة إلى توضيح. فميزانية الإيجار قد تتخذ أشكالاً عديدة. وعادة ما ينظر إليها على أنها الإيجارات أو الضرائب التي تدفع في مقابل استغلال الأراضي أو المباني أو أي نوع آخر من الممتلكات. إن هذا النوع من الإيجار لا يوجد في كثير من المجتمعات الغربية.
ومع ذلك فإننا نجد دائماً أبداً ما يمكن أن يطلق عليه الإيجارات الاجتماعية، أي الإمداد بالسلع والخدمات الضرورية لاستقرار الأوضاع في المجتمع، ثم بالتبعية حقوق استغلال موارده. وفي هذه الفئة يمكننا أن نضمن العمل أو السلع التي تسهم في تحقيق مشروعات المجتمع المحلي كالمباني العامة والطرق أو الممرات والجسور “الكباري” وهكذا.
وهناك شكل آخر يمكن أن نضمنه هنا وهو ما يوجد لدى شعب نيسينان بكاليفورنيا هو هدايا الطعام التي تقدم للرؤساء حتى يتمكنوا من أداء مهام المجتمع المحلي كضيافة الزوار أو الولائم المرتبطة بالطقوس.
أما ميزانية الهيبة فتضم أشياء كالبوتلاتش عند شعب الهايدا، وتمويل طقوس المايوردوميا في أمريكا اللاتنية، والأشكال الأخرى من الأنفاق التي تخصص لدعم هيبة أو مكانة الفرد أو أسرته. ويفضل البعض النظر إلى هذه الأشياء وذلك في معظم الأحوال من وجهات نظر أخرى، وإن كان يجب أيضاً النظر إليها من جوانبها الاقتصادية، وذلك لصالح التحليل الاقتصادي المقارن.
على أن تحليل الميزانية السالف الذكر ليس هو التحليل الوحيد الممكن، وإن كان يفيد في تأكيد الحقيقة التي مفادها: أن الموارد بما في ذلك العمل وكذلك السلع لا تستخدم دائماً في شكلها الخالص لأغراض الإعاشة. وقد يكون صحيحاً كما يقال عادة أن “الطعام من أجل الأكل” ولكن هناك وسائل عديدة واضحة من خلالها يتوزع الطعام ويستهلك، كما أن كل هذه الوسائل ليست لمجرد سد جوع المنتج، أو الوحدة المنتجة كالأسرة. وفضلاً عن ذلك فإن مورد العمل يستخدم إلى حد ما حتى في المجتمعات البدائية لصنع الأدوات والمعدات الضرورية والمحافظة عليها. وكذلك الأشياء الأخرى اللازمة لإنجاز ودعم أجهزة المجتمع.
صحيح أن عدداً قليلاً من الناس هم الذين يقيمون هذه التفرقة التحليلية. فمن النادر أن نجد تمييزاً واضحاً بين ميزانيات الاستهلاك ونفقات الإنتاج بالنسبة للأسرة. ومع ذلك نجد الحقيقة صحيحة بالنسبة للمجتمع الغربي. فكثير من المشروعات التي تقيمها العائلات لا تأخذ في اعتبارها تكاليف العمل، لا تحدد بوضوح قيمة السلع المخصصة لإعالة الأسرة. وغالباً ما قد تكون الأسرة في وضع مالي أفضل إذا ما كان أعضاؤها النشطاء يعملون في مشروع كبير. وحتى في هذه الحالة، فإن هؤلاء الأعضاء قد يفضلون النشاطات التي تحكمها الأسرة، والتي تدر مكافأة أقل.
وتنتشر الصورة التقليدية “للوطن المبذر” حتى لدى علماء الأنثروبولوجيا. والواقع أن التحليل يوضح غالباً أن مثل هذا التوزيع ليس سوى تنازل بمكسب مباشر من أجل الحصول على مكسب في ظروف مستقبلية، وأنه يسهم في تدعيم بعض الأمور التي يصعب وزنها كالهيبة، والمطالبة بخدمات مقبلة، والدعم الاجتماعي طبقاً لمعايير المجتمع. إن الشي الذي قد يبدو منطوياً على إسراف، أو تبذير قد يكون بمثابة استثمار في مجال التأمين الاجتماعي والاقتصادي.