حاول علماء الاجتماع رسم بعض الخطوط الرئيسية للانقسام في التركيبات الاجتماعية للقضايا الاجتماعية، وإن التمييز بين الطبيعي والاجتماعي في بناء الأسباب التي تكمن وراء القضايا الاجتماعية هو تمييز عميق ومتكرر، ويتضمن التوجه الاجتماعي بناء الأسباب والظروف الاجتماعية كتفسيرات للقضايا الاجتماعية، ومع ذلك من المهم أيضًا أن يأخذوا في الاعتبار أن مثل هذا التوجه سيكون بحد ذاته معقدًا بسبب الاختلافات في المنظور، لا سيما حول مستوى المجتمع الذي يركز عليه البناء.
التمييز بين طبيعي واجتماعي في المشاكل الاجتماعية
تناول علماء الاجتماع مسألة التفسيرات المتنافسة للمشاكل الاجتماعية، ويريدون أن يتبعوا نهجًا مختلفًا إلى حد ما من خلال البدء من أحد خطوط التقسيم الرئيسية بين أنواع التفسير المختلفة، وهذه الخطوط الفاصلة هي تلك التي تتكرر في تعريف وتفسير وشرح مجموعة من القضايا الاجتماعية على سبيل المثال، أنماط عدم المساواة بين الرجال والنساء جنوح الأحداث والجريمة واستمرار الفقر وما إلى ذلك، وعلى الرغم من إنه تم الأشارة إلى هذه المواضيع كاقضايا اجتماعية أو مشاكل اجتماعية، فإن الخط الفاصل الأساسي بين التركيبات الاجتماعية المختلفة هو التمييز بين الطبيعي والاجتماعي.
ولقد رأى علماء الاجتماع أن المشكلات الاجتماعية اجتماعية بمعنى أنها تجذب انتباه الجمهور، كما إنها أكثر من مجرد مشكلات خاصة، ربما لأسباب تتعلق بالحجم ولكن بالتأكيد لأنها قادرة على التواصل مع القضايا والقيم والاهتمامات العامة الأخرى، على سبيل المثال بالمخاوف المعاصرة المتعلقة بالعدالة الاجتماعية أو النظام الاجتماعي، فهي محددة تاريخيًا وثقافيًا أي أنها تنتمي أو تظهر في مجتمعات معينة وفي أوقات معينة.
وفي حين أنها قد تكون مرتبطة بالظروف الاجتماعية المتغيرة كارتفاع أو انخفاض في أعداد الأشخاص في حالة معينة مثل الفقر أو التشرد، فإن وضعهم كمشاكل اجتماعية يعتمد على كيفية فهمهم، على سبيل المثال إذا تم النظر إلى حالة مثل التشرد على أنها مسألة اختيار فردي أو سوء حظ، فمن غير المرجح أن يُنظر إليها على أنها مشكلة اجتماعية تتطلب اهتمامًا عامًا وعملًا، ويحدد علماء الاجتماع بناءً على المناهج الاجتماعية كلاً من القضايا التي يتم تعريفها على أنها مشاكل اجتماعية والطرق التي يتم تعريفها على هذا النحو.
وإن التمييز بين ما هو طبيعي وما هو اجتماعي ليس هو التمييز الوحيد المهم، حتى التوجه الاجتماعي في بناء المشاكل الاجتماعية معقد بسبب أنواع مختلفة من التركيز، فلقد كفل نمو العلوم الاجتماعية منذ أواخر القرن التاسع عشر إتاحة مجموعة متنوعة من النظريات والتخصصات ووجهات النظر المتنافسة لها، وفي محاولتهم لفهم المشكلات الاجتماعية قد شقت مثل هذه التفسيرات طريقها إلى عالم التركيبات اليومية أو الحس السليم.
ما هو الاجتماعي في المشكلة الاجتماعية
في أواخر القرن العشرين قد تشمل قائمة المشاكل الاجتماعية الحالية في العالم الفقر والتشرد وإساءة معاملة الأطفال والشباب الساخطين وعدم الحضور في المدرسة والانضباط المدرسي ومعاملة الأشخاص المستضعفين في الرعاية المؤسسية والتخريب والغضب على الطرق الأبوة الوحيدة والطلاق، وتم وضع هذه القائمة المختصرة من المشكلات الاجتماعية في المواد الإخبارية في التلفزيون والإذاعة والصحف، وقد تظل بعض هذه المشكلات قائمة وقد يكون بعضها قد اختفى، بينما قد تكون المشكلات الجديدة قد جذبت الانتباه.
وليس من الواضح ما هو مشترك بينهما إلا أنهم مواضيع القلق الحالي، وهذه الحقيقة جذبت اهتمام العلماء بشكل عام، وهناك نقطة في التأكيد على كلمة خاص، فقد تنشغل مجتمعات أخرى بمشاكل أخرى، فما يحظى باهتمام الرأي العام في مناطق معينة من المرجح أن يكون مختلفًا في بعض النواحي على الأقل عن المشكلة الاجتماعية الحالية في مناطق آخرى، ومن الصحيح أيضًا إنه إذا تم النظر إلى الوراء في فترات تاريخية سابقة فإن بعضًا فقط من قائمة المشكلات الاجتماعية الحالية ستكون مرئية في ذلك الوقت.
وفي أواخر القرن التاسع عشر، على سبيل المثال تم إيجاد أن مشكلة الفقر وإساءة معاملة الأطفال والطلاق كانت تُناقش على أنها مشاكل اجتماعية، لكن البعض الآخر في القائمة لم يجذب الكثير من الاهتمام، وهناك نوعان من التفسيرات المحتملة لهذه الاختلافات، الأول هو أن المشاكل الاجتماعية تتغير، فإذا لم يكن هناك متشردون في أواخر القرن التاسع عشر، عندها لا يتم توقع أن تتم مناقشة التشرد كمشكلة اجتماعية، السبب الثاني هو أن ما يُنظر إليه على إنه مشكلة اجتماعية قد يتغير.
وبالتالي ربما كان هناك بالفعل أشخاص بلا مأوى في أواخر القرن التاسع عشر، لكن لم يُنظر إلى وضعهم على إنه مشكلة اجتماعية، بل كان يُنظر إليه على إنه حقيقة من حقائق الحياة أو نتيجة لسوء الحظ الفردي فحسب ولن يؤدي أي منهما إلى جعلها أمشكلة اجتماعية.
وقد ميز عالم الاجتماع سي. رايت ميلز بين المشاكل الشخصية والقضايا العامة، واقترح إنه على الرغم من وجود العديد من المشكلات أو المشكلات التي واجهها الأفراد في حياتهم إلا أنها لم تظهر جميعًا على أنها قضايا عامة تستحوذ على اهتمام الجمهور واهتمامه أو التي يُنظر إليها على أنها تتطلب ردودًا من الجمهور، وقد يكون استخدام سي. رايت ميلز لمصطلح شخصي مضللًا بعض الشيء، لأنه يشير إلى أن الفرق بين الخبرة الفردية والجماعية هو المهم.
ومع ذلك فإن الفارق المهم بالنسبة له هو بين القضايا الخاصة أي التي يتم التعامل معها داخل الأسر أو العائلات أو حتى المجتمعات وتلك التي تكون عامة أي التي يتم التعامل معها من خلال أشكال التدخل الاجتماعي أو لائحة، وأحد العوامل التي قد تُحدث فرقًا فيما إذا كان يُنظر إلى الأشياء على أنها مشكلات خاصة أو قضايا عامة هو الحجم، فإذا عانى عدد قليل من الناس شكلاً من أشكال المشاكل فمن المحتمل أن تظل مسألة خاصة ولا تجتذب اهتمام الجمهور.
ومع ذلك إذا بدأت أعداد كبيرة من الناس في مواجهة نفس المشكلة أو خافوا من احتمال حدوثها فقد تصبح مشكلة عامة.
ما هو طبيعي في المشكلة الاجتماعية
وقد يبدو هذا مربكًا بعض الشيء نظرًا لتركيزهم على القضايا الاجتماعية، لكن الأفكار حول الأساس الطبيعي للترتيبات الاجتماعية أو المشكلات الاجتماعية منتشرة على نطاق واسع، وهناك العديد من الادعاءات حول القضايا الاجتماعية التي تبدأ بعبارة من الطبيعي أو اجتماعي، وإذا تم اعتبار هذا النهج بمثابة بناء اجتماعي لطريقة إدراك العالم أو فهمه بدلاً من استكشافه بطرق تسعى إلى تحدي أو تأكيد الحقائق التي يقوم عليها.
وتحليل علماء الاجتماع عن الأفكار حول الأساس الطبيعي للمجتمع أو المشاكل الاجتماعية داخل المجتمع إلى مجموعة من الادعاءات حول القوانين العالمية للبيولوجيا أو التطور التي تحدد كيف يمكن التصرف، وغالبًا ما تركز مثل هذه الأفكار على المنافسة والصراع والنضال من أجل النجاح التطوري والبقاء للأصلح، كما إنهم يحددون مجموعة من السمات على أنها الأساس البيولوجي للمجتمع البشري ويصرون في كثير من الأحيان على أنها لا تتطور ولا تتغير.
وغالبًا ما يتم تقديم السمات البيولوجية في الادعاءات المتعلقة بالصفات الطبيعية والبيولوجية كتفسيرات للأنماط الاجتماعية، وبالتالي يتم الاعتماد على الاختلافات البيولوجية بين الرجال والنساء لشرح الاختلافات في السلوك الاجتماعي أو أنماط عدم المساواة الاجتماعية، حيث أن كلاسيكيا النساء من حيث القدرة البيولوجية على إنجاب الأطفال سواء فعلوا ذلك في الممارسة أم لا تم اعتبارها مسؤولة عن مجموعة من الأنماط الاجتماعية، على سبيل المثال كان استبعاد النساء من التعليم لسنوات عديدة مبررًا على أساس أنهن لم يكن بحاجة إلى معرفة أي شيء بخلاف كونهن زوجة وأم.
لأن تحفيز الدماغ من شأنه أن يستنزف الطاقة التي ينبغي تكريسها لمهام الإنجاب، وبالمثل فقد تم تفسير سلوك الرجال على إنه نتاج قوى ومحركات بيولوجية، على سبيل المثال طور علماء الأحياء نهجًا يُعرف باسم نظرية الاستثمار الأبوي لشرح سبب كون النساء هكذا، وتم اعتبار مثل هذه الفروق بين الرجل والمرأة مسؤولة عن مجموعة متنوعة من الاختلافات الاجتماعية في المواقف والسلوك والجنس وأنماط التوظيف ومستويات الدخل والمشاركة في السياسة، وما إلى ذلك.