التغير الاجتماعي والالتقاء بنظرية الصراع:
إن التوازن التفاضلي ينعكس في حلقة مفرغة تضع الفعل الاجتماعي في مأزق الامتثال والاستجابة لمطالب القوة، حيث تعمل الثقافة السائدة والمعايير الاجتماعية على تكريس الاستجابة، وتضفي شرعية على مطالب القوة، وتضع الفكر والفعل في مسارات معينة طبقاً لمطالب أصحاب القوة، وما يخدم مصالحهم.
إن فاعلية المعايير الاجتماعية تمتزج مع الخوف المضمر من القهر المادي، الذي يلجأ إليه أصحاب القوة غالباً، لكن الاستخدام المستمر للمعايير الاجتماعية والأدلجة والتمويه، هو ما يحقق بالفعل، السيطرة التامة ﻷصحاب القوة مع هامش وهمي من الحرية، حتى أن الإنسان نفسه قد يصبح من أدوات القوة التي تعيد إنتاج الثقافة المؤدلجة، وتكرس الوضع القائم، وهذا ما يعكس بحق، الشكل المظلم حول إمكانية التغيير، وكسر الحلقة المفرغة، بعد أن تكلست مع طول الفترة الزمنية، وثبتت دلالاتها الرمزية في أذهان الأفراد.
إن كافة جميع ما يحصل من تغيرات في إطار التوازن التفاضلي، لا تنبثق عن مصحلة القوة المسيطرة، بل أحياناً ما تكون تغييرات شكلية لا تصيب صميم وجوهر البنى الاجتماعية والثقافية، ولا تؤدي إلى إفلات الفعل وحريته من الأغلال التي تكبله، ومن هنا فإن هذه التغييرات تقع في إطار دينامية التوازن التفاضلي أو التوازن التفاضلي الدينامي.
فإن التغيرات الحقيقية، هي التي تصيب جوهر التوجيهات المعيارية والقيمية للفعل، لكن في خلفية مشكلة التغير الاجتماعي، تقع المصالح المكتسبة الثابتة، التي أحاطت بها منظومة قيمية معيارة لفترة زمنية بعيدة، ورسختها في توقعات الدور، ولذلك فليس من مصلحة أصحاب القوة القائمة أن تجري أية عملية تغيير تقترب من البناء المعياري والقيمي المتصل بمصالحهم ويعمل على إخفائها.
إن بداية التساؤل عن شرعية وأحقية أصحاب القوة والمصالح التي تقاوم التغيير، يقتضي ضمناً أن هناك قوى دافعة باتجاه التغير الفعلي، وحتى تتكوّن هذه القوى، يجب أن يتكوّن افتراضاً ضمنياً يتصل بتشكيل الوعي، حيث يمكن اعتبار الوعي، المحرض الرئيسي لانفعال التغير وظهور النقيض للقوة القائمة، وبصورة خاصة النقيض الداخلي الحقيقي، ولكن مع ذلك، يمكن التمييز بين ثلاثة أنواع من النقائض، يمكن اعتبارها بمثابة نماذج للتغير المحتمل المتصل بالتوازن التفاضلي.